شريط الأخبار
إسرائيل تكشف تفاصيل أكبر عملية توغّلٍ بسوريّة وتؤكِّد عدم تنازلها عن جبل الشيخ للأبد الملك يلتقي ولي العهد السعودي ويؤكدان رفض الاعتداء على اي دولة عربية الجغبير: خطاب الملك بالدوحة عنوان لموقف عربي صلب طالما انتظرته الشعوب نقابة المهندسين: كلمة الملك في قمة الدوحة محطة تاريخية تؤسس لموقف عربي حاسم نتنياهو يعترف بأن إسرائيل بعزلة سياسية.. ويتهم قطر والصين بالوقوف وراءها! البيان الختامي لقمة الدوحة: غياب المساءلة الدولية لاسرائيل تهديد مباشر للأمن والسلم الإقليمي والدولي الملك يلتقي بالدوحة زعماء عرب ومسلمين.. والتأكيد على تعزيز التضامن المشترك الملك وأمير قطر والرئيس المصري يجرون اتصالا مرئيا مع قادة فرنسا وبريطانيا وكندا انطلاق قمة الدوحة وامير قطر يحذر: حكومة نتنياهو تحلم بتحويل المنطقة العربية منطقة نفوذ إسرائيلية الملك امام قمة الدوحة: التهديد الإسرائيلي ليس له حدود وردّنا يجب أن يكون حاسما ورادعا لجنة مشتركة بين وزارة الإدارة المحلية وغرفة تجارة الأردن لمتابعة وحل قضايا القطاع الداوود يطالب بإعطاء دولة فلسطين المزيد من الامتيازات والحقوق كدولة مراقب بالاتحاد البريدي العالمي (فيديو) 80 منظمة دولية تطالب بحظر تجاري شامل على المستوطنات الإسرائيلية هذا ما يقلق اسرائيل مصر تنشر منظومات دفاع جوي صينية حديثة بمواقع استراتيجية داخل سيناء وزير الزراعة والحاج توفيق يبحثان تعزيز الأمن الغذائي واستقرار السوق 11 كاميرا جديدة لمخالفات الهاتف وحزام الامان .. وهذه مواقعها الخصاونة: 7 اكتوبر لم يكن بداية الصراع مع بل امتداد لغياب خيار السلام اسرائيليا 3 وفيات وإصابة بتدهور مركبة في عمّان الملك يغادر الى قطر للمشاركة بالقمة العربية الاسلامية 8 أحزاب أردنية تعلن المشاركة.. 100 مدينة عالمية تشارك باضراب عن الطعام تضامنا مع غزة

الأسير الحرّ وأسرى التطبيع المذلّ

الأسير الحرّ وأسرى التطبيع المذلّ


 لمييس اندوني 

يقف الأسير نحيل الجسد، جرّاء سجن وتنكيل أكثر من عقدين، عملاقاً في ثباته أمام المستعمر ضخم الجثة الذي يصرُخ ليقنع نفسه بانتصار آلة الدمار الحديثة على شعبٍ تحت الاحتلال، ينفُث غضبه على شعبٍ يراه في عيونٍ يطلُّ منها كل فلسطيني وفلسطينية في آن، في مشهد يختزل علاقة شعبٍ صامدٍ ومقاومٍ بدخيل لا يفهم لغة الأرض ورائحتها وهمساتها.

الفيديو المجتزأ لاقتحام زعيم عصابة المستوطنين الذي يسمّى وزيراً للأمن في الحكومة الصهيونية، إيتمار بن غفير، سجن المناضل مروان البرغوثي، مقصود منه إذلال الفلسطينيين، لكنه لم ينجح إلا في فضح انفلات أعصاب المستعمر الذي يريد استسلاماً كاملاً وجده عصيّاً على جبروته، فجاء في محاولةٍ لكسر قوة شعب أمام ظلم العالم وأمام خنوع (وتواطؤ) الأنظمة العربية التي لم تجد سوى كلماتٍ جوفاء من شجب وإدانة لتصريح رئيس حكومة المستعمرين بنيامين نتنياهو بأنه سيكمل حلمه بإقامة "أرض إسرائيل الكبرى" على كل أرض فلسطين والأردن ومصر وسورية ولبنان، فكانت ردة فعل نتنياهو التجاهل التام باستخفاف كل الأصوات التي تصدر من حكومات ومسؤولين عرب أثبتوا أنهم فاقدو القرار ومشلولو الإرادة.

مشهدان.. بينهما مساحات شاسعة بين الكرامة والتبعية والارتهان؛ إسرائيل تحاول، بكل قوتها، إنهاء وجود الفلسطيني، فهي تعتقد أن حلم إسرائيل الكبرى لم يعد حلماً، بل مشروع في الطريق إلى التحقق، إذ لم يؤثّر شلال الدم الفلسطيني في غزّة على استمرار تطبيع دول عربية مع إسرائيل ولا التسابق في قمع تضامن شعوبهم مع القضية بل في انتمائهم إليها، فكبت الحرّيات شرط ضروري للانسلاخ عن القضية واقتلاعها من ضمير الشعوب.

ما الذي يمكن أن يمنع نتنياهو من تحقيق أهدافه؟ لا داعي لاحتلال عسكري للدول العربية المجاورة، فالاحتلال ليس ضرورياً أن يكون سيطرة مباشرة على أراضي ما كانت تُسمّى دول الطوق، التي أصبحت عملياً محاطة بإسرائيل، وليست هي التي تطوّق الكيان الكولنيالي الصهيوني. وهذا ما فهمه نتنياهو جدّياً، فلا داعي لنشر قوات وانتشارها، بل يمكن مباشرة اعتداءات حين يلزم الأمر ترسّم حدود السيطرة الإسرائيلية (الوجود العسكري)، وتكون بقية الأراضي في كل الدول العربية المباشرة جزءاً من أرض إسرائيل تتمتع بحرية الاستثمار، والتملك وإملاء القرارات بثمنٍ بخس، لأنه (نتنياهو)، يعتمد على الأنظمة لقمع الشعوب، وهو محقّ، فالقمع ماضٍ في التصعيد والتوسّع.

إذا أخذنا ما يرشح أو يعلن من مخطّطات وإجراءات، نجد صورة واضحة عن التطبيق الفعلي لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، ففي الضفة الغربية إسرائيل ماضية في عمليات الهدم، والتهجير من مخيّم جنين أصبح واقعاً. وبناء المستوطنات وتوسعتها لم يعودا من الأخبار التي تُعقد لمواجهتهما مؤتمرات قمة عربية، فيما يجري تقليص رقعة سيطرة السلطة الفلسطينية وعملها وإدارتها؛ فلم يعد موظفو السلطة يجرؤون حتى على التجوال فيها بزيهم الرسمي، لأن ذلك يعرّضهم لاستهداف الجيش الإسرائيلي، أي إن ضم الضفة جارٍ بخطوات متسارعة، وكذلك تهويد القدس، بدون أن تهتز الرئاسات والقصور والبرلمانات العربية. فمن كان يتوقع أن تصبح اقتحامات المسجد الأقصى حدثاً عادياً؟ لقد وصل الأمر إلى أن أصبحت صلاة بن غفير في ساحة الأقصى أمراً طبيعياً، ولا ردود تُذكر على وضع إسرائيل يدها على الحرم الإبراهيمي من دون ردّة فعل.

لا تبرّر أهوال حرب الإبادة في غزّة هذا الصمت؛ فالقصة أبعد من الاعتداء على مؤسّسات دينية، وإن كان ذلك فظيعاً، لكنها أيضاً عملية تهويد للقدس وابتلاع الضفة والقدس وتهجير أغلب سكانها وحشر من تبقوا في كانتونات متفرّقة مطوّقة بالمستوطنات التي هي مستعمراتٌ يهودية مسلّحة، يحرسها الجيش الصهيوني ويسيطر بالمسيّرات والثكنات على التلال والحواجز على حركة الفلسطينيين وحياتهم.

في غزّة... الإبادة مستمرّة، تجويعاً وقصفاً. تُحاك لغزّة سيناريوهات لا وجود فيها لمجتمع فلسطيني، فهناك نقاش داخل الأروقة على شكل إدارة غزّة والقوة العسكرية التي ستحكمها، دولية أو عربية، لضمان مصالح إسرائيل وأمنها، لتكون مفتوحة لاستثمارات أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من أصدقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتجعات. وما يتبقى مساحة للمدن الاستيطانية التي أعلنها وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، تحت مسمّى "ريفييرا". فضلاً عن أنه لن يقبل السلطة الفلسطينية ولا حركة حماس في القطاع المنكوب، وهي فكرة يجري ترويجها وتلقى قبولاً من بعض الدول العربية من بدايات شن إسرائيل حربها الإجرامية على غزّة.

في الأردن.. ضمنت إسرائيل استمرار اتفاقية الغاز، فتدفق الغاز المسروق من الفلسطينيين عبر الخط الذي بني عبر البلاد ضروريٌّ لربط الأردن اقتصاديّاً ويمهّد لمدّ الخط عبره إلى دول عربية، للاعتماد على إسرائيل، فيما تدفع بحلف إسرائيلي عربي عسكري وأمني رسمي ومكثف، فالحلف الأمني هو عماد تثبيت هيمنة إسرائيل وأميركا على المنطقة.

ولكن حين يتحدث نتنياهو عن الأردن بالذات، فهذا يحمل عدة أبعاد مهمّة، فالتوسّع في الجهة الأردنية لغور الأردن تحت حجّة أمن إسرائيل مطروح بقوة، ومن ثم حرمان الأردن من مصدر زراعي مهم، إضافة إلى تمدّدٍ عبر وادي عربة، وتطمح إسرائيل بثروة الطاقة الشمسية التي توفر طاقة كهربائية لمنشآتها. والبعد الآخر أن يكون هناك خزّان سكاني لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس، ما يتطلب من منظورها التمدّد الحدودي "للحفاظ على أمنها".

أما في سورية، فالصورة واضحة، فإسرائيل أعلنت عملياً أن القنيطرة مساحة لتمدّدها، وأن كل المنطقة بين القنيطرة والسويداء غير مسموح بوجود عسكري فيها للدولة السورية، وما الحديث عن ممرّ داود، والحديث هنا حصرياً عن طموحات إسرائيل، كلها بالنسبة لنتنياهو ليس حلماً بل خطط تنفذ. وإلا فكيف يمكن فهم القبول الضمني للدول التي فرضت اتفاق السويداء بأن المحافظة منطقة نفوذ إسرائيلية؟ طبعاً حل أزمة السويداء، وإرساء أسس المواطنة المتساوية ليس شعاراً وإنما ضرورة لإحباط الطموحات الإسرائيلية.

في لبنان.. تمدّدت إسرائيل فعلياً، بينما تملي خطط الحكومة الداخلية تحت عنوان "الخطّة الأميركية"، فسحب سلاح حزب الله بشروط أميركية إسرائيلية تمنع بناء جيش لبناني قوي، وتضمن خضوع "الإرادة السياسية"، قبول فعلي بأن لبنان منطقة نفوذ إسرائيلية، وأن تنازلات سيادية أخرى في الطريق تحقق حلم إسرائيل الكبرى، خصوصاً أن حقول الغاز قد جرت المساومة عليها وإسرائيل تطالب بمزيد، هذا إذا لم تدفع المعادلة الإسرائيلية الأميركية إلى حربٍ أهلية في لبنان، فتتمدّد إسرائيل أكثر تحت شعار حماية أمنها واستقرارها.

ولا تخفي إسرائيل طموحها في مصر ببناء مدينة أو مخيم كبير للفلسطينيين، يخدم مخطّط التهجير والتمدّد في آن، فوجود لاجئين فلسطينيين يستدعي ترتيباتٍ، بل وجوداً أمنياً وعسكرياً إسرائيلياً داخل حدود مصر. المختلف في مصر أن إسرائيل تحاول حصار مصر فعلياً بسعيها إلى بسط نفوذها على جزيرتي تيران وصنافير، وإنشاء قناة بن غوريون بديلاً لقناة السويس إذا تطلب الأمر.

البعد الأهم هو التمدّد الاستيطاني عبر حدود الدول العربية المجاورة، فإسرائيل مشروع استيطاني كولونيالي لا يكتفي بالهيمنة، بل يسعى إلى الاستيطان وملكية الأرض، وهذا جوهر ما يقصده نتنياهو بخريطة أرض إسرائيل الكبرى. وهنا نعود إلى مشهد الأسير والمستعمر الضخم داخل السجن، فمروان ليس بطلاً أسطورياً من وحي الخيال، بل هو يشبه آلاف الشباب الفلسطينيين، فبن غفير لم يقف أمام مروان، بل أراد كسر الشعب الفلسطيني، الذي يمثل نقيض مشروعه.

هناك درس يجب أن يتعلمه الجميع من المشهد الذي لا يُنسى: أن إسرائيل تخاف، لكنها لا تخاف إلا من الأحرار، ومن يتمرّد على جبروتها، فالإذعان للتطبيع وتكبيل حرية الشعوب العربية هي الأسلحة التي توظفها إسرائيل لتحقيق أحلامها.

لذلك لا بد من وقف التطبيع وإطلاق حريات الشعوب، إذ أصبحت القضية قضية وجود.

العربي الجديد