اللمز والغمز .. من الدروز لا يجوز


عوض ضيف الله الملاحمة
وصل عدد سكان الوطن العربي حالياً الى ( ٤٧٣ ) مليون نسمة ،
ويشكلون حوالي ( ٥٪ ) من سكان العالم . رغم حبي للعرب وللعروبة لكن لمواقفهم
المتخاذلة ، ولتشتتهم ، أقول الله لا يبارك فيكم ، ولا يحفظكم ، ( حِزمة بَعِرْ )
، وغُثاء كغثاء السيل كما وصفكم رسولنا العظيم الكريم محمد بن عبدالله عليه الصلاة
والسلام .
أرى انه يسهل علينا في أقطارنا العربية كافة الطعن ، والتشويه
، والتخوين ، والتشكيك بالفئات الأقل عدداً في المجتمعات العربية ( ولا أقول
أقليات ) الأقل عدداً عرقياً ، او دينياً ، او مذهبياً .
كُلٌ يكتسب عِرقه ، او ديانته ، او مذهبه بالوراثة . إذاً ما
ذنب من ينتسب بالوراثة الى عِرق او دين او طائفة او مذهب ؟
التوازن مطلوب في الأوطان عند إدارتها ، كما التوازن
الكيميائي في الجسم . كُلٌ يؤدي دوره بتوازنٍ عجيب فريد ليعكس عظمة الخالق سبحانه
وتعالى .
يجب ان يكون المقياس الوحيد للمفاضلة بين مكونات المجتمع
يتمثل في الولاء ، والإنتماء ، والعطاء للوطن .
كل انسان يحب ، وينتمي الى ما فُطر عليه ، مع انه لم يختره ،
فأنا مثلاً اعشق عروبتي مع انني لم أختر ان اكون عربيا . وأعشق وطني مع انني لم
أختر ان أكون أردنياً . وأعشق ديني الإسلام ، مع انني لم أختر ان أكون مسلماً .
وأعشق الكرك ، مع انني لم أختر ان أكون كركياً ، بل وأعشق قريتي ( زحوم ) مع انني
لم أختر ان أكون ( زحومياً ) .
للعرب الدروز تاريخ
مُشرِّف ، وهم مناضلون أشداء ، وتصدّوا للإستعمار ببسالة عزّ نظيرها . وهم عرب
أقحاح ، لا يشوب تاريخهم شائبة . وبمجرد ذكر إسم المناضل / سلطان باشا الأطرش يكفي
عن ذِكر أية تفاصيل أخرى . الذي حكم عليه الإستعمار الفرنسي بالإعدام لشراسة
مقاومته كقائد للثورة السورية الكبرى عام ١٩٢٥ . مما إضطره لمغادرة سوريا ليقضي (
٤ ) سنوات في الكرك ، بدءاً من عام ١٩٣٢ . وتسابقت العائلات والعشائر الكركية على
إستضافته كبطل للثورة السورية ضد الإستعمار . فأقام الأطرش وعائلته بداية في منزلي
/ حسين وعطا الله الطراونة ، ثم في ديوان المجالي ، وبعدها في بيت / جريس الحدادين
، أحد وجهاء الكرك المسيحيين . لم ينظر أهل الكرك اليه كدرزي ، بل رأوه رمزاً من
رموز الكرامة العربية ، في مواجهة إستعمار أجنبي ، بل شعروا انهم شركاء مع أهل جبل
العرب ضمن وحدة بلاد الشام .
أتدرون لماذا عمل الدروز في جيش الإحتلال ؟ إضطروا للعمل لان
الإحتلال صادر كافة أراضيهم ، وجلسوا لسنوات طويلة بدون عمل ، فعانوا من جوعٍ
وفقرٍ مُدقِع . وحاولوا بكافة السبل مع سلطات الاحتلال لإيجاد مصادر للرزق لهم .
إلا ان الإحتلال أغلق كافة منافذ الرزق عنهم . وسمح لهم بالإنخراط بجيش العدو ،
مما إضطرهم للعمل فيه مُكرهين ، ليتمكنوا من العيش .
أرى انه من الضروري ان أوضح بانني لا أُبرر لهم الإنخراط في
جيش العدو ، ولست موافقاً عليه ، بل أرفضه بشدة ، لكن هذا هو الواقع . وعندما نفكر
عقلانياً ومنطقياً : فإن الدروز في الأراضي المحتلة ليسوا هم لوحدهم ، بل هناك من
فلسطينيي عام ٤٨ يعملون في جيش الإحتلال ، رغم وجود فرص عمل أخرى أمامهم . كما ان
الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ، كان اعتمادهم على العمل كمهنيين وعمال في
الأراضي المحتلة عام ٤٨ في بناء المستعمرات الصهيونية . فلماذا نجد لهم المبرر ،
ولا نبرر للطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة ؟
القراء الكرام ، ارجو ملاحظة انني عندما أكتب أراعي الدقة ،
والصِحة ، والإمانة ، والمنطق ، والحيادية فيما أكتب ، وهذا قد يزعج بعض القراء
الكرام عندما لا يتناسب طرحي المنطقي مع قناعاتهم ، لكنني لا أقدر الا ان أكون كما
أنا دوماً صادقاً ، وأميناً ، وحيادياً في نقل المعلومة ، لأنها أمانة في عنقي .
بداية علينا ان لا ننسى أن أحد مرتكزات عظمة سوريا الوطن ،
والقطر العربي ، يكمن في تنوع فسيفساء المجتمع السوري . ثراء ، وعظمة المجتمع
السوري تكمن في تعدد اعراقه ، ودياناته ، ومذاهبه . وقد تعايشوا ، بل وانصهروا
طيلة قرون طويلة جداً ، ولم يعرف عنهم التعصب ، ولا التحيز لأية جهة ، بل كانوا
مجتمعاً متحضراً ، منتجاً ، مبدعاً ، متعايشاً ، يقدر ، ويحترم كل طرف الأطراف
والمكونات الأخرى ، وكلهم منصهرون في بوتقة الوطن الأم سوريا العظيمة .
ما حدث في السويداء ، إحدى المحافظات السورية الحبيبة ، تمت
شيطنته ، وإستغلاله من العدو الصهيوني ، ومن السفهاء السخفاء من كل المكونات فجرى
تضخيمه ليصل لدرجة التناحر والإقتتال مع الأسف .
دروز السويداء لهم ثلاثة مشايخ عقل لإدارة شؤون الطائفة ،
ويتطلب اي إجراء او مطالبة رسمية توقيع الثلاثة شيوخ ، هم : الشيخ /يوسف جربوع ،
والشيخ / حمود الحناوي ، والشيخ / حكمت الهجري .
إرتكب الشيخ / حكمت الهجري خيانة عظمى عندما إستنجد بالعدو
الصهيوني لحماية الطائفة الدرزية في السويداء . وأيده بعض من رجالاته المقربين ،
بل وأيده بعض يسير من الدروز في الأراضي المحتلة . لكن شيخ دروز الأراضي المحتلة ،
الشيخ / موفق طريف لم يؤيده ، وطلب منه التهدئة . أما الشيخ/ يوسف جربوع ، والشيخ
/ حمود الحناوي من شيوخ السويداء عارضوه تماماً ، واعتبروا ذلك خيانة .
كما ان الشيخ / وليد
جنبلاط ، والشيخ / طلال أرسلان ، فقد أصدرا تصريحات واضحة بإتهام الشيخ / حكمت
الهجري بالخيانة . بينما أيده ودعمه الشيخ / وئام وهاب . وقال الشيخ / جنبلاط انه
لا خطر على دروز سوريا الا من العدو الصهيوني . كما قال : ان دروز السويداء وقبائل
البدو يتمتعون بعلاقات تاريخية طيبة على مدى قرون ، ولن نسمح للهجري ان يستقوي
بالعدو الصهيوني ضد أشقائنا البدو . كما قال : ان الدروز شرفاء لا يمثلهم الهجري
وأشكاله .
القراء الكرام ، من الواجب ، والضروري على كل مواطن ان يحترم
تنوع وتعدد واختلاف الأعراق والأديان في وطنه ، لانهم كلهم مواطنون ، وجميعهم
يجتمعون تحت سقف الوطن . والمقياس الوحيد للتفضيل بينهم كأفراد — ولا تفضيل بينهم
كجماعات — ان يكون بمقياس ، الإنتماء ، والولاء ، والعطاء للوطن ، فقط .
علينا ان ندرك بانه لا يوجد اتباع دين ، ولا طائفة ، ولا عرق الا
ويكون بينهم عملاء وخونه وفاسدين . وهنا من الحكمة والعقل والوطنية أولاً انه اذا
كان هناك خائن او مجموعة خونة من طائفة ، او عرق ، او دين ، من الإنصاف ، والحق ،
والدين ان نلجأ لمحاكمة الأشخاص الخونة او العملاء الذين أساؤا للوطن كأشخاص
، وليس كمجموعة كطائفة ، او عِرق ، لأنه ليس للمجموعة ذنب ، فيما اقترفه البعض .
وديننا الحنيف العظيم يقول لنا في الآية الكريمة : ( ولا تزِرُ وازرةٌ وزِرَ أخرى
) صدق الله العظيم .
ئر