أبو النواس في رمضان... بين التخريف والتحريف


وليد حسني
هجم علي في اليومين الماضيين الشاعر الحسن بن هانيء"أبو نواس" وكان لا بد من الإنصياع لهذه الهجمة فعدت لديوانه فقرأته مكتملا، ثم عرجت على دراسة عباس محمود العقاد عنه، وانتهيت منهما الليلة بعد قضائي يومين وليلتين مع هذا الخليع الذي قيل إنه أناب وتاب وحج البيت المعمور وتنسك ــ في بعض المرويات ــ حتى وافاه أجله..
ما يهمني إبداع المرحوم عباس محمود العقاد في سبر شخصية ابي نواس وقراءته المخالفة لباقي القراءات الأكاديمية السابقة عليه،ولعل من المهم هنا التأكيد على أن شخصية ابي النواس وصلت الينا عبر شخصيتين مختلفتين تماما، اولهما شخصيته التاريخية ، وهي الشخصية المنقوصة غير المكتملة إلا من بعض المرويات التي لا تحتمل أخذها كوقائع تاريخية ثابتة، ولولا ما يمنحنا شعره بعض مفاتيح شخصيته لكنا أضعنا تماما ما وصلنا منها على وجه الحقيقة،
أما الشخصية الثانية فهي الشخصية التي حيكت باعتبارها شخصية شعبية ألصقت بها عشرات الحكايات والمرويات التي يمكننا تصنيفها في إطار الأدب الشعبي، مما حول شخصية ابي النواس الشاعر الى شخصية شعبية مكتملة الأركان، وتحول الى بطل شعبي يرمز الى التهتك، والى الجنس والى عالم الجواري والغلمان، وجلسات البطالين والمتهتكين، والخلاعة والإباحية في أجلى صورها الشعبية ، مما جعل المرويات الشعبية عن شخصية أبي النواس مقاربة تماما لما حفلت به ليالي الف ليلة وليلة التي اتخذت هي الأخرى من شخصيته محاور لبعض أقاصيصها وسردياتها.
وعبر التاريخ تحولت شخصية ابي النواس الى شخصية شعبية تماما، وأصبح بلا منازع أشهر شخصية في تاريخ الشعر العربي حتى اليوم، ولو أجرينا استطلاع رأي للعامة عمن يعرفون من الشعراء لكانت شخصية ابي النواس تطغى على باقي الشعراء وتتقدمهم في الشهرة والمعرفة، وكل ذلك يرجع الى ما بناه الحكاؤون حوله من حكايات لا تصدق كلها، وحري تركها أو دحض جلها..
وأرى ان السبب في ذلك كله يعود لموضوعات ابي النواس الشعرية من الخمريات والجنس والتغزل بالجواري والغلمان، وكلها تفضح بلا أدنى شك العقلية العربية التي تعاني من الهوس الجنسي، وتجعله جل حياتها، ومنبع تفكيرها، وهذا ما جعل من شخصية ابي النواس مادة لصناعة بطل شعبي يعبر عن واقع المجتمع العربي الذي تستهويه اللذائذ، كما يفضخ في الوقت نفسه حجم الفساد والإباحية والشذوذ في قصور السلاطين وأثرياء وسادة ذلك المجتمع...
والحديث ذو شجون..