إلى أصدقائي ورفاقي "المقاطعين" الأعزاء.
ألم
ننصحكم بأن تقاطعوا؟!
بدت
أصوات "البعض" فردية ومتفاوتة بالنبرة قبل عملية الإقتراع، ولكنها إزدادت
حدة وطغى عليها شيئا من الشماتة والتهكم، وألبست بشيء من الحكمة بأثر رجعي بعد
صدور النتائج!!
بداية،
للجميع حق تبني وجهة النظر السياسية التي يعتبرها صائبة، والتعبير عنها، وتقديم
النقد المستحق، خاصة وأن جميع من أقصدهم بكلامي هذا هم من المنتمين للصف التقدمي
اليساري الذي أعمل جاهدا لأتمثل فكره وأعمل في صفوفه، ومن واجبنا جميعا تقبل النقد
والنقاش لنلامس الحقيقة، ونصل إلى الفائدة والقواسم المشتركة، فحقل عملنا المشترك
ليس مرتهنا بمحطة إنتخاب أو خيار سياسي آني.
وهكذا
فنحن *نتفق جميعا بأن المشاركة بالإنتخابات أو مقاطعتها -حسب الظروف والمعطيات- هي
خيارات سياسية متاحة دون تشكيك أو تجريم*. كما أنه من الممكن التوافق على حقيقة
بأن المشاركة بالإقتراع الشعبي، *ليس حدثا طارئا، وإنما هي محطة مستحقة من إشتباك
سياسي مستمر ومتواصل*.
الأصل
هو الإشتباك السياسي المستمر، وليس مجرد وضع ورقة في الصندوق!!
فالمشاركة
أو المقاطعة تتجاوز مجرد تكرار سجال لفظي موسمي بين مشاركين ومقاطعين، إلى ما هو
أبعد وأعمق من مجرد تصويت في إستحقاق دستوري وسياسي، إلى إعتبارات المسؤولية في
النظرة إلى قضايا الوطن بشكل عام، والرغبة في إعادة بعض الإعتبار إلى سيادة
وإستقلالية مؤسساته، وفهم أعمق لكيفية التصدي للأخطار الإقليمية، وصولا إلى تفعيل
العلاقات البينية بين قوى المجتمع الحية التي تتبنى مواقف سياسية متقاربة، وتكريس
شكل من الفعالية السياسيةالميدانية المستمرة مع الناس والقوى الوطنية.
ندرك
جيدا طبيعة السلطة، وكذلك قصور قانون الإنتخاب، ولكننا نؤمن بأن المطلوب دوما في
حالتنا -وحسب رأيي- هو في ضرورة تعزيز حالة من *الإشتباك السياسي الدائم*.. وهدفنا
في الوصول إلى *بناء الأغلبية المؤهلة للمواطنة*.. وقناعة بأن المشاركة هي الأصل،
وهي أكثر فعالية على بلوغ غايتنا من المقاطعة في هذا المجال، خاصة عندما لا يزيد
الفعل "المقاطع" عن مجرد إستنكاف عن المشاركة في عملية الإقتراع.
في
وضع الأحزاب المنظمة والتي تحمل رؤية وبرنامج، أرى بأن خيار المشاركة يعتبر أقل
ضررا، والأكثر قدرة على تعزيز الدور في المشاركة الشعبية للتأثير على القرار،
وتحسين سوية الحياة السياسية وتجويد العملية الإنتخابية.
المقاطعة
ليست قرارا خاطئا بالمطلق.. ولكن!!
مقاطعة
الإنتخاب ليست خاطئة بالمعنى المطلق، ولكن المقاطعة حتى تكون عملية
و"فاعلة" لا تكون فقط بمجرد مغادرة المشهد السياسي، أو في كتابة منشورات
مقتضبة على وسائل التواصل الإجتماعي، بل عليها أن تكون فعل سياسي إيجابي عام ومنظم
ومؤطر، يرتقي إلى المشاركة الميدانية والتفاعل مع حركة الجماهير، والمقياس لا يكون
بإبعاد الناس عن الفعل السياسي، وإنما بتعميق مشاركتهم في العملية السياسية،
والعمل بينهم وتبني همومهم ومطالبهم.
الديمقراطية
بالأساس هي "سيادة الشعب" ب "الوعي المستنير"..
والديمقراطية لم تعد
تعني مجرد إجراء إنتخابات مجتمعية دورية كل بضعة سنوات، بل هي في الأساس *سيادة
الشعب*. ولكن هذا ليس كل شيء، إن ما يهمنا في الديمقراطية هو النظام الذي يصبح فيه
*الوعي المستنير* لدى الشعب هو السيد، وليس "سيادة الأغلبية المفتعلة"
التي تفرز ممثلين سياسيين في سدة الحكم لا يعبرون بالضرورة عن الإرادة الشعبية،
والواقع السياسي الغالب..
إذن
دعونا نعمل معا -بما نتوافق عليه من مشتركات- في بلورة مشروعنا السياسي نحو إنتزاع
وتفعيل مساحات حيوية لممارسة الفعل السياسي المشترك؛ *كالإنخراط
المنظم في قلب المجتمع المدني، وتأسيس جمعيات، والتحالف في النقابات، وبناء حملات
وطنية فاعلة في مجال الصحة والتعليم والعمال والمرأة* .. لنمارس الديمقراطية في
تعزيز المبادرات القائمة، وربط حلقات الشبكات الاجتماعية.
ولن
يحصل هذا المشروع على إعتباره إلا إذا ربطناه سياسيا وإجتماعيا مع الشعار الأشمل؛
*الدولة الوطنية الديمقراطية* ، من خلال الضغط الجماهيري للتصدي للحكم الفردي،
وإطلاق الحريات، ومعالجة الفقر والبطالة، ومناهضة التبعية، وتعزيز الدور الإجتماعي
الخدمي للدولة في المجتمع، والتصدي الفاعل لأخطار المشروع الإمبريالي الصهيوني على
المنطقة..