شريط الأخبار
حي الطفايلة يعيدون مستشفى رئيسي للعمل بشمال غزة فيديو خيبة اردنية بعد خسارة نشامى الاولمبي امام "العنابي" لماذا اصطحب الامير حسن المقررة الاممية للاراضي المحتلة لاكبر مخيمات الاردن؟ الاردن يصعد ضد اسرائيل امام مجلس الامن: الزموها بعدم اجتياح رفح قمة "مستقبل الرياضات الالكترونية" تنطلق السبت المقبل برعاية ملكية سامية "المهندسين" تطالب بالإفراج عن المهندس ميسرة ملص فوز هيئة ادارية جديدة لنقابة تجار المواد الغذائية بالتزكية محافظ العاصمة يفرج بالكفالة عن 17 موقوفا من "اعتصامات السفارة" منصور: مركز الحسين للسرطان سيفتتح فرعا بالعقبة مطلع العام المقبل جثة ميت امام موظفي البنك لنيل قرض بنكي معروف: الف مفقود مجهول المصير يخلفه احتلال وتدمير الشفاء الطبي توقيف موظف جمارك بتهمة الاختلاس ألبانيز تخاطب الضمير العالمي.. وتوثق بالأدلة جريمة الإبادة في غزة كباتن التطبيقات الذكية يلوحون بالاحتجاج "مكافحة المخدرات": القبض على متورطين بتجارة وزراعة وتهريب المخدرات "المركزي": الاعفاء من مخالفات السير لا يلغي خصم التامين مفاعل ديمونا تعرض لإصابة".."معاريف" تقدم رواية جديدة للهجوم الإيراني وتحليلات لصور الأقمار الصناعية اردني يقتل زوجه ابيه لقناعته بتحريضها والده ضده جدل حول دستورية فصل الحزب لنائبه.. ونوفان العجارمة يؤيد عدم الدستورية في بلد عدد عزابه 2.8 مليون.. لماذا يتزوجون؟! (2-1)

جورج طرابيشي.. فارس تحرير العقل العربي!

جورج طرابيشي.. فارس تحرير العقل العربي!

جلال أبو صالح

رحلة طويلة مع الأدب وعلم النفس والفلسفة ودراسة الأديان والتاريخ، تلك التي قطعها المفكر السوري الراحل جورج طرابيشي، والذي يعد من أبرز الكتاب التنويريين في العالم العربي، والمدافع بضراوة عن أبرز مفكري النهضة العربية، فتراه انغمس في التراث الإسلامي والعربي في بحث طويل عن ينابيع الفكر الحر وقيم التسامح والحرية في محاولات حثيثة منه، لإدخالها في نسيج الواقع العربي المحترق بنار الصراعات الطائفية والدينية.

وانطلاقاً من همومه الفكرية وتوجسه الدائم، تنقل طرابيشي عبر أكثر من محطة بدأها بالفكر القومي والانتساب إلى "حزب البعث"، ثم معارضته له بعد تسلمه السلطة، الأمر الذي أدخله السجن. وبعد "فتوحاته" في ترجمة الوجودية أصبح وجودياً، ومال أيضاً إلى الماركسية، وكتب عدداً من المؤلفات فيها، لكنه بعد كل ذلك انتهى إلى تبني نزعة نقدية جذرية، يرى أنها الموقف الوحيد الذي يمكن أن يصدر عنه المفكر، ولا سيما في الوضع العربي الذي يتجاذبه قطبان: "الرؤية المؤمثلة للماضي والرؤية المؤدلجة للحاضر".

وطوال مسيرته الفكرية، اجتهد طرابيشي (١٩٣٩-٢٠١٦.م) بالبحث في أسرار تراجع العقل العربي عن الإبداع، والاستمرارية الحضارية، واشترك في نقاشات ثرية مع المفكرين العرب لوضع اليد على الأسباب الحقيقية وراء استكانة واستسلام العقل العربي للإجابات الجاهزة، وانخراطه في تصديق الخرافات، وتتبع الكهنة والمشعوذين، هذه النقاشات عرفت بمعركة "استقالة العقل" أو "أفول العقل"، وهي تعني توقفه عن الإبداع والتطور ومسايرة الركب الحضاري الجامح.

طرابيشي، الذي رحل في مارس قبل سبعة أعوام، تأثر ببيئته السورية التي نشأ فيها، واختلط مع شباب عصره في حلم القومية العربية والاشتراكية والأفكار الماركسية الكبرى، ومر بمرحلة فكرية متجددة، استقر فيها على قراءة الواقع العربي وأسباب تراجعه عن بقية الأمم، وتساءل بدوره، أهي أسباب خارجية قضت على العرب أم أسباب داخلية توفرت بيئتها فعملت على ضياعنا؟ ثم، هل هي أسباب تعود لعوامل خارجية من فعل "الآخر" كما يذهب المفكر المغربي محمد عابد الجابري، أم هي أسباب تعود لعوامل داخلية من فعل الذات لا "الغير"؟ كما يرجح طرابيشي ذاته.

من هذه التساؤلات، قضى المفكر السوري نحو ربع القرن في  نقد مشروع "الجابري"، والتعامل مع أطروحاته المتعلقة بإشكاليات العقل العربي والإسلامي، إلا أن "الجابري" الذي عايش فترات الرد على مشروعه وانتقاده فإنه رفض رؤية طرابيشي واعتبرها "غير مسؤولة".

وكان لكل من ماركس، لينين، سارتر، دو بوفوار، هيغل، نصيباً وافراً لنقلهم إلى اللغة العربية على يد طرابيشي، إلا أن أوفرهم حظاً، فكان عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد، الذي تعرف عليه جورج في واقعة طريفة، ربما هيأت أسباب هذا الولع بترجمة مجمل أعماله. كان جورج إذ يجلس ليأكل، يمزق رغيف الخبز فتاتاً في عادة يظهر أنها مكروهة في سوريا. تنهره زوجته، لكنه ينسى ويمزقه لا شعورياً في كل مرة.

ذات يوم، صادف طرابيشي مقالاً لأحد تلامذة فرويد يحكي عن هذه الظاهرة النفسية. يقول إنها "تمزيق لا إرادي ولا شعوري للأب". "أنا إذن أمزق أبي!". أصابه المقال برجفة لأنه كان في صدام مع أبيه أثناء المراهقة. ومنذ ذلك الحين، انفتح على التحليل النفسي وأخذ يقرأ لفرويد ثم شرع يترجم أعماله.

على مستوى الترجمة أيضاً، آمن طرابيشي بضرورة نقل تاريخ الفلسفة الحديث إلى العربية، فخصص سنوات لترجمة الأجزاء الثمانية من آخر تاريخ فلسفي شهدته الساحة الفرنسية، كما وفر للعربية مرجعاً آخر حين ترجم "موسوعة علم الجمال الهيغلي".

ولعل أكثر ما كان يشغل الراحل، قضية الديمقراطية بوصفها واحدة من أكثر الإشكاليات المطروحة بإلحاح في الفكر السياسي العربي والثقافة العربية اليوم، وما يؤكد طابعها الإشكالي ما يروج لها وكأنها إيديولوجيا خلاصية جديدة، واعتبارها معجزة في المخيال العربي!

خلاصة القول، ونحن نعيش اليوم مرحلة من تشتت الهويات وغموض المصير، نتيجة تحولات كبرى ألمت بشعوب المنطقة بعد الربيع العربي، ووضعت الجيل الجديد على أعتاب واقع مختلف، تائهاً بين انتماءات وطنية وقومية وعقدية، وأحلام باستعادة ماض مجيد لا يسمع عنه سوى في خطابات السياسيين وكتابات المفكرين وصراخ الأئمة على المنابر، ونحن نعيش هذا الواقع، لا يمكن أن تمر ذكرى رحيل طرابيشي من دون العودة لنتاجه الذي ينوف على مائتي كتاب، ويصب كثير منه في نقد الواقع العربي وتحليله؛ وهو الذي تمكن من ذلك بفضل تفتح مداركه على مصادر الثقافة المختلفة.. واصراره على استقالة العقل العربي!

نقلا عن "هنا صوتك"