مسرحية الواقع وأدوار الخنوع


في عالم تسوده المصالح
والمخططات المسبقة، تتحول الأحداث السياسية والاجتماعية إلى مسرحيات متقنة، حيث
تُكتب الأدوار بعناية، ويُختار الممثلون بعناية أكبر، فيما يبقى الجمهور متفرجًا،
بعضه مصدقًا لما يرى، وبعضه واعيًا ومدركًا لما يجري خلف الكواليس.
ليست المسألة مجرد أحداث عشوائية تتكرر هنا
وهناك، بل هي مشاهد مترابطة تشكل فصولًا من قصة واحدة، تُعاد صياغتها في كل مرة
لتناسب المرحلة، لكن النهاية تبقى واحدة، معروفة لمن يملك القدرة على رؤية الحقيقة
كما هي، لا كما يريدها صُنّاع المشهد.
المسرح واسع، يمتد من
عواصم عربية غارقة في التبعية إلى قرارات دولية تُصاغ وفق أهواء القوى الكبرى.
الشخصيات تُختار بعناية، بعضها يُدفع ليكون بطلًا زائفًا، وبعضها مجرد كومبارس
يؤدي المطلوب دون أن يدرك حتى دوره الحقيقي. الإخراج متقن، والأحداث تُدار
بسيناريو مدروس، حيث تُفتح ملفات وتُغلق أخرى، تُشعل الأزمات وتُطفأ، حسب ما
تقتضيه المصلحة، وليس وفق ما تريده الشعوب.
لا مجال للارتجال في
هذا المشهد، فكل شيء محسوب بدقة، حتى ردود الفعل الشعبية يتم احتواؤها مسبقًا،
سواء عبر الإلهاء أو القمع أو حتى خلق أعداء وهميين لتوجيه الغضب نحوهم. وحين يخرج
أحدهم عن النص، يُحذف من المشهد، يُشوَّه، يُقصى، أو يُستبدل بآخر أكثر طاعة.
لكن رغم كل هذا الإتقان
في إدارة المسرحية، تبقى الحقيقة واضحة للذين يملكون الوعي. هؤلاء يدركون أن
المسألة ليست مجرد أحداث منفصلة، بل سلسلة مترابطة من المخططات التي تهدف إلى
إعادة تشكيل المنطقة وشعوبها وفق ما يخدم بقاء الكيان الصهيوني ومصالح القوى
الكبرى. السؤال ليس عن المشهد الحالي فحسب، بل عن المستقبل الذي يُرسم، وعن
الأدوات التي تُستخدم، وعن الأدوار التي يُطلب من البعض أن يلعبوها، سواء عن وعي
أو دون إدراك.
في النهاية، سيبقى هناك
من يصفق للمشهد، ومن يرفضه. سيبقى هناك من ينخدع بالبريق، ومن يرى خلف الستار. لكن
الفرق بين الجمهور الواعي والجمهور المخدوع هو أن الأول يفهم أن المسرحية لن تنتهي
إلا عندما يقرر هو الخروج عن النص، وكتابة نهايته الخاصة، بعيدًا عن أيدي المخرجين
الذين اعتادوا التحكم بالمشهد منذ عقود.