المفاوضات على جبهة لبنان “لن يقبل الشيخ نعيم قاسم ما لم يقبله السيد الشهيد نصر الله في حياته”
كمال خلف
بدأت تطل المساعي الدبلوماسية برأسها
لوقف الحرب في لبنان، مأزق الجيش الإسرائيلي على الحدود البرية اللبنانية بات
واضحا، وما عادت تخفيه الصور الاستعراضية لرئيس الأركان او المتحدث باسم جيشه في
المنازل القريبة من الحدود وصور الأسلحة التي يتباها باغتنامها، الجميع بات يتعامل
مع ذلك باعتباره مشاهد دعائية، امام مشاهد مسيرات المقاومة التي تصور الهدف قبل
الانقضاض عليه وتدميره.
وامام تهيب الجيش الإسرائيلي التوغل في
العمق وبقاء المناورة البرية تراوح عند الحافة الامامية الحديث عن مسار سياسي مع
لبنان لوقف الحرب مازال في طور جس النبض، تطرح خلاله إسرائيل شروطا عالية السقف من
قبيل هدنة مؤقتة لشهرين، وتطبيق القرار ١٧٠١ وفق تعديلات تسمح لإسرائيل بحرية
الحركة العسكرية في الأجواء اللبنانية واستمرار استهداف مواقع او اهداف تراها
تهديدا لها، وتقييد تسلح المقاومة او حصولها على السلاح.. والخ من الشروط التي هي
بكل تأكيد مرفوضة من حزب الله، ولن تقبل بها المقاومة ومن يمثل المقاومة في
المفاوضات السياسية، وباعتقادي ان إسرائيل بدأت بالسقوف العالية في لعبة تقليدية
للمفاوضات، تظهر فيها انها الطرف المنتصر الذي يستطيع ان يملي الشروط، وهذا يخالف المشهد
الأخير في الميدان فخلال الأسبوعين الماضيين استطاع حزب الله التحول من مرحلة
استعادة التوازن الى مرحلة التحكم بالميدان والابداع في العمليات نوعا وكما وعلى
مستوى المديات والعمق. ويدرك الان حزب الله انه بات قادرا على قلب الطاولة، وتغيير
المشهد ولديه فرصة باتت متاحة باعتقادي لفعل المزيد من الضربات الموجعة.
اما في مسار المفاوضات فان اختيار الشيخ
نعيم قاسم ليخلف الشهيد السيد حسن نصر الله لقيادة الحزب، له كثير من الدلالات
أهمها ان الحزب أراد ان يقول ان كل شيء تم ترميمه على مستوى القيادات السياسية
والعسكرية، وكذلك وضع عنوان واضح وبارز للتفاوض، يقرر وينطق بلسان الحزب في أي
تسوية او مباحثات ذات صلة بوقف الحرب على لبنان.
وفق المعطيات الميدانية والسياسية، لا
تبدو الحرب علـى لبنان طويلة الاجل وان مباحثات وقفها قد وضعت على السكة، بالنسبة
للزمن المتبقي من عمرها، وفق الرغبة الامريكية يقولون قبل الانتخابات الامريكية في
الخامس من الشهر المقبل، لكن هذا لا يبدو واقعيا، والاقرب للتحقق هو انتظار
نتنياهو والقيادة في إسرائيل الساكن الجديد في البيت الأبيض، رغم ان قادة تل ابيب
على الأرجح باتوا مدركين ان انهاء الحرب على لبنان بأسرع وقت وبأفضل الشروط هو
الخيار الأفضل الان، لتفادي اهدار ما يعتبرونه إنجازات كبيرة تحققت بعد النجاح في
الاغتيالات ولاسيما اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ولتفادي
المزيد من الخسائر في صفوف الجنود، وتكريس صورة الفشل البري في جنوب لبنان، حتى
الأهداف التي باتوا يقصفونها من الجو، و قائمة الاغتيالات في بيروت من الواضح انها
نفذت، ولم تعد لديهم قائمة محدثة لاهداف بذات النوعية، ولذلك باتوا يقصفون احياء
سكنية، او يكررون قصف اهداف كانوا قد قصفوها سابقا، ويستهدفون الصحفيين والطواقم
الإعلامية.
الفارق في انتظار نتائج الانتخابات ان
دونالد ترامب سيكون اكثر مجاراة لهم في الشروط على لبنان، واكثر حميمية مع جنون
ودموية نتنياهو، اما في مجال التسليح والذخيرة والدعم فان ليس فارق كبير، ومن
المعروف ان الإدارة الديمقراطية الحالية او إدارة هاريس المقبلة ستعطي إسرائيل كل
الدعم بلا قيود او حدود. الفارق الذي يمكن ان يكون ملحوظا هو في الحرب على غزة،
واليوم التالي لها، ترامب لن يمانع الاستيطان في غزة او التهجير منها او من الضفة،
ولن يتحدث عن حل الدولتين ولو من باب استخدامه كطعم او كريدور لحصول إسرائيل على
المزيد من جوائز التطبيع مع العرب.
واذا كان نتنياهو يحاول تفادي المأزق في
لبنان، او الفشل المدوي الذي ينسف كل خطابه السابق عن تغير وجه الشرق الأوسط
والقضاء على حزب الله، وتركيب نظام حكم في لبنان وفق الرغبة الإسرائيلية، بالذهاب
الى اتفاق بشروط تظهره بمظهر المنتصر. فان المفاوضات على المسار الفلسطيني مختلفة
كليا، هناك نتناهو يمارس لعبة تفعيل الوسطاء وتبادل الأفكار وارسال وفود دون
صلاحيات فقط لتهدئة عائلات الاسرى كلما صحو من سباتهم وعادوا للشارع، وتهدئة عاصفة
الانتقادات الدولية، فبعد الإبادة الجماعية على الهواء مباشرة بالقتل والقصف
التجويع والتهجير القسري لسكان شمال غزة، ازدادت الضغوط والانتقادات الدولية ولا
بأس بمسرحية تظهر عودة المسار التفاوضي وقرب التوصل الى صفقة لتهدئة موجة
الانتقادات، ومن ثم مواصلة الإبادة. هذه اللعبة كررها نتنياهو مرارا وتكرارا
مستخفا بكل الجهود التي يبذلها الوسطاء والاجتماعات التي تقعد والزيارات التي
تحصل. في النهاية نتنياهو يقول لن أوقف الحرب ولن انسحب من فيلادليفا وسأقضي على
حماس. وهذا كاف للاستنتاج ان المفاوضات بشأن غزة لن تفضي الى شيء، خاصة ان حماس
متمسكة بالانسحاب الكامل ووقف اطلاق نار شامل ولا يبدو انها تقبل حتى الان هدن
مؤقتة.
وفق هذا المشهد تبدو هناك حاجة
إسرائيلية لوقف الحرب بشروط قاسية على لبنان، بمقابل عدم استعداد لوقفها في غزة،
لان الحسابات هناك مختلفة. ووفق ذلك لا يجب ان يغيب عن الذهن ترابط الجبهات. وان
وقف الحرب علـى غزة هو المرر الاجباري لاتفاق مع حزب الله. لا يمكن وقف النار في
لبنان دون غزة، ولن يقبل الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم ما لم يقبله
السيد الشهيد نصر الله في حياته، بل دفع حياته ثمنا لنصرة اهل غزة، رافضا حتى قطرة
الدم الأخيرة فصل الجبهتين، وهذا ما سوف تصطدم به إسرائيل عاجلا ام اجلا.. وستكون
امام خيارات صعبة ستغير المشهد الراهن برمته
كاتب واعلامي فلسطيني