شريط الأخبار
الملك والرئيس الكازاخي يشهدان توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم الملك يلتقي رئيس كازاخستان: الأردن يرفض محاولات احتلال أو ضم أراضي في غزة أو الضفة الغربية توقيف قاتل النائب ابو سويلم ونجله بتهمة القتل العمد الحملة الأردنية والهيئة الخيرية الهاشمية تواصل توزيع الوجبات الغذائية على النازحين في خان يونس )فيديو) العيسوي: الملك وأبناء شعبه ونشامى الجيش والأمن والمتقاعدون العسكريون ركيزة صمود الوطن وحصنه المنيع "فوضى خلاقة": سرد وقائع مؤامرة تفكيك الدولة السورية الموفد الأميركي براك يصف سلوك الصحفيين اللبنانيين بـ"الفوضوي الحيواني"! عاجل مقتل النائب السابق ابو سويلم ونجله بشفا بدران الأمن يكشف تفاصيل العثور على جثّة فتاة: قتلت خنقا وضبط القاتل بعد محاولته الانتحار إحالة 3 مخالفات رسمية إلى مكافحة الفساد والنائب العام الاحتلال يشن حملة عسكرية على رام الله والبيرة: اصابات و"الجيش" يسرق اموال بنوك و"صرافة" غوشة: على المهندسين الشباب أن يتولوا أدوارًا قيادية في مختلف المجالات قطر: إسرائيل لا تريد اتفاقا لوقف النار في غزة ولا يوجد رد على المقترح الجديد المدعي العام يستدعي اشخاصا ونائب العمل الاسلامي اربيحات بشبهة تلقي تلقيهم أموالً وحوالات من مصادر مجهولة الضريبة: 48 مليون دينار رديات دخل صُرفت منذ بداية العام الملك يطالب المجتمع الدولي خفض التصعيد واستعادة أمن المنطقة واستقرارها. كلاب ضالة تقتحم مدرسة في إربد وتعقر 5 طلاب ومعلمة حزب الله: لن نتخلى عن سلاحنا الذي يحمينا من اسرائيل الهجري يطالب بانفصال السويداء.. والامريكان يدعون دمشق لبديل "للنظام المركزي الشديد"! العثور على جثة فتاة مدفونة بحفرة بمنطقة خالية بعمان

"فوضى خلاقة": سرد وقائع مؤامرة تفكيك الدولة السورية

فوضى خلاقة: سرد وقائع مؤامرة تفكيك الدولة السورية


يتولى ويليام فان فاغنين المهمة التي نكص عنها المؤرخون العرب ليروي القصة الحقيقية للحرب الأمريكية والإسرائيلية على الدولة السوريّة خلال الفترة من 2011 إلى 2016

 

سعيد محمد - لندن

Aug 23, 2025

سادت غيوم التضليل الكثيف للبروباغاندا الغربية كل تغطية تقريباً للحدث السوريّ منذ عام 2011، وسقطت الحقيقة مع استشهاد أول ضحايا الحرب الأمريكية-الإسرائيلية على الدولة السورية، فيما عجزت قدرات الإعلام المحلي حينها عن التصدي لسيل جارف من الأكاذيب الممنهجة والأخبار الملفقة، ومالت غالبية المثقفين والمؤرخين في العالم العربي إلى حيث هوى أصحاب المال والجاه في الأنظمة-الأدوات الشريكة في الحرب.

يأتي كتاب "فوضى خلاقة: خلفيات حرب المخابرات الأمريكية السرية لإسقاط الدولة السوريّة*" للصحافي ويليام فان واغينن كفاتحة سجل تأسيسي مضاد لكل ذلك. هذا ليس مجرد تأريخ للحدث، بقدر ما هو تحقيق جنائي دقيق، وعمل تشريحي عميق لأكبر عملية هندسة جيوسياسية شهدها القرن الحادي والعشرون؛ عملية لم تكن تهدف إلى "دعم الديمقراطية" كما زُعم، بل إلى التفكيك المنهجي لواحدة من آخر قلاع القومية العربية العلمانية والمناهضة للإمبريالية والصهيونية في المنطقة.

لا يمكن قراءة هذا الكتاب إلا كوثيقة إدانة تاريخية، وتأكيد مفهرس لما كان راه سوريون كثيرون على الأرض: خدعة أن ما جرى في الشام "ثورة شعبية عفوية" فيما هي مؤامرة خارجية مكتملة الأركان، استُخدمت فيها أدوات محلية وإقليمية لتنفيذ أجندة تدميرية. ينجح فان واغينن، ببراعة الباحث المدقق، في تفكيك السردية الغربيّة عن "حرب أهلية في سوريا" قطعة قطعة، ليكشف عن الهيكل الحقيقي للمؤامرة: عدوان أمريكي إسرائيلي هجين متعدد الطبقات تديره أساساً وكالة الاستخبارات الأمريكيّة والموساد الإسرائيلي كنموذج متقدم من حرب الجهاد الإسلامي، وفق نظرية المنظر اليهودي ومستشار الأمن القومي الأمريكي زبغنيو بريجنسكي التي تم تجربتها سابقاً بنجاح فائق في أفغانستان لإسقاط الدولة الاشتراكية فيها وتركها نهباً للتطرف الطائفي والتخلّف الاجتماعي.

أسطورة "الثورة العفوية": صناعة التمرد في مختبرات واشنطن

يبدأ الكتاب بضرب الأسس التي قامت عليها أسطورة "الربيع العربي" في نسختها السورية. لا يترك فان واغينن مجالاً للشك في أن خطط تغيير النظام في دمشق كانت موضوعة على طاولات المحافظين الجدد في واشنطن قبل عقد كامل من اندلاع الأحداث. يعود بنا إلى وثائق مثل "الانفصال النظيف" (A Clean Break) التي قُدمت لنتنياهو عام 1996، ومشروع "القرن الأمريكي الجديد"، ليُظهر أن سوريا كانت على قائمة الأهداف كحجر زاوية في "محور المقاومة" الذي يربط طهران ببيروت عبر دمشق.

الأمر الأكثر إثارة للقلق، والذي يوثقه الكتاب بدقة، هو عملية "الاستزراع المصطنع" (Astroturfing) للثورة. يكشف فان واغينن عن شبكة التمويل التي ضختها وزارة الخارجية الأمريكية ومنظمات مثل "الصندوق الوطني للديمقراطية" (NED) - يُعتبر الواجهة المدنية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية – في جيوب "نشطاء" ومنظمات "حقوقية"، ويحلل دور مراكز مثل "كانفاس" (CANVAS) الصربي، الذي درّب النشطاء على تكتيكات "العصيان المدني" المصممة لإثارة الفوضى واستدراج رد فعل عنيف من الدولة، لخلق المبرر (الأخلاقي) للتدخل. لم تكن الشعارات التي رُفعت في البداية نابعة من رحم المعاناة الشعبية، بل كانت في غالب من الأحيان نتاج ورش عمل ممولة بعناية، تهدف إلى خلق "الشرارة" التي ستشعل الحريق.

من هذا المنظور، فإن الدولة السورية، بكل ما يمكن أن يؤخذ عليها من عيوب بنيوية أو ممارسات قمعية، لم تكن تواجه معارضة سياسية محلية تسعى للإصلاح، بل كانت تواجه جيلاً جديداً من الحرب الهجينة التي تتقن استخدام الإعلام الرقمي والمنظمات غير الحكومية كأحصنة طروادة لتفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي من الداخل.

تسليح الأصولية: السلفية كأداة في يد الإمبريالية

بعد فضحه الخداع السياسي الغربي لإطلاق الحرب، يغوص القسم الثاني من "فوضى خلاقة" في المستنقع المالي واللوجستي الذي غذّى الوحش السلفي. وهنا تكمن القيمة الأكبر لعمل فان واغينن، فهو يوثق، بشكل لا يقبل الجدل، كيف أن "الثورة" المزعومة لم تسُرق منذ يومها الأول كما يزعم بعض الحمقى، بل كانت أدواتها العسكرية السلفية-الجهادية مهيئة بشكل تام منذ البداية.

يكشف الكتاب بالتفصيل عن الدور المحوري الذي لعبته القوى الرجعية الإقليمية، وتحديداً السعودية وقطر وتركيا، كأذرع تنفيذية للمشروع الأمريكي. شخصية بندر بن سلطان تظهر كمهندس رئيسي لعملية تسليح وتوجيه الجماعات التي سترفع راية القاعدة لاحقاً. يقتفي فان واغينن أثر ما يسميه "خط الجرذان" (rat line) لنقل الأسلحة من ليبيا بعد سقوط القذافي، ودور معسكرات التدريب في دول محيطة وتركيا، وكيف تم إطلاق سراح جهاديين متمرسين من معسكرات الاعتقال الأمريكية في العراق مثل "كامب بوكا" ليكونوا قادة للفصائل المسلحة في سوريا.

الأهم من ذلك، ينسف الكتاب فكرة "الجيش السوري الحر" ككيان معتدل وعلماني، ويثبت بالأدلة أن هذا "الجيش" لم يكن سوى علامة تجارية، قناعاً دعائياً صُنع بعناية لتسويق الحرب للرأي العام الغربي. أما على الأرض، فكانت الكتائب ذات التوجه السلفي الواضح، مثل "أحرار الشام" ولاحقاً "جبهة النصرة"، هي التي تشكل العمود الفقري للقوة العسكرية، تتلقى السلاح والتمويل وتفرض أجندتها الظلامية. لقد كانت هذه هي "الفوضى الخلاقة" في أوج تجليها: استخدام أكثر القوى رجعية وتخلفاً لتدمير دولة علمانية متعددة الطوائف. إنها إعادة إنتاج للسيناريو الأفغاني، حيث "المجاهدون" الذين صنعتهم وكالة المخابرات المركزية لمحاربة السوفييت أصبحوا أداة لتدمير مجتمعات بأكملها.

ذروة الخداع: كيماوي الغوطة

يصل الكتاب إلى ذروته في تحليله لهجوم الغوطة الكيميائي في أغسطس / آب 2013. يقدم فان واغينن تحقيقاً دقيقاً ومقنعاً يفكك فيه الرواية التي تبنتها واشنطن ولندن وباريس على عجل، والتي كادت أن تؤدي إلى عدوان عسكري مباشر على دمشق. بالاعتماد على تحليل الخبراء، والتقارير الاستخباراتية المسربة، وتناقضات الرواية الغربيّة، يطرح الكتاب بقوة فرضية أن الهجوم كان عملية "خداع استراتيجي" (False Flag) نفذتها جماعة "لواء الإسلام" بقيادة زهران علوش، وبدعم لوجستي واستخباراتي سعودي، بهدف توريط الدولة السورية وتجاوز "الخط الأحمر" الذي وضعه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبالتالي جرّ الولايات المتحدة إلى الحرب.

هذه النقطة حاسمة، لأنها تكشف عن المدى الذي كانت القوى الخارجية وعملاؤها المحليون مستعدين للذهاب إليه. إن استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، ثم تصوير الضحايا في فيديوهات مروعة ومعدة سلفاً، وتوزيعها على الإعلام العالمي لخلق صدمة عاطفية تبرر العدوان، دليل على انعدام كامل لأي وازع أخلاقي لمن شنوا هذه الحرب القذرة. لقد كانت مجزرة الغوطة هي اللحظة التي سقط فيها قناع "الإنسانية" بشكل كامل، وكشفت عن وجه العدوان الحقيقي: حرب بالوكالة لا ترحم، تستخدم فيها كل الوسائل، بما في ذلك التضحية بآلاف الأبرياء، لتحقيق الأهداف الجيوسياسية للإمبريالية الغربيّة وذراعها الصهيونية العالمية.

كتاب "فوضى خلاقة" ليس مجرد توثيق أكاديمي، بل سلاح في معركة الذاكرة. وينبغي أن يكون أول سلسلة من الأعمال التي تلحظ هذه المرحلة وتنقح تاريخها مما علق به من عبث استخباراتي. قد يؤخذ البعض على الكتاب، ربما من زاوية نقدية، أنه يركز على المؤامرة الخارجية أكثر من تحليله للتناقضات الطبقية الداخلية في المجتمع السوري أو طبيعة النظام الاقتصادية التي خلقت بعض الأرضيات للاستياء الشعبي. لكن هذا نقد ثانوي أمام الإنجاز الهائل الذي حققه الكتاب في توثيق العدوان الخارجي، وأتمنى أن يلحق به جزء ثان ليغطي وقائع الحرب بعد 2016 إلى الثامن من ديسمبر الأسود في 2024.

إن النص الذي وضعه ويليام فان واغينن قراءة ضرورية لكل من يريد أن يفهم حقيقة ما جرى في سوريا، ولكل من يسعى لفهم آليات عمل الإمبريالية في القرن الحادي والعشرين، ويثبت أن "الحقيقة هي ابنة الزمن، لا السلطة". "فوضى خلاقة" خطوة جبارة في سبيل انبعاث الحقيقة، وانتصارها على سردية الزيف والخداع التي أُريد لها أن تسود. إنه عمل يبرئ ساحة الدولة السورية من تهمة شن الحرب على شعبها، ويضع المسؤولية حيث يجب أن تكون: على عاتق تحالف إمبريالي-رجعي قرر أن تدمير سوريا وذبح شعبها هو ثمن بخس لتحقيق مصالحه.

--------------------

*Creative Chaos: Inside the CIA's Covert War to Topple the Syrian Government, William Van Wagenen, The Libertarian Institute, 2025.

نشر هذا المقال في ملحق كلمات الأسبوعي بجريدة الأخبار اللبنانية عدد السبت 23 أغسطس 2025.