شريط الأخبار
ادانة رئيس لجنة زكاة بالتزوير واساءة الائتمان لاستيلائه على 400 الف دينار حزب إرادة: حصدنا رئاسة تسع مجالس محافظات من أصل 12 توجه لتعيين القاضية السابقة الحمود رئيسة للجنة الدائرة الانتخابية العامة تقدير موقف | هل نجحت أميركا بكبح التصعيد بين إيران وإسرائيل؟ وفاة 3 اشخاص بحادث سير بوادي موسى هاليفي ورئيس الشاباك بالقاهرة.. هل رضخت مصر لخطط اسرائيل باجتياح رفح؟! لطمأنة مستوطني شمال اسرائيل الفارين.. جالانت يزعم: قتلنا نصف قادة حزب الله! إسرائيل تشحذ طائراتها ومدافعها لمهاجمة رفح.. وتشتري 40 ألف خيمة لـ"المدنيين"! الملك يحذر من تفاقم خطورة الوضع الانساني في غزة خريسات: أجرينا آلاف عمليات السمنة في مستشفيات الوزارة شاب يقتل شقيقه طعنا لخلافات عائلية تحديد موعد الانتخابات النيابية في 10 أيلول المقبل الميثاق يرحب بتوجيهات الملك لاجراء الانتخابات النيابية ماراثون الانتخابات يبدأ.. الملك يامر باجرائها.. وايلول موعدها المتوقع الحرية واسطولها عالقة بشواطيء تركيا.. وغزة المحاصرة تنتظر عُمان توقف مؤقتا التحاق طلبتها بالجامعات الخاصة الأردنية الملك في وداع امير الكويت "الضمان" يوافق لـ "المستشفيات الخاصة" على صرف مستحقات إصابات العمل "المياه" تستكمل حملتها بضبط وردم 30 بئرا مخالفة ومحطات معالجة وتحلية الملك وامير الكويت يؤكدان الاعتزاز بالعلاقات الاخوية التاريخية بين البلدين

الثابت والمتحول.. الصراع المحتدم بين المقلدين والمجددين!

الثابت والمتحول.. الصراع المحتدم بين المقلدين والمجددين!

جلال أبو صالح

"إننا اليوم نمارس الحداثة الغربية، على مستوى تحسين الحياة اليومية ووسائلها، ولكننا نرفضها على مستوى تحسين الفكر والعقل. أي أننا نأخذ المنجزات ونرفض المبادئ العقلية التي أدت إلى ابتكارها. إنه التلفيق الذي ينخر الإنسان العربي من الداخل!".

تبرز هذه المقدمة كحصيلة قراءات عديدة؛ قدمها المفكر السوري الأبرز، أدونيس، أحد أهم رواد الحداثة في الوطن العربي، في كتابه الأشهر "الثابت والمتحول"، والذي بحث فيه عن أوجه التقليد والتجديد والإبداع والابتداع، طارحاً رؤية مختلفة للعربي اليوم بين تراثه الديني والثقافي.

و"الثابت والمتحول"؛ قدمه أدونيس رسالةً للدكتوراه، في منتصف السبعينيات، تحديداً (1975م) وطرح -من خلاله- مشروعه الفكري، الذي تلمس فيه مواطن الخلل في الفكر العربي والإسلامي؛ من خلال تتبع دقيق لمفردات الحياة العربية والإسلامية، ورصد آليات تلك الثقافة التي توسلت بها لإنتاج تلك المعارف، فحملت الأطروحة في طياتها نظرة نقدية إلى التراث العربي، الأدبي، الشعري، والديني.

يقول المفكر والشاعر والأكاديمي: "كنت أريد أن يقدم (الثابت والمتحول) قراءة جديدة ومختلفة لتاريخنا الديني - السياسي – الثقافي، لكن كان الصراع محتدماً وحاداً بين القائلين بالتغيير والتجديد والعاملين على استمرار القديم".

اللافت أن هذا الكتاب، كان إشكالياً بعدة معان: أولها أنه أكاديمي ونقدي في الآن نفسه، فهو في الأصل أطروحة علمية، لكنه ينطلق خارج الاشتراطات الدراسية الأكاديمية؛ ليحاور النصوص والمراجع والمنطلقات، ويغور بعيداً في التأويلات والتحليلات النصية، واضعاً سياقاً تاريخياً جديداً للظاهرة الشعرية.

هذا هو مصدر إشكالية كبرى في الكتاب، بجانب أنه يستدير ليغدو بحثاً في الاتباع والإبداع في الشعر خاصة، رغم التقديم النظري المطول لتاريخ الحكم الإسلامي والفكر وحركته داخله ومؤثراته في تكون النظرية الشعرية والنقدية.

حيثيات الجدل الحداثي

يصل أدونيس إلى فكرة الاتباع والإبداع أو الثابت والمتحول عبر عرض بانورامي للثقافة العربية المتصلة بالحكم والدين والفلسفة والثورات العربية والظواهر الأدبية والشعرية لأن الثبات والاتباع، كما يراه، أدونيس، قادم من لحظة تاريخية سابقة ظل العرب بحكم عدم اعتقادهم بالنهايات منساقين لهيمنتها، وتتلخص في البحث عن أصل أو نموذج طارد لما عداه. كما في تشخيصه مثلاً لموقف الثقافة التقليدية من التراث ورؤيتها للصلة به، فقد رأت أنه "أصل لكل نتاج لاحق". وبذلك صار القديم هو المستند الأصل أو النموذج، والحديث هو الطارئ والمرفوض.

وسينال هذا التشخيص حتى المحاولات الشعرية للخروج على الأصل كما في شعر أبي نواس، الذي رآه أدونيس في مقارنة مع أبي تمام "يهدف إلى المطابقة  بين الحياة والشعر"، أما أبو تمام فشعره تأسيس وحداثته تهدف "إلى خلق عالم آخر يتجاوز العالم الواقعي".

كما يجد أدونيس، أنه بما أن الثقافة العربية، بشكلها الموروث السائد، ذات مبنى ديني، وهو هنا يعني أنها ثقافة اتباعية، لا تؤكد الاتباع فحسب، وإنما ترفض الإبداع وتدينه، فإن هذه الثقافة تحول، بهذا الشكل الموروث السائد، دون أي تقدم حقيقي، ولا يمكن، بتعبير آخر، كما يبدو لأدونيس، أن تنهض الحياة العربية، ويبدع الإنسان العربي، إذا لم تتهدم البنية التقليدية السائدة للفكر العربي، وتتغير كيفية النظر والفهم التي وجهت هذا الفكر، ولا تزال توجهه.

الثابت والمتحول

يرى أدونيس في مفهوم "الثّابت" ذلك النص السلطوي القائم على رفض وإقصاء النصوص الأخرى، المغايرة والمخالفة له، من مثل نصوص الطّبري وابن حزم وابن تيمية، والتي لا تخرج عن نطاق النصوص الدينية والإسلامية والفقهية، وجميع النصوص الموازية لها، بينما رأى في مفهوم "المتحول" تجاوز للمسلمات الثابتة، وهو ما جعله يتبنى التّأويل كوسيلة للخروج عن النّص الأول واختراقه.

ويعتبر مصطلح الإبداع من المصطلحات المقابلة للمصطلح الرئيسِ عند أدونيس؛ أي مصطلح التحول، والذي يريد به الانفتاح الدائم على الوجه الآخر من الفكر والأدب والنقد، فقد حملهم معاني إيجابية باعتبارهم خلق، حيث لامس أدونيس الحداثة العربية من خلال قراءته للتراث العربي قراءة عمودية، ومحاولة استنطاقه، وبالتالي حاول التأسيس لحداثة عربية نابعة من الداخل لا من الخارج، معبراً عن رفضه لتلك الممارسات اللاواعية لفعل الحداثة، من خلال تبني حداثة غربية والانبهار بنتائجها دون الخوض في مسبباتها.

كما وقف على أهم قضايا الحداثة العربية بالتعبير عن إشكالياتها وعقباتها، مُشيراً إلى ضرورة التملص من سلطة الآخر وتأثيراته الجانبية على الثقافة العربية؛ من خلال إقامة حداثة عربية نابعة من عمق التراث العربي، ومن ثم تجاوزه إلى آفاق جديدة منفتحة على التّطورات التي تجتاح النص الأدبي المـراوغ، وينوه في سبيل ذلك إلى أهمية الإحاطة بنقطة التحول الفاصلة في تاريخ الأدب العربي، وهي الانتقال من الصيغة الشفوية (السماعيّة) إلى الصيغة الكتابية (التدوينية).

أن نعرف ما نكون!

بالمجمل؛ فإن النهوض والتقدم في عالما العربي وثقافتنا لا يقوم دون مواكبة العصر وتلاقح الحضارات، ففي ثقافة أي مجتمع من المجتمعات هناك الثابت وهناك المتحول وكلها تشكلت عبر رحلة الإنسان مع الزمن وعبر الخبرات التي اكتسبها خلال تلك الرحلة والتطور العلمي والتقني الذي طرأ على المجتمع ونقله من طور إلى آخر.

وبذلك فإن الثابت الذي ننظر إليه اليوم باعتباره ثابتاً كان في يوم من الأيام متحولاً ومتطوراً خضع للرحلة نفسها التي مرت على الإنسان وعلى مجتمعه، ولذلك فإن القداسة التي يتمتع بها الثابت عليها ألا تمنعه من مسيرة التطور الطبيعية لأي شيء مادياً كان أو معنوياً، فقيم المجتمع بحاجة إلى أن نتمسك بها ونحافظ عليها ولكن دون أن نمنعها من التطور الطبيعي المصاحب لتطور الإنسان نفسه وتطور المحيط الذي يعيش فيه.

أخيراً، مهما كانت المسافة بعيدة بيننا وبين ما كتبه أدونيس، وبغض النظر عن تبنينا أو معارضتنا لما قاله، فإن كتابه الثابت والمتحول؛ تجربة فكرية عميقة عصفت بعقول الكثيرين وجعلتنا نفكر، ونحلل، ونستبصر، لعلنا نعرف ما نكون!