إلى كتائب ( المقاومة ) ...في ( غزة)
عبدالهادي
راجي المجالي
كنت
أظن أن أجمل لحظة تجلي في العمر ، هي عندما استمع لمحمد عبده ... في سيارتي وأكون
متجها للكرك ،لكني اكتشفت اليوم وأنا أتابع قناة الجزيرة أن الفيلم الذي قامت ببثه
عن عملية ( ي ت .. حانون ) ..فيه تجليّات أعلى من كل ما أنتج محمد عبده.. واعذريني
يا كرك .. الطريق أيضا إلى (بيت حانون) أجمل ...
كنت
أظن ...أن (آرنستو تشي جيفارا وفيدل كاسترو ولينين وهوشيه منه وغاندي) ...
هم قادة التحرر والرفض .. تبيّن أنهم جميعا بكل تاريخهم .. لايتساوون مع السيدة
التي قصف منزلها في شمال ( غزة) .. وحين أرادت طواقم الإنقاذ انتشال جسدها في لحظة
النزف وتحطّم الضلوع .. قالت لهم : (استروا عليّ يمه ) ... إن الستر بحد ذاته، هو
أيدلوجيا أعلى من كل الإيدلوجيات التي ابتكرها العقل البشري .. كانت تبحث هذه
العجوز عن الستر في عالم تعرّى تماما من كل القيم .
كنت
أظن .. أن (ال بتشينو ، ودينزل واشنطن ، ريشارد جير .. براد بيت ) .. هم نجوم
استولوا على عقول البشر بما قدّموه للسينما ... ( غز ة ) لم تقدّم تمثيلا .. لم
تقدّم مؤثّرات صوتية … لم يذهب أي ساكن فيها إلى هوليوود .. لكنها قدّمت الدم
حقيقيا ، الاغتيالات كانت حقيقية . والذبح والغطرسة والجنون كل ذلك
كان حقيقيا . .. مع ذلك قدّمت الفداء والبطولة والصبر والتضحية .. كدروس للبشرية ،
كي تخرج هذه البشرية الخرساء من زيف أمريكا وكذب أمريكا ....ودجل أمريكا ... (٧٠)
عاما وهوليوود تنتج من القيم والإنسانية الزائفة أفلاما وتنفق المليارات ...
لقد عرّتهم ( غز ة )، لأن الصورة كانت حقيقية .. والسيناريو لم يخضع للدجل الأمريكي،
والجريمة كانت تحت ضوء الشمس وليس تحت أضواء الإستديوهات ..والشهداء لم يكن دمهم
مزيفا كما الدم الأمريكي بل كان حقيقيا..
بعد
انتهاء الحرب لن تمر على عالمنا العربي اربعة فصول .. سيمر على العالم العربي فصل
واحد هو ( فصل غز ة ) ... لن يسقط فيه المطر ولن تشرق الشمس .. بل سيسقط بدلا من
المطر بلح خان يونس .. وسيشرق الدم خضيبا أحمرا ...
بعد
انتهاء الحرب ...ستسقط نظرية سيجموند فرويد في علم النفس .. ستنشأ نظرية جديدة ..
وهي نظرية الطفل الذي يرضع البارود من ثدي الأرض ...
بعد
انتهاء الحرب .. ستتغير أسماء السيارات ... ستنتج اليابان سيارة تويوتا دير البلح
،بدلا من لاند كروزر ... وستنتج شركة بيجو سيارة بيجو جباليا ... وسترفض أم العبد
التي فقدت ( ٣ ) من أولادها .. أن تطلق شفرولية سيارة باسمها .. لأن حذاء أم
العبد ،صنع الصمود والكبرياء .. بالمقابل (جنرال موتور كوربوريشن) ..
شاركت في صنع الجريمة ..
وأنا
مقدّما سأعتذر من إيرباص ...فإنتاجها الجديد من طائرات ( الياسين ) سيرفض ، لأن
فرنسا والعار صنوان .
حتى
مرسيدس ،ستحاول أن تصنع مرآة في مقدّمة سياراتها على شكل خارطة ( غزة )، ولا أعرف
هل ستشفع المرايا لدولة كبرى عن غرقها في وحل العار والجريمة ؟
اقتربت
نهاية المعركة ، والبعض يحاول أن يجمّل موقفه المتخاذل ... لكن التاريخ لن يجمل
موقف أحد ... وذات يوما ستنهض ( غزة ) على قدميها مثل فرس جامحة ... ستنهض وستصفع
كل العواصم .. وتعود لسريرها ...اقتربت نهاية المعركة ..والدم لن يركع ، ويحاولون
عبثا أن يطيلوا الحرب .. يعرفون أنها في اللحظة التي ستضع أوزارها ... ستتوجّه
حراب بني صهيون إلى صدرورهم ... ويعرفون أن ( غز ة ) ستنشأ محكمتها الخاصة ..
ستحاكم التاريخ والشوارب والعروبة ... ستحاكم كل من تواطأ أو تخاذل أو تناسى ..
وبها وليس بغير ترابها ،ستكتحل عين السماء .