شريط الأخبار
الجمارك تحبط تهريب 74 الف حبة كبتاجون بمركز حدود جابر أول أيام "الفصح اليهودي".. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحمون الأقصى دراسة مرعبة: %16 من أطفال و%23 من مراهقي الأردن يعانون الاكتئاب الحاد اتخفاض اسعار بيع الذهب نصف دينار بالسوق المحلي الاحتلال يحضر منطقة لمليون نازح تمهيداً لتوسيع الحرب على رفح حرارة الصيف تطرق الابواب: اجواء حارة وجافة حتى الجمعة امريكا تدوس على الحريات: قمع واسع واعتقالات للمتضامنين مع غزة بالجامعات الامريكية الافراج عن مجموعة جديدة من موقوفي اعتصامات السفارة العليا للإعمار في فلسطين تباشر بتزويد شمال قطاع غزة بالطاقة الشمسية كيف انهارت إستراتيجية إسرائيل للحروب.. وصحف عالمية:القادم اخطر ماذا فعل حزب الله بشمال اسرائيل.. الاسرائيليون: حوّله بقواعده العسكريّة ومُستوطناته لحقل تجارب ودمار جثامين بلا رؤوس وأجساد دون جلود: انتشال المزيد من المقابر الجماعية بغزة الملك: التصعيد بالمنطقة قد يوسع دائرة الصراع ويهدد امنها واستقرارها الصفدي يحذر: استمرار اسرائيل بعدوانها ينذر بتوسع الحرب إقليمياً "مركزية المهندسين" تنفذ وقفة تضامنية مع غزة ومع موقوفي مسيرات التضامن راصد: 32 حزباً تنوي المشاركة بالانتخابات و91% ستترشح بـ "المحلية" مشاركة اردنية فاعلة المنتدى العالمي للسفر الصحي الملك: الأردن يثبت دائما قدرته على النجاح بعزيمة الأردنيين وإصرارهم شخصيات وطنية تؤم متحف المشير حابس المجالي وتحيي الذكرى 23 لرحيله طقس دافئ اليوم وكتلة حارة تؤثر على المملكة غدًا

الدكتور محمد علي النجار يكتب :

أيهما أخطر على الوطن الفساد الظاهر أم الفساد الخفي؟!

أيهما أخطر على الوطن الفساد الظاهر أم الفساد الخفي؟!
لم تعد كلمة (الفساد) غريبة عن آذاننا ، فما أن يدور حديث في جلسة ما ، حتى تسمع في ثناياه التذمر من الفساد ، بمناسبة وبغير مناسبة ، فيما يبدأ كل متحدث في التنظير في كيفية محاربته والقضاء عليه .. وما أكثر أولئك الذين يعلقون ما نحن فيه من أوضاع وهموم ومشاكل على شماعة الفساد ، الذي يرونه مستشريًا في مفاصل الوطن ، مستوطنًا زواياه ، حتى يخيل إليك من كثرة إلحاحهم على هذا الموضوع ، أن الفساد صناعة أردنية ، ومن اعتقد ذلك فما هو إلا مخطئ وواهم.
فالأردن واحد من بلدان العالم التي تزيد عن مئتي دولة ، ولا تخلو دولة واحدة منها من لون من ألوان الفساد ، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي الدولة المتقدمة ، التي تتزعم العالم في عصرنا الحاضر ، تقول مجلة (فورين بوليسي): إن الفساد متجذر في الولايات المتحدة أكثر مما يعتقد الأمريكيون ، وأن الرئيس ترامب في مقدمة الفاسدين ، بتهربه من دفع الضرائب ، وتعيينه لابنته وزوجها في مناصب حساسة ، رغم أنهما غير مؤهلين على الإطلاق لمثل هذه الوظائف. كما ذكرت المجلة أن العديد من مستشاري حملته الانتخابية أدينو بالاحتيال ، أو جرائم أخرى.
أما بريطانيا ، ففي دراسة أعدتها منظمة الشفافية قالت: إن أكثر من 386 مليار دولار من الأموال المشبوهة تدفقت إليها ، وأن هذه الاستنتاجات جاءت من خلال دراسة 400 قضية فساد!!.
ولم تخلُ فرنسا من قضايا الفساد التي تنوعت ما بين التهرب الضريبي ، وتضليل العدالة ، ومنح وظائف وهمية للمقربين ، حتى طالت هذه القضايا رؤساء جمهورية ؛ من جاك شيراك ، إلى ساركوزي ، مرورًا بوزراء سابقين.
أما اليابان ذات السمعة الطيبة ، والنظام والعمل والإنتاج ، فليست ببعيدة من الفساد سواء من خلال إساءة استخدام أموال الدولة ، أو الرشاوى لكبار المسؤولين ، أو تزوير البيانات والتهرب الضريبي ، وإسناد نسبة كبيرة من مشاريع الطرق لشركات دون مناقصات .
ولا يعني ما سبق أن هذه الدول هي دول فاسدة ، ولكن ما أريد الوصول إليه ، أن الفساد وباء لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات ، ولا يفهم القارئ أنني بذلك أبرر وجود الفساد في بلادنا ، فالفساد هو سلوك مرفوض جملة وتفصيلاً ، كونه يؤدي إلى الظلم والقهر ، والخراب والفقر ، والضياع والتذمر ، والإحباط واليأس.
إن ما يدور بين العامة من قصص وأحاديث وروايات ، يوحي بأن الفساد ينخر في كيان الدولة وبلا رحمة ، ومن يستمع للناعقين من خارج الوطن ، يتخيل الفساد وحشًا فاغرًا شدقيه ، يريد أن يلتهم كل شيء ، وهي نظرة سوداوية مضخمة بعيدة عن الواقع ، فمن خلال تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2020 والذي صدر في يناير من العام المنصرم ، احتلت الأردن المركز الخامس عربيًا في الشفافية ومحاربة الفساد بعد الإمارات ، وقطر ، والسعودية ، وسلطنة عمان وهو مركز متقدم بين الدول العربية ، أما على المستوى العالمي ، فاحتلت الأردن المركز الستين ، متقدمة على أكثر من مئة وخمس عشرة دولة حول العالم ، ولو تجاهلنا التكرار في المراكز ، فإن الأردن سيحتل المركز الحادي والثلاثين عالميًا. 
فالإمارات التي احتلت المركز الأول عربيًا ، جاءت في المركز الحادي والعشرين عالميًا ، وقطر في المركز الثلاثين ، والسعودية في المركز الحادي والخمسين ، وسلطنة عمان في المركز السادس والخمسين ، والشقيقة مصر في المركز السابع عشر بعد المئة ، وسوريا في المركز الثامن والسبعين بعد المئة ، وجاءت الصومال في المركز التاسع والسبعين بعد المئة في ذيل القائمة عربيًا وعالميًا. وهذا ينفي الصورة المشوهة للأردن ، وهنا أؤكد أنني لا أسوق ما سبق دفاعًا عن أحد ، كبيرًا كان أم صغيرًا ، ولكنني أنتصر للوطن الذي صوّره فن التضخيم الذي نتقنه ، وكأنه كتلة من الفساد ، وفي الحقيقة فإن الوضع ليس قاتمًا إلى هذا الحد الذي نرسمه لوطننا ، وإن كنت أعود لأذكر ، أن ما تقدم لا ينفي وجود الفساد ، ولا يبرر وجوده ، أو ينفي أثره السلبي على بعض مناحي الحياة ، فالفساد موجود لا ينكره عاقل ، ويحتاج إلى المزيد من المعالجة الفورية والقوية والشاملة ، لاجتثاثه من الجذور ، وعدم التهاون مع الفاسدين ؛ حتى يرتدع الآخرون ، فتستقيم الحياة ، ويزيد الإنتاج ، وتتعزز ثقة المواطن بوطنه.
لقد نادى جلالة الملك حفظه الله مرارًا وتكرارًا ، وفي كثير من المناسبات ، بضرورة محاربة الفساد بأشكاله كافة ، كأولوية وطنية ، وأكد جلالته ، أنه لا تهاون في مكافحة الفساد ، واجتثاث جذوره ، وبتوجيهات مباشرة ، ومتابعة منه بدأت (هيئة النزاهة ومكافحة الفساد) عملها بدعم كبير وواضح من جلالته ، وهو الذي أعلن أنه لا خطوط حمراء أمام عمل الهيئة ، ولا حماية لفاسد في هذا الوطن ، وأن جميع مؤسسات الدولة ، بما فيها الديوان الملكي ، خاضعة لمساءلة الهيئة ، إذًا فهناك وعلى أعلى المستويات ، توجه رسمي واضح منذ سنوات ، ودعوة جادة ، وقرار صارم لمحاربة الفساد والمفسدين ، بصرف النظر عن مواقعهم الاجتماعية ، أو مراكزهم الوظيفية.
ولكن ما الفساد؟ وما المعايير التي نحكم من خلالها على سلوك ما بأنه لون من ألوان الفساد؟ وحتى نختصر الطريق ، فإنه يمكننا اعتماد تعريف "الفساد" وفقا لمفهوم منظمة الشفافية العالمية ، وهو "سوء استغلال السلطة ، من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الشخصية علي حساب المصلحة والمنافع العامة". وهو تعريف مختصر ومعبر ، وهو في الغالب يشير إلى الأشخاص الذين يشغلون مناصب عليا في السلطة ، والمسؤولين الحكوميين ، وعلية القوم .. وهو الفساد الذي يصوّب عليه دائمًا المواطن سهامه. 
فهل هذا الفساد هو الذي نعاني منه ، وهل هو الأخطر على البلاد والعباد؟ إننا نستطيع أن نعد على أصابع اليد الواحدة حالات الفساد الكبيرة ، وهي بالفعل وبلا أدنى شك لها الكثير من الآثار السلبية على الوطن ، إلا أنها في رأيي أقل خطرًا على الوطن من الفساد الخفي ، الذي يسري في مؤسسات الدولة ، ودوائرها ، وإداراتها ، ومكاتبها بمختلف أنواعها ومسمياتها ، بما فيها من فاسدين مقنعين مجهولين!!.
هل تعرف أخي القارئ من هم هؤلاء الفاسدون ، الذين يحملون معاول هدم للوطن وهم لا يعلمون؟!. إليك نماذج قليلة ومختصرة ، ويمكنك القياس عليها:
إذا كنتُ موظفًا حكوميًا تعودتُ أن أصل مكان عملي بعد بداية الدوام .. أو أتغيبُ عن عملي لأتفه الأسباب ، أو أستخدم إجازة مرضية وأنا في كامل صحتي ، فأنا فاسد .. وإذا لم يحاسبني مديري المباشر ، ولم يعدل سلوكي ، وغض الطرف عن تقصيري ، فإن المدير فاسد ، وهو الذي أفسد موظفيه ، وجريمة في حق الوطن أن يبقى في وظيفته!. 
وإذا كنتُ معلمًا ، لا يهمني من وظيفتي إلا الراتب آخر الشهر .. أتأخر في الصباح فأدخل بوابة المدرسة بعد جرس الحصة الأولى .. أخرج لقضاء مصالحي الشخصية أثناء الدوام .. أتغيب عن حصصي .. أتحدى المدير ولا أعيره أي احترام أو اهتمام .. لا ألتزم بالنظم ولا أنفذ التعليمات ، لست معنيًا بتطوير ذاتي مهنيًا ، فلا أحسن التعامل مع البرامج التعليمية ، ولا الحاسوب ونحن في القرن الحادي والعشرين .. لا أسهم في بناء المستقبل من خلال إعداد جيل أغرس فيه حب الوطن ، والإقبال على البحث والإبداع والابتكار ، وحب العلم والمعرفة ، وبالتالي كنتُ قدوة سيئة لهم ، فأنا فاسد وأكبر من فاسد. 
وإذا كنتُ مهندسًا في أحد المشاريع الإنشائية الكثيرة ، أقوم بالتوقيع على استلام كامل الكميات المقررة ، مع علمي مسبقًا بوجود نقص فيها ، وإذا غضضت الطرف عما في التنفيذ من تجاوزات وأخطاء ، وعدم التزام بالمواصفات المحددة ... فأنا فاسد وخائن للأمانة.  
وإذا كنتُ شابًا أبحث عن عمل ، والعمالة الوافدة تعمل في كل مكان ، ووجدت فرصًا كثيرة ، لكنني لم التحق بأي عمل ، لأنني أريد وظيفة على المقاس الذي أريده ، ثم شكوت من البطالة .. فأنا فاسد ومتواكل.
وإذا كنتُ طبيبًا أقسمتُ اليمين ، وجاءني مريض فكلفته بإجراء فحوصات وصور ، وتحاليل طبية لا حاجة له بها ، إنما لترتفع فاتورته ، أو أقنعته بضرورة إجراء عملية جراحية ليس مضطرًا إليها ، أو أدخلته للنوم في المستشفى دون ضرورة لتزيد فاتورته بمبالغ إضافية تكسر الظهر ، فأنا فاسد وليس لدي ضمير.
يقول صديق: انتظرت عشرين عامًا لتعبيد شارع أمام بيتي ، ولم أبحث عن واسطة ، وأنا أرى بأم عيني الشوارع تعبد في أماكن قريبة مني لآخرين ، فهل الواسطة ضرورية لتسهيل الطريق ، وتذليل الصعاب؟ وهل هذا مؤشر فساد؟!.
ويقول صديق آخر: دخلت دائرة حكومية خدمية ، وشعرت من خلال تعامل الموظفين معي ، وكأنني متهم أدخل مركزًا أمنيًا للتحقيق ، وأقسم لي أنه لم يستكمل معاملته ؛ لأنه لا يشعر بأنه يطلب خدمة هي من حقه وسيدفع ثمنها ، بل يشعر بأنه يتسول. فهل يحتاج بعض الموظفين إلى إعادة تأهيل؟ وهل هذا مؤشر فساد؟!.
ويخبرني صديق ثالث: دخلت أحد الأقسام في إحدى الدوائر ، وخلف (الكاونتر) تكدس عدد كبير من الموظفين ، قدمت للموظف معاملتي التي لا تحتاج أكثر من خمس دقائق ، بضغطة زر على الحاسوب ، وكتابة المبلغ المستحق ، فتداولتها الأيدي من يد ليد ، حتى وصلت لموظف وضعها على جانب من طاولته ، واستمر في حديثه مع ضيفه الجالس علي كرسي داخل (الكاونتر) ، وبعد قليل ودون أن ينظر إلى المعاملة ، أرجعها كما هي للموظف الأول الذي وضعها أيضًا جانبًا ، وأخذ يرحب بمراجع وصل للتو ، فأنجز له معاملته ، ثم تفضل مشكورًا خلال دقائق ثلاث بإنجاز معاملتي!!. فهل هذا نتيجة البطالة المقنعة في القسم المكتظ ، والتي أدت إلى الإهمال ، والاتكالية ، واللامبالاة ، وعدم الالتزام بالنظام؟ أو نتيجة ضعف الرقابة ، وعدم المساءلة؟ فهل هذا مؤشر فساد؟!.
هذا غيض من فيض لا يتسع له المقام ، ولكن هذا كله ، لا يعني غياب الجوانب المشرقة في وطني ، ولا يلغي الجهود المخلصة التي تعمل بصمت وتبني ، ولا تقلل من جهود المؤسسات العصرية التي تأخذ على عاتقها التطوير ، وتطبيق النظام والعدالة ، وتسارع في خدمة الوطن والمواطن.
ومع ذلك فنحن بحاجة - كأي مجتمع - إلى الإصلاح بشقيه: محاربة الفساد الذي أكد عليه جلالة الملك حفظه الله ، باعتبار مكافحة الفساد ضرورة بل مصلحة وطنية ، وركيزة من الركائز الأساسية للإصلاح .. ثم محاربة الفساد الخفي ، الذي يبدأ من قاع الهرم ، وهو في رأيي المتواضع لا يقل أهمية عن الفساد الظاهر.
كفانا تذمرًا وشكوى من الفساد ، فالفاسدون بجميع مستوياتهم لم يهبطوا علينا بالمظلات ، بل هم أنا وأنت ، وجاري وجارك ، وصديقي وصديقك ، وابن عشيرتي وابن عشيرتك ، وابن قريتي وابن قريتك ، فلنبدأ بإصلاح أنفسنا ومَن حولنا ، لإنقاذ سفينة الوطن ، والوصول بها إلى بر الأمان .. فمستقبل الأردن واعد بإذن الله ، ووطننا يستحق منا المزيد من الجهد والإخلاص .. حفظ الله الأردن أرضًا مباركة .. وشعبًا مخلصًا .. وقيادة هاشمية رشيدة .... وإلى لقاء.