التعامل التجاري .. ومشكلة الشيكات الآجلة


عوض ضيف الله الملاحمة
يتميز القطاع الخاص بميزات كثيرة ، لكن أهمها
البعد عن الروتين ، ورفض البيروقراطية ، والتسويف ، والمماطلة ، والبعد عن تشكيل
اللجان . حيث يميل للحسم ، واتخاذ القرارات الميدانية ، والبعد عن التردد ،
وإختصار الإجراءات ، والديناميكية في التعامل . القطاع الخاص يعتبر ان الوقت له
ثمن والوقت فعلياً يعني المال .
التعامل التجاري غايته
ان تحقق كافة الأطراف الربح ، اي مثلما يقال ( win win situation ) . واذا لم يتحقق الربح فلن تتم الصفقات ، ولن يتم
البيع ، ولن يكون هناك تبادلاً تجارياً . حتى لو إضطر احد التجار لبيع بضاعته او
تقديم خدماته بخسارة ، فان الهدف من إبرام الصفقة يكون تقليل الخسارة ، وتقليل
الخسارة يعتبر وقفاً للنزيف المادي ، وهذا بحد ذاته يعتبر ربحاً .
التعامل التجاري يحتاج
الى مرونة في الإجراءات ، ويسر في التعامل ، ومصداقية في الإلتزام . لذلك تفشل
غالبية المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص .
عملت في الامارات
العربية المتحدة الحبيبة مدة ( ٢٠ ) عاماً متصلة ، منها ( ١٢ ) عاماً مديراً عاماً
لمجموعة شركات . وكان تعاملنا ينحصر في إصدار مئات الشيكات شهرياً لكافة الجهات
التي نتعامل معها . وكان يتم إصدار الغالبية العظمى من الشيكات بتواريخ آجلة لأيام
او أسابيع . وكان يتم إيداع الشيكات بتواريخ الإستحقاق من قِبل المستفيد .
ولم نواجه أية مشكلة على الإطلاق . لكن كان يحكم هذه العملية تعليمات مصرف
الإمارات المركزي حيث لا يُسمح للبنوك بقبول إيداع الشيكات الا بتواريخ إستحقاقها
. وكانت البنوك الإماراتية ملتزمة التزاماً تاماً ، حيث لا تسمح للمستفيد من الشيك
إيداعه الا في يوم إستحقاقه ، بالضبط . وكجهة مُصدره للشيك تكون قد وضعت في
اعتبارها ان قيمة الشيك ستكون متوفرة في الحساب بنفس يوم إستحقاق الشيك . وبنفس
يوم الإستحقاق يتم إيداع الشيك ويتم صرفه دون أي إشكال بتاتاً .
ما حصل في وطني الحبيب
من تغييرات على إجراءات التعامل في الشيكات ، أراه ليس سليماً ، ولا صحيحاً ،
وسيشكل عقبة كبيرة في التعامل بين كافة قطاعات القطاع الخاص .
وضعنا الإقتصادي لا
يَسُرّْ ، والقوة الشرائية ضعيفة جداً . وحركة دوران البضاعة بسيط ، ويكاد
يصل درجة الركود . وأتى هذا الإجراء ( ليخنق ) السوق أكثر ، ويحد من تعاملاته
ونشاطاته.
بدلاً من التعديلات
القانونية التي تمت مؤخراً ، التي قيدت التعامل التجاري ، وذلك بالغاء الحماية
الجزائية على الشيكات المرتجعة ، وتفعيل خدمة الإستعلام الرقمي عن الملاءة المالية
لمُصدري الشيكات . أرى انه لا فائدة منها بتاتاً . والإستعلام عن الملاءة المالية
لمن يصدر شيكاً قبل الموافقة على إصداره ، أراه إجراءاً عقيماً . لأنه لو توفر
الرصيد الكافي لتغطية قيمة الشيك لما كان هناك مشكلة ، لكن من يود إصدار شيك معين
يأخذ بحسبانه ان قيمة الشيك ستتوافر في الحساب في تاريخ إستحقاقه ، حيث ستتم تغطية
القيمة من المبيعات اليومية ، ومن دفعات سيتم تحصيلها .
كان بإمكان الأردن ان
يتجنب كل هذه التعديلات والإرباكات ، بالإكتفاء بأن يصدر البنك المركزي الأردني
تعليمات صارمة للبنوك التجارية بعدم السماح بقبول إيداع الشيكات الا في تواريخ
الإستحقاق المدونة على ورقة الشيك ، هذا أولاً ، وثانياً ان يتم منع ( تجيير
الشيكات ) بالمطلق . لأن عملية التجيير عملية متخلفة ، فوضوية ، غوغائية ، كما
انها تعتبر أرضية خصبة للتلاعب.
وأنا شخصياً مررت
بتجربة خاصة سيئة . في عام ١٩٩٧ ، شرعت ببناء بيتي . وبعد استكماله ، وقبل انتقالي
للسكن فيه ، ومن منطلق تبرأة ذمتي تجاه أحد المقاولين ، وبعد تصفية الحساب معه ،
تبين انه تبقى له في ذمتي مبلغاً بسيطاً قدره ( ٥,٠٠٠ ) خمسة آلاف دينار . وخاطبت
المقاول قائلاً له : لتبرأة ذمتي ، سأصدر لك شيكاً بتاريخ آجل لشهر حيث سيكون
المبلغ متوفراً لديّ بكل تأكيد ، ووافق المقاول ، واتفقنا على ان لا يتم إيداع
الشيك الا في يوم إستحقاقه ، لأن قيمة الشيك غير متوفرة في حسابي . وفي اليوم
التالي ، فوجئت بإتصال هاتفي من أحد المحامين يبلغني بأنني أصدرت شيكاً ، وتم ختمه
من البنك بعدم كفاية الرصيد ، وانه عليّ تسديد قيمة الشيك خلال ثلاثة أيام والا
سيكون مضطراً لإتخاذ الإجراء القانوني بحقي . واخبرت المحامي بما اتفقت عليه مع
المقاول ، واذ به يبلغني بان نظام الشيكات في الأردن يختلف عن الإمارات وانه لا
يوجد ما يمنع من قبول البنك للشيك حتى لو كان تاريخ إستحقاقة بعد شهور . وكنت
أتفاوض مع أحد الأشخاص لشراء أرض لي امتلكها ، وعندما أخبرت المشتري لإضطراري
للبيع غداً اخبرني بان المبلغ غير متوفر الان . عندها اضطررت للإعلان عن بيع الأرض
بخُمس ثمنها في اليوم التالي ، وبعت الأرض وسددت قيمة الشيك واقسمت يميناً ان لا
أحمل دفتر شيكات ما حييت.
كان من مصلحة الدولة
الأردنية ، ومن مصلحة القطاع الخاص ، ومن مصلحة الإقتصاد الوطني عدم الذهاب الى
تلك التعقيدات البيروقراطية ، والسماح بالإستفسار عن الملاءة المالية لمُصدري
الشيكات ، التي لن تكون مجدية ، والتي سيحكمها الثقة الشخصية فقط ، ان يتخذ البنك
المركزي الأردني قراراً واحداً واضحاً وبسيطاً ، ومباشراً بعدم السماح
للبنوك بإيداع الشيكات الا في تاريخ الإستحقاق ، ومنع تجيبرها ، وبهذا تترك مساحة
كبيرة من المرونة للقطاع الخاص لإدارة شؤونة ، كما سيوفر على الدولة الأردنية
الرسوم التي ستدفعها الى شركة ( كريف ) الأردن التي ستتقاضى ( ٤ ) أربعة دنانير عن
كل إستفسار ، حيث سيكون المبلغ التجميعي السنوي مبلغاً كبيراً ستتحمله الموازنة
العامة المُرهقة أصلاً.
الشيكات هي شريان
التعامل التجاري بعامته وخاصة مبيعات شركات الطيران ، وتجار الجملة ، وتجار
التوزيع ، وغيرهم . واعتقد ان الإجراء الأخير زاد الطين بِلّة على نشاط وتعاملات
القطاع الخاص.
أعتقد ان أمراً ضرورياً
يغيب عن المشهد وذلك يتمثل في ضرورة وجود ممثلين للقطاع الخاص قبل إقرار التشريعات
التي تمس نشاطاته وتعاملاته . وهذا الأمر كان مُتبعاً في الإمارات الحبيبة
منذ ثمانينات القرن الماضي . حبذا لو يتم الإقتداء في تجارب الدول الشقيقة
والصديقة والإقتباس من تجاربها وسبقها لنا في تحضرها .
لأن سبب أزمة الشيكات
المرتجعة وضخامة عددها ومبالغها يكمن في السماح بتحصيل قيمة الشيكات قبل تواريخ
إستحقاقها ، وكذلك السماح بتجييرها ، وهذا كان مقتلاً للتعامل التجاري ، فلا
إحترام ، ولا إلتزام بتواريخ الإستحقاق ، ولا إلتزام بحصر الإستفادة بالجهة
المستفيدة من الشيك .