فورين بوليسي: كيف أعادت الضربات الإسرائيلية تشكيل المستقبل السياسي لإيران؟


في الأسابيع التي أعقبت الضربات الإسرائيلية
على إيران في حزيران/ يونيو 2025، حدث أمر غير عادي. كان الإيرانيون على مدى عقود
من الزمن من بين الشعوب الأكثر تأييدًا لأميركا في الشرق الأوسط، وكانوا
متشككين—إن لم يكونوا رافضين تمامًا— للإطار الأيديولوجي الذي وضعته حكومتهم
للولايات المتحدة وإسرائيل باعتبارهما تهديدين وجوديين. وقد تعامل الكثير من
السكان، وخاصة الشباب الإيرانيين، مع مثل هذه الشعارات الرسمية باعتبارها محضَ
ضجيجٍ في الخلفية أو حتى على أنّه مصدر إحراج شديد. كان هوس النظام في كثير من
الأحيان بـ «المقاومة» أقرب إلى بقايا الماضي منه إلى سياسة حقيقية بالنسبة لهم.
لكن هذه المرة، عندما سقطت القنابل، لم تعد الحرب بعيدة. لقد
ضُرِبَ الوطن. وتغيرت كل الأحاديث. إن الجيل الذي كان يسخر في السابق من خطاب
النّظام يتعلم الآن —وأحيانًا للمرة الأولى— لماذا بنت الحكومة رواية المقاومة في
المقام الأول. فبين عشية وضحاها تقريبًا، سمعت تحولًا عميقًا بين العديد من
اتصالاتي في مختلف أنحاء المجتمع الإيراني. حتى الإيرانيون الذين كانوا في السابق
يرفضون الشعارات الرسمية التي أطلقها المرشد الأعلى علي خامنئي، بدأوا الآن
يرددونها. ولم تكن الضربات الإسرائيلية مجرد شرارة لإثارة الحماس الوطني فحسب، بل
أشعلت هذه الأحداث شيئًا أكثر تقلبًا: شعور واسع النطاق بأن القوى الأجنبية قد
تجاوزت حدودها. وحتى بين بعض أشد منتقدي النظام، لم يتحول الغضب إلى الداخل بل إلى
الخارج.
استوعب الإيرانيون في غضون أسبوعين فقط حقيقة جيوسياسية جديدة.
بدأت الشعارات تكتسب معنى أكثر. لم تكن النخب العسكرية موّحدة بشأن أفضل السبل
لحماية إيران، والآن أصبح أولئك الذين يحثّون على الدبلوماسية مغمورين بأولئك
الذين يطالبون بموقف دفاعي متشدد. وحتى المدنيين، الذين كان كثير منهم يعارضون في
السابق الموقف الأمني للنظام، صاروا يطالبون الآن بدفاعات أقوى. ويناقش البعض
علنيًا الحاجة إلى السلاح النووي. «نحن بحاجة إلى أمرٍ يجعلهم يفكرون مرتين، وإلا
فإنهم سيكونون قادرين على استهدافنا كل بضع سنوات»، هذا ما أخبرني به أحد
الصحافيين في أصفهان.
على مدى سنوات، اعتبر العديد من الإيرانيين الحروب بين إسرائيل
والولايات المتحدة ودولتهم حروبًا بعيدة أو مجردة أو مفروضة عليهم. لقد دارت تلك
الحروب في سورية وفي لبنان وفي العراق، وليس في وطننا في أصفهان أو طهران. وتعرضت
الإستراتيجية الإقليمية للجمهورية الإسلامية لانتقادات شديدة، سواء داخل البلاد أو
خارجها، باعتبارها إستراتيجية مسرفة واستفزازية ومعزولة. غير أنّ ضربات شهر
يونيو/حزيران غيّرت هذا التصور. لم تكن هذه حربًا على جبهة بعيدة بالوكالة. لقد
كانت مباشرة. لقد كانت سريعة. وأصبح واضحًا للمواطنين الإيرانيين العاديين أنهم لم
يعودوا مجرد متفرجين. وقد أصبح بإمكان إسرائيل والولايات المتحدة الآن الوصول إلى
عمق حدودهما مع الإفلات من العقاب تقريبًا.
«كنت من بين هؤلاء الذين كانوا يهتفون خلال
الاحتجاجات بعدم إرسال الأموال الإيرانية إلى لبنان أو فلسطين. ولكنني الآن أفهم
أن القنابل التي نواجهها جميعًا هي واحدة، وإذا لم تكن لدينا دفاعات قوية في جميع
أنحاء المنطقة، فإن الحرب تأتي إلينا»، هذا ما قاله لي فنانٌ في طهران.
وانتشر هذا الوعي الجديد بسرعة، ولكن ليس داخل إيران فقط. إن الكثير
من المحتوى واسع الانتشار الذي يشرح تاريخ التدخل الغربي في إيران، من انقلاب عام
1953 إلى اغتيال العلماء الإيرانيين، لم يتم إنتاجه في طهران. لقد جاء من الغرب،
للجمهور الغربي. على تيك توك وإنستغرام وموقع إكس، بدأ الشباب، من اليسار واليمين
على حد سواء، يتساءلون عن سبب اعتبار إيران لعقود من الزمن بمثابة الفزّاعة
الدّائمة في السياسة الخارجية الأميركية. ولم يكن هؤلاء موالين للنظام؛ بل كانوا
في الغالب أميركيين، من جيل الألفية والجيل زد، يحاولون فهم الحروب الدائمة التي
شكلت حياتهم.
فجأة، لم تعد تحذيرات خامنئي بشأن الولايات المتحدة التي لا يمكن
الوثوق بها وإسرائيل التي تسعى إلى الحرب والتوسع تبدو بعيدة المنال، ليس لأنه
اكتسب سلطة أخلاقية، ولكن لأن العالم بدأ يدرك الحقائق الإستراتيجية التي كانت
إيران تشير إليها لسنوات. إن هذا التحول، مهما كان جزئيًا أو غير متوقع، يعمل
بالفعل على إعادة تشكيل كيفية وضع إيران، داخليًا وإقليميًا، وعالميًا.
لقد صوَّر الغرب منذ فترة طويلة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني
باعتباره مؤسسة متجانسة مخصصة للعدوان فقط. لكن في واقع الأمر، يعاني الحرس الثوري
الإسلامي من انقسامات داخلية عميقة مع وجود فصائل متنافسة. على مدى العقد الماضي،
كانت القيادة الأكبر سنًّا، التي تشكلت بفعل صدمة الحرب الإيرانية العراقية في
الفترة من 1980 إلى 1988، تحثّ على ضبط النفس في كثير من الأحيان. ورغم التزامهم
بالردع الإقليمي والتوسع العسكري، فإن العديد من هؤلاء القادة رأوا في الصراع
المفتوح مع إسرائيل أو الولايات المتحدة خطرًا وجوديًا، وليس مواجهة ضرورية.
ولكن تحت أقدامهم، نشأ جيل أصغر سنًّا في الحرس الثوري الإسلامي:
جيل لم يتشكل في مجال الدفاع بل في مجال التخطيط والإسقاط. بعض هؤلاء المقاتلين
الأصغر سنًّا أصبحوا الآن في الأربعينيات من عمرهم وهم مستعدون لتولي القيادة. وقد
تلقى هذا الجيل الجديد تدريبات على الطائرات بدون طيار والصواريخ والحرب
السيبرانية؛ كما قاتلوا شخصيًا في سورية وساعدوا في تنظيم الميليشيات في العراق.
واليوم، يرى هؤلاء الأعضاء الصاعدون في الحرس الثوري الإسلامي أن المواجهة ليست
حتمية فحسب، بل إنها منتجة أيضًا. بالنسبة لهم، لا يتعلق الردع بالبقاء فحسب: بل
يتعلق أيضًا بالموقع الإقليمي، والفخر الوطني، وإعادة تأكيد السيادة.
إن الضربات التي وقعت في شهر يونيو/حزيران، إلى جانب الضربات
المضادة المحدودة ولكن المحددة التي شنتها إيران، قد شجعت هذا الجيل. ويجادل البعض
بأن ضبط النفس الذي مارسته الدولة على مدى العقدين الماضيين، ناهيك عن التزامها
المضلِّل بالاتفاق النووي لعام 2015، لم يؤدِّ إلّا إلى دعوة المزيد من الهجمات.
إن حقيقة أن إسرائيل قادرة على توجيه ضربات عميقة إلى هذا الحد، وبمثل هذه
الكفاءة، لا تؤدي إلّا إلى تعزيز قضيتهم: إيران تحتاج إلى رادعٍ موثوق، وهي تحتاج
إليه الآن.
وفي عموم السكان، فإن الجيل الذي ولد بعد ثورة 1979، والذي كان في
كثير من الأحيان يشعر بخيبة الأمل إزاء أيديولوجية الدولة، يمر الآن بتحول عميق.
إنهم لا يحتضنون النظام، ولكنهم يعيدون التفكير في كل ما كانوا يؤمنون به بشأن
القوة الغربية والأمن. ولكن ليس من المضمون أن تستمر هذه اللحظة من الدعم الشعبي
النسبي للدولة الأمنية. ولكن في الوقت الراهن، تعمل هذه الأحداث على تغيير موازين
القوى داخل الدوائر السياسية في إيران. ويكتسب المتشددون الأصغر سنًّا في الحرس
الثوري الإسلامي أرضية جديدة. إن حلفاءهم في وسائل الإعلام الحكومية والبرلمان
وحتى وزارة الاستخبارات يصورون أنفسهم باعتبارهم الجهات الفاعلة الوحيدة القادرة
على الدفاع عن إيران من التهديد الوجودي.
تطغى مثل هذه الأصوات الآن على أصوات أولئك الذين لا يريدون الحرب
في إيران، وهناك الكثير منهم. من الناحية التاريخية، كان أولئك الذين فضلوا
المفاوضات مع الغرب ينتمون إلى المعسكر التكنوقراطي الأكثر براغماتية من
المسؤولين، ولكن الآن يواجه هؤلاء القادة المتعاطفون مع السلام تحوّلًا أعمق في
التصور العام. ولسنوات، وحتى مع تحذير خامنئي من أن الغرب لا يمكن الوثوق به،
استمرت قطاعات كبيرة من السكان في التصويت للمرشحين الذين وعدوا بالتفاعل مع
الغرب. لقد كان يُنظر إلى الدبلوماسية، إن لم تكن باعتبارها مثالية، فباعتبارها
واقعية: الطريق البراغماتي الوحيد للخروج من العزلة. لكن الضربات الإسرائيلية غير
المبررة في يونيو/حزيران جاءت في الوقت الذي كانت المفاوضات مع الولايات المتحدة
ما تزال جارية. والآن، بين الدوائر الانتخابية ذاتها التي كانت تدعم الحوار في
السابق، هناك وجهة نظر متنامية مفادها أن المحادثات مع الغرب ليست إلا لعبة خادعة،
وبغض النظر عن كيفية مشاركة إيران، فإنها سوف تتعرض للعقاب.
في الأسابيع القليلة التي مرت منذ بدء الضربات، تحول الحوار في
إيران مما إذا كانت الدبلوماسية قادرة على النجاح إلى ما إذا كانت صادقة منذ
البداية. والآن تبدو فكرة أن المفاوضات مع الغرب سوف تحل مشاكل إيران أقرب إلى
الاستسلام وأقل واقعية.
لقد استخدم خامنئي، الخبير التكتيكي الدائم، هذه اللحظة لتعزيز
رواية تدعم وحدة أراضي إيران من خلال الدفاع. وعلى وجه التحديد، يتعلق الأمر
بسردية المقاومة، التي استمرت منذ عام 1980 على الأقل، عندما غزا العراق إيران
—بمساعدة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الغربية— (إن لم يكن
قبل ذلك، عندما نظمت واشنطن ولندن انقلابًا في إيران عام 1953). فإذا كانت إيران
محاطة من جميع الجهات بأعداء يريدون الهيمنة على البلاد، فإن المقاومة —بما في ذلك
جميع الصواريخ والطائرات بدون طيار المنتجة محليًا— تظل الأمل الأخير الأفضل
للبقاء. والقوة الوحيدة القادرة على تشكيل هذه المقاومة الدفاعية هي القوات
المسلحة للجمهورية الإسلامية.
من المؤكد أن الضربات ألحقت أضرارًا بالبنية التحتية لإيران، لكنها
لم تؤدِّ إلّا إلى تعزيز رواية خامنئي. لقد نجا النظام. لقد تماسكت القيادة. ولم
تنفجر الشوارع احتجاجًا. إيران لم تنقسم. وعلى الصعيد الدولي، لم تعد إيران تُعتبر
مجرد دولة معتدية، بل صار يُنظر إليها بوصفها دولة محاصرة، تقاوم مرة أخرى التدخل
الخارجي.
إن هذا الإرث مهم ليس فقط للتاريخ بل وللخلافة أيضًا. وسوف يتم
اختيار خليفة خامنئي البالغ من العمر 86 عامًا كزعيم أعلى لإيران في سياق هجمات
يونيو/حزيران هذه: حيث أُثبِت مبدأ المقاومة من خلال الأحداث، وليس فقط
الأيديولوجية. وهذا يمنح الحرس الثوري الإسلامي —وخاصة جيل الشباب المتشدد— نفوذًا
أكبر في تشكيل الفصل التالي من تاريخ الجمهورية الإسلامية.
إن التحدي الذي يواجه قادة إيران —وخاصة الجيل الأصغر سنًّا في
الحرس الثوري الإسلامي— هو كيفية الاستفادة من هذه اللحظة دون المبالغة في تقدير
قدراتهم. وربما تجد الدعوات إلى مزيد من التوسع العسكري، أو حتى اللجوء إلى
الأسلحة النووية، صدى في الوقت الراهن. ولكنها تخاطر بإثارة ردود أفعال أجنبية
أكثر حدّة وتعميق العزلة الاقتصادية. ولا تعني قدرة الجمهورية الإسلامية على
النجاة من الضربات أنها محصنة ضد الانهيار، فليست أي دولة محصنة ضد الانهيار. فما
يزال الاقتصاد الإيراني يعاني من التوتر. الثقة العامّة منخفضة. والخطوط الفاصلة
بين دعم الردع ودعم المؤسسة الحاكمة رفيعة للغاية. وإذا أخطأت القيادة في اعتبار
المصادقة الإستراتيجية على دفاعها بمثابة شرعية غير مشروطة، فقد يؤدّي ذلك إلى
إثارة الاضطرابات ذاتها التي خففت من حدّتها مؤقتًا.
ومع ذلك، فقد تغير المشهد السياسي الداخلي تغيرًا جذريًا للغاية.
إذ يزعم المتشددون الذين ناضلوا ذات يوم لتبرير «المقاومة» ضد إسرائيل والولايات
المتحدة الآن أن التاريخ أثبت صحة زعمهم. لم تعد «المقاومة» حكرًا على الجمهورية
الإسلامية وأنصارها، بل أصبحت الآن صرخة دفاع عن الوطن تتجاوز الحدود الاجتماعية والسياسية.
إنها قصة قوية —خاصة عندما يرددها المتشككون السابقون وتكتسب شرعيتها من خلال
الأحداث على الأرض.
وإذا ما كانوا قادرين على إضفاء الطابع المؤسسي على هذا السردية—
سواء من خلال الخلافة أو التشريع أو الإجماع الاجتماعي الأوسع— فهذا سيحدد الشكل
المستقبلي للجمهورية الإسلامية. ولكن في الوقت الراهن، هم في الصدارة.
يتأرجح الحوار الدولي حول إيران في كثير من الأحيان بين النقيضين:
إما أنّ النظام على وشك الانهيار أو أنّه يشكل تهديدًا إقليميًا لا يمكن إيقافه.
ولكن ما يغيب عنا هو مدى المرونة والاستجابة التي أصبح عليها النظام: كيف يتعلم
ويتكيف ويدمج الصدمات في روايته عن البقاء والمقاومة. ولم تنجح الضربات
الإسرائيلية في تدمير هذا النظام. بل عززته. ولا أحد يعرف على وجه التحديد ما
الدروس التي ستقدمها هذه الرواية الآن للإيرانيين —سواء أولئك الذين يأملون في
السلام أو أولئك الذين يسعون إلى الحرب.
وقد أدت الضربات أيضًا إلى إعادة تشكيل الطريقة التي يرى بها
الإيرانيون أنفسهم. في الماضي، وحتى في ظل العقوبات، كان الإيرانيون ينظرون إلى
أنفسهم باعتبارهم مراقبين سلبيين للحروب البعيدة؛ أما الآن، فقد أصبحوا أهدافًا
مباشرة للعدوان الإقليمي. ولعل التحول الأكثر أهمية هو التحول الجيلي. وهذا ليس
جيل 1979 الذي يؤكد المواقف القديمة. إن أطفالهم وأحفادهم —الذين نشأوا في ظل
إمكانية الوصول إلى الإنترنت، ووسائل الإعلام الغربية، والمواقف المؤيدة للغرب في
كثير من الأحيان— هم الذين يتساءلون الآن عن شرعية النظام العالمي الذي نشأوا وهم
يؤمنون به. الشعارات التي اعتبروها في السابق مجرد دعاية تُفسَّرُ الآن على أنها
واقعية. سوف يشكل هذا التحول، إذا استمر، السياسة الداخلية والإقليمية لإيران
لعقود من الزمن.
وربما يكون لهذا التحول —أكثر من أي نجاح أو فشل تكتيكي— التأثير
الأكثر ديمومة. لسنوات عديدة، تساءل الإيرانيون عن سبب حاجة بلادهم إلى برنامج
صاروخي أو وكلاء إقليميين أو عقيدة المقاومة العسكرية. والآن يتساءلون كيف يمكن
تعزيز هذه الدفاعات حتى نحافظ على سيادة إيران واستقلالها.
نقلا عن صحيفة
الاتحاد الفلسطينية