موسم صيد الساحرات


د حيدر البستنجي
الإنجاز الفكرى الأكبر
لعلماء الثورة العلمية امثال جاليليو ونيوتن، لم يتمثل فى اكتشاف قوانين
الطبيعة وفقط ، إنما تكريس طريقة تفكير علمية استبدلت الخرافة والسحر
بقواعد عقلانية تجريبية وتسلسل منطقي ينتج من ادلة موضوعية علمية ،
وقد ادى ذلك لحدوث امرين متلازمين أولهما ادماج المنهج العلمي فى
النظام التعليمى والسياسى والاجتماعى والفكري، مما ادى بالضرورة إلى الامر
الثاني وهو تقبل الآخر وهدم الجمود وظهور الأفكار الحديثة عن التسامح وهدم
المسلمات حيث صار من غير المألوف، مثلاً: أن تتهم شخصا ما بالسحر ، او
أن يعاقب على اساس أفكاره او مواقفه من اي قضية علمية كانت ام اخلاقية
فلسفية او حتى وطنية
.
بداية الأفكار الحديثة
عن التسامح تزامنت مع الثورة العلمية والتجريب العلمي والنظرة الأوسع التى
صاحبتها، ففى نفس الوقت تقريبا الذى نشر فيه نيوتن «الأسس الرياضية للفلسفة
الطبيعية» كان زميله فى تأسيس الجمعية الملكية للعلوم ، الفيلسوف جون لوك، يأتى
بمقاله المطول المميز «عن التسامح». في المقابل وفي اماكن مثل بلادنا لم تنعم بمثل
هذه الثورة العلمية بقي الموروث مندغماً مع الأصوليات المتشنجة في غياب شبه
كلي لفلسفة التسامح ، كوكتيل خالص من الوحشية والبؤس وكيل الاتهامات
والمؤمرات الخفية ضد من نختلف معه او يفكر خارج الصندوق او يفارق
الجماعة المطحونة، والتهم جاهزة ومعلبة: متصهين ، ملحد عميل وحديثا خرجت
علينا فكرة الوحدة ٨٢٠٠ من نفس العباءة وكأن كل مختلف أيادى خفية، تأتى من
كل اتجاه؛ لتعبث وتدمر الجماعة الطاهرة او فلسفة القطيع الذي لا يأتيه الباطل من
اي اتجاه ، في موسم صيد الساحرات او العفاريت التي تفكر خارج صندوق
القطيع بينما نترك العفن ينتشر بداخلنا خشية من رفع الغطاء للشمس .
قبل عصر الانوار وجون لوك وديفيد هيوم وغيرهم
شاعت فكرة صيد الساحرات ومعاقبة كل مختلف بالهرطقة والتجديف ويبدو اننا في عالمنا
العربي لازلنا لم نجترح ثورتنا العلمية التي تخلصنا من هذا الحب القاسي ، فمن
ينتقد حماس عميل ومن يعادي ايران يقف في خندق الصهاينة ومن يرى اغلب
بؤسنا من صنع أيدينا لا من كيد اعدائنا طابور خامس ، المصيبة اننا في تراجع مستمر
وهزيمة تتلو هزيمة ولايزال القطيع يمارس الثغاء واللعنات في موسم صيد الساحرات
الذي لا ينتهي ولا غالب إلا الله.