ما بعد الضربة، حدود الرد الإيراني


د
حيدر البستنجي
الضربة
الإسرائيلية لإيران بالأمس واليوم والمتصاعدة على شكل اكثر من عملية
عسكرية واحدة : حيث يمكن اعتبارها بيانًا استراتيجيًا مفاده أن زمن
"التهديد بالعتبة النووية" قد انتهى. في معادلة أمنية اسرائيلية
ترى أن "إيران غير النووية” ثمن يجب دفعة مهما ارتفع .
لكن المشهد الأخطر لا يكمن في الضربة ذاتها، بل
في إجابة السؤال التالي: كيف سترد إيران؟ وما هي حدود القوة الإيرانية وقدراتها
وكيف يعمل النظام الإيراني تحت الضغط وهو يواجه التهديد الوجودي الأكبر.
خيارات ايران على الأغلب تم دراستها من قبل العدو الصهيوني والإستعداد لها
ولن تخرج عن ثلاث خيارات :
الأول
: الاعتراف بالخسارة الإستراتيجية مع عدم القدرة على الرد الكافي وتجنب مزيد من
التصعيد حفاظا على النظام والدولة والتوجه إلى تطبيع ما، ولو من وراء ستار مع
الأمريكان وربما الصهاينة ايضاً على طريقة السادات فأوراق الحل جلها في يد امريكا
وعندها سنجد انفسنا امام حلف خفي قد يتقاسم النفوذ في المنطقة على حساب العرب .
طبعاً هذا الخيار فرصته ضعيفة نظرا لعقلية القيادة الإيرانية المتغطرسة ولأن
الكيان الصهيوني قد تجاوز حدود الصلف وجنون القوة بمراحل .
الخيار
الثاني : القيام بالرد ، ولكنه رد فعل متصاعد يستدعي رداً اسرائيليا ، مما يفتح
باب الانهيار الإيراني الكامل وخصوصا إذا تحرك الشعب الإيراني لرفض الحرب وبدأ
الموساد لعبته القذرة . يمتلك هذا الخيار فرصا قوية للتحقق وأعتقد ان الكيان
الصهيوني يراهن عليه ويستعد له لإنهاء التهديد الإيراني للأبد وكما يقال في لعبة
الشطرنج ان تدفع عدوك إلى خيارات مدروسة هو الطريقة الوحيدة لتدميره والفوز عليه .
الخيار
الثالث ….رمادي : تشبث أيراني بالمواقف السياسية المعلنة مع انكار
اثار الضربة والحديث عن فشلها في تحقيق أهدافها، طبعاً مع رد رمزي لا يستدعي
رداً اسرائيلياً ومحاولة كسب الوقت لإعادة صياغة الدور الإيراني كقوة مقاومة
عبر وكلائها ، دون مواجهة مباشرة في محاولة لإمتصاص الضربة والبدء من جديد وهذا
الاحتمال وارد جداً كون القيادة الإيرانية قد وزعت البرنامج النووي على مواقع عدة
وعلى الاغلب نجا الجزء المهم منه وفي النهاية لا تستطيع ايران تغيير جلدها دون
انهيار منظومة القيادة والسيطرة وحصول تبدل دراماتيكي في السلطة وهذا الإحتمال
بالذات هو ما تخافه القيادة .
كيف
سترد ايران في الواقع … ربما تحاول الخيارات الثلاثة معا ، الإنكار وضربات متصاعدة
وحوار مع الأمريكان خلف الطاولة وتجنب الانهيار ولكنها في النهاية ستجد نفسها امام
لحظة الحقيقة المرة لقد تم ضربها بقوة ولن يكون ردها كافياً ابداً ، الضربة
الإسرائيلية والتي اثبتت قدرات العدو الصهيوني الإستخبارتية والعسكرية ،
ستُعيد رسم خريطة الردع في العالم كله وليس في ايران فقط وسيحاول نتنياهو الخروج
منها ملكاً متوجاً على اسرائيل واضعا النظام الدولي كله امام لحظة حقيقة مرة
واختبار غير مسبوق. ضربة تحمل في طياتها ميلاد شرق اوسط جديد نتلمس ملامحه بين
الضوء والرماد وهذا الليل الخانق ولا غالب إلا الله