المسيحية وقدسية الزواج: الحقيقة الإنجيلية ضد المثلية


د. طـارق سـامي خـوري
في العقود الأخيرة،
أخذت بعض المجتمعات الغربية تروّج للمثلية الجنسية على أنها "حق إنساني” أو "حرية
شخصية”، بل وتسعى إلى مساواتها بالزواج الطبيعي بين الرجل والمرأة.
لكن في جوهر الإيمان
المسيحي، الزواج ليس عقدًا اجتماعيًا متبدّلًا، بل هو عهدٌ إلهي مقدّس بين رجلٍ
وامرأة، أرساه الله منذ بدء الخليقة.
"فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله
خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم.”
(سفر التكوين 1: 27)
هذه الآية تؤسس للحقيقة
الأولى في الإيمان المسيحي: أن اكتمال الإنسان يتحقق بالثنائية الخلّاقة بين الرجل
والمرأة، لا بالتشابه ولا بالتكرار. فالاتحاد بين الذكر والأنثى هو الذي يحمل معنى
الحياة، والتكامل، والاستمرارية.
ومنذ البداية، وضع الله
الزواج كاتحاد طبيعي وروحي بين رجلٍ وامرأة:
"لذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته،
ويكونان جسدًا واحدًا.”
(التكوين 2: 24)
وعندما سُئل السيد
المسيح نفسه عن الزواج، أكّد ذات الحقيقة التي وردت في التكوين:
"أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا
وأنثى؟ وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان
جسدًا واحدًا؟ فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان.”
(متى 19: 4–6)
إذًا، الزواج في
المفهوم الإنجيلي ليس مفتوحًا لأي شكل من العلاقات، بل محدد بجوهر الخلق الإلهي،
كاتحاد مقدّس بين رجلٍ وامرأة.
وهو ما وصفه بولس
الرسول بالقول:
"من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق
بامرأته، ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. هذا السرّ عظيم، ولكنني أقول من نحو المسيح
والكنيسة.”
(أفسس 5: 31–32)
فالزواج في المسيحية هو
سرّ مقدّس (سرّ الزيجة)، يُشبّه باتحاد المسيح بالكنيسة – علاقة قائمة على المحبة
والأمانة والتكامل، لا يمكن أن تكون بين شخصين من الجنس نفسه.
أما بخصوص المثلية،
فالإنجيل لا يترك الأمر غامضًا، بل يعبّر بوضوح عن رفضها، لا كرهاً للإنسان، بل
رفضًا للفعل الذي يناقض طبيعة الخلق وإرادة الله:
"ولا تضاجع ذكرًا مضاجعة امرأة، إنه رجس.”
(اللاويين 18: 22)
"لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان… لأن إناثهم
استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة، وكذلك الذكور أيضًا تاركين
استعمال الأنثى الطبيعي، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض، فاعلين الفحشاء ذكورًا بذكور.”
(رومية 1: 26–27)
هذه النصوص لا تعبّر عن
كراهية، بل عن تحذير روحي من انقلاب المفاهيم وفقدان البوصلة الأخلاقية.
فالمسيحية تفرّق بوضوح
بين الإنسان الخاطئ – الذي يُدعى دائمًا إلى التوبة – والخطيئة التي تُرفض لأنها
تهدم ما بناه الله في الطبيعة.
اليوم، حين تحاول بعض
القوى الغربية إعادة تعريف الزواج والعائلة، فإنها لا توسّع معنى الحرية، بل
تتمرّد على النظام الإلهي للطبيعة.
المسيحية لا تدين
الأشخاص، بل تدافع عن هوية الإنسان الطبيعية المقدّسة، وعن الأسرة التي هي عماد
الخلق والحياة.
إن الزواج كما خلقه
الله يبقى اتحادًا أبديًا بين رجلٍ وامرأة، رمزًا للمحبة والتكامل والإثمار.
وأي محاولة لتبديل هذا
المفهوم ليست تقدّمًا، بل انحرافًا عن الحقيقة الإلهية والإنسانية معًا.