من الفكرة إلى الصفقة
كيف يصنع تطوير المنتج والأعمال معادلة النجاح في السوق؟


د. جهاد يونس القديمات
تمثل الفكرة نقطة انطلاقة في دورة الإبتكار في المنظمة، حيث يتم جمع المعرفة العلمية والتكنولوجية، وتجريبها وتحويلها إلى منتجات وخدمات جديدة أو مطورة، وهو دور الرئيس لقسم البحث والتطويرR&D، التي تعمل على تصميم برمجيات أو أجهزة جديدة؛ كما هو الحال مع شركات التكنولوجيا، وعلى تطوير أدوية مبتكرة كما في الصناعات الدوائية.
أما الصفقة،
فهي تعني استقبال المخرجات القادمة من قسم البحث والتطوير (الأفكار، المنتجات، الحلول)،
ودراسة احتياجات العملاء والسوق، وتحديد أفضل طرق توظيف هذه الإبتكارات لتحقيق
قيمة تجارية، بحيث يتم التفاوض مع شركاء، لدخول أسواق
جديدة، وتطوير استراتيجيات التسويق والبيع، وهو الدور الأساسي لقسم تطوير الأعمال
في المنظمات BD.
تظهر العلاقة
التكاملية التعاونية بين جهود قسمي البحث والتطوير من جهة وتطوير الأعمال من جهة مقابلة،
بمعنى آخر إنها ليست علاقة أحادية منفصلة الروابط، فالأول يوفر منتجات جديدة جاهزة
للتسويق، والثاني يغدي البحث بمتطلبات السوق الفعلية واتجاهاته المستقبلية، هذا
التكامل يجعل الإبتكار مرتبطا بالواقع العملي، وليس مجرد فكرة على الورق، فالعمل
بينهما بتناغم يحقق للمنظمة فتح أسواق جديدة، أي منتجات مبتكرة تلبي احتياجات لم
تكن مشبعة سابقا، ثم تقدم للمنظمة ميزة تنافسية مستدامة، وتعزز سمعة المنظمة، بحيث
ينظر العملاء والمستثمرون إلى المنظمة على أنها رائدة في مجالها، مما يجذب المزيد
من الثقة والاستثمار.
فعلى سبيل
المثال، يقوم قسم البحث والتطوير في شركة Apple بإبتكار أجهزة وتقنيات جديدة، بينما يقوم قسم
تطويرالأعمال بتحديد كيفية دخول الأسواق العالمية، وإطلاق حملات تسويق تخلق طلبا
واسعا، أما شركة Pfizer فتطور أدوية وعلاجات جديدة، ثم تتفاوض مع
الحكومات والمنظمات الطبية لفتح الأسواق وتوسيع نطاق التوزيع. بذلك
يمكن القول أن قسم البحث والتطوير يمثل عقل المنظمة، في حين أن قسم تطوير الأعمال
يمثل الذراع التجاري لها.
ينحصر الهدف العام لقسم البحث والتطوير في الإبتكار وإنتاج المعرفة الجديدة، من خلال البحث العلمي والتقني، وتطوير
منتجات أو خدمات جديدة، وتحسين المنتجات أو العمليات الحالية، واستكشاف تقنيات
حديثة قبل المنافسين، أي التركيز على "كيف نصنع منتجا أو خدمة جديدة أكثر
كفاءة أو جودة؟"، وستكون المخرجات بطبيعة الحال أفكارا، ونماذج أولية Prototypes، وبراءات
اختراع، وتقنيات مبتكرة.
أما الهدف العام
لقسم تطوير الأعمال فيكمن في ايجاد قيمة إقتصادية وتجارية من الإبتكارات،
من خلال دراسة السوق وتحليل احتياجات العملاء، والبحث عن فرص شراكات وتحالفات
استراتيجية، ووضع استراتيجيات تسويقية وتوسيع الحصة السوقية، والتفاوض مع عملاء
وشركاء لتوسيع نطاق الأعمال، أي التركيز "كيف نحول المنتج أو الخدمة إلى قيمة
تجارية وسوقية؟"، وستكون المخرجات عقودا، وشراكات،
وخططا تسويقية، ودخول أسواق جديدة، ومن ثم زيادة الإيرادات.
لمزيد من التوضيح؛ يمكن
استعراض تجربة احدى الشركات الناشئة التي تعمل في مجال الطاقة النظيفة، للتعرف على
أهمية التكامل بين القسمين، الذي يؤدي إلى جعل الشركة تنجح في تحويل الفكرة (الإبتكار) إلى صفقة (قيمة
إقتصادية وسوقية حقيقية).
أسس مجموعة من المهندسين شركة Green Energy ، في المرحلة
الأولى بدأوا بالبحث عن طريقة لتصميم ألواح شمسية صغيرة الحجم يمكن تركيبها بسهولة
على شرفات المنازل والشقق، وبعد
عدة تجارب، طور فريق R&D نظاما
مبتكرا للألواح الشمسية، يولد كهرباء بكفاءة أعلى بنسبة 20% مقارنة بالمنتجات
التقليدية، وفي المرحلة الثانية، قام فريق تطوير الأعمال بدراسة السوق المحلي، واكتشف أن هناك طلبا متزايدا على حلول الطاقة البديلة، وأن تكلفة الكهرباء مرتفعة، وأن المواطنين يبحثون عن بدائل أوفر، فبدأوا في إعداد خطة تسويقية، وعقد شراكات مع شركات عقارية
لتثبيت الألواح في مشاريع سكنية جديدة، كما تفاوضوا مع البنوك لتقديم قروض ميسرة للأفراد الراغبين
في تركيب هذه الألواح، وبفضلR&D المنتج كان مبتكرا وذو كفاءة عالية، وبفضل BD تم الوصول إلى العملاء المناسبين، وفتح
قنوات بيع جديدة.
النتيجة
هي فتح سوق جديدة
لحلول الطاقة الشمسية السكنية، وتحقيق
ميزة تنافسية أمام الشركات الأخرى، كون المنتج عمليا وبكلفة أقل، ويعزز السمعة المنظمية، أصبحت الشركة معروفة كحل وطني مبتكر للطاقة
المستدامة. يمكن التأكيد هنا أن نجاح المنظمات لا يعتمد فقط على الإبتكار
التقني الذي يوفره قسم البحث والتطوير، بل على قدرة تطوير الأعمال في تحويل الإبتكار إلى منتج ذي قيمة إقتصادية وسوقية، فمن
خلال التكامل بين القسمين، تتمكن الشركة من الجمع بين الإبداع التقني والجدوى التجارية، مما يؤدي إلى تحقيق
نمو مستدام وميزة تنافسية واضحة.
تشير دراسة حديثة شملت 252 شركة بين 2020-2024 في دول G7، أن مؤشرات الإبتكار لها تأثير إيجابي قوي
على إنتاجية العمل وتحسين دوران الأصول
[1]
، وفي دراسة تحليلية أخرى لأكثر من
2000 شركة تكنولوجيا لنفس الفترة، بينت أنه عندما تكون استثمارات R&D عالية جدا (بالنسبة إلى
المبيعات مثلا) تظهر آثار إيجابية واضحة على نمو الشركات، خصوصا تلك التي تعاني من
تراجع أدائي
[2]
، اما في مجال استخدام الذكاء الإصطناعي
في البحث والتطوير، فيوضح تقرير صادر عن McKinsey أن توظيف الذكاء الإصطناعي في عمليات البحث والتطوير يمكن أن يزيد
من الإنتاجية، ويخفض التكلفة الزمنية لتطوير المنتجات الجديدة، مما يسمح للمنظمات
بالإستجابة أسرع لتغيرات السوق
[3]
.
من خلال استقراء نتائج الدراسات السابقة، يمكن استخلاص مجموعة من التوصيات
التي قد تفيد المنظمات في تحسين العلاقة بين البحث والتطوير وتطوير الأعمال، منها
على سبيل المثال:
-
يجب
أن تكون الاستثمارات في البحث والتطوير مستمرة (نسبة من المبيعات أو من الأصول)
لتوليد تأثير ملحوظ، كذلك التركيز على الإبتكار
القابل لتطبيق التجاري مبكرا.
-
لابد
من وجود مؤشرات أداء KPIsتقيّم مدى مساهمة الإبتكار في تحقيق أهداف الأعمال (زيادة الإيرادات، حصة السوق،
رضا العملاء، كفاءة التشغيل، إلخ).
-
أن يكون هناك توازن بين المشاريع التي توفر
مردودا سريعا لتمويل العمليات (Short term)، والمشروعات
الإبتكارية التي تحتاج إلى وقت أطول للنضج (Long
term).
[3]
https://www.mckinsey.com/capabilities/quantumblack/our-insights/the-next-innovation-revolution-powered-by-ai?utm_source=chatgpt.com
-
لابد
من وجود مؤشرات أداء KPIsتقيّم مدى مساهمة الإبتكار في تحقيق أهداف الأعمال (زيادة الإيرادات، حصة السوق،
رضا العملاء، كفاءة التشغيل، إلخ).
-
أن يكون هناك توازن بين المشاريع التي توفر
مردودا سريعا لتمويل العمليات (Short term)، والمشروعات
الإبتكارية التي تحتاج إلى وقت أطول للنضج (Long
term).