محاولة لوصف صفات وصفي
عوض ضيف الله الملاحمة
تشرفت ، وكتبت عدة مرات عن الرمز الأبدي الأردني الشهيد الحيّ
/ وصفي التل . لكن مهما كُتب عن وصفي التل ، يبقى هناك قصوراً في تناول هذه
الشخصية الوطنية العروبية المتفردة عطاءً وإنتماءً لوطنه وأمته .
للعلم اسم ( وصفي ) يعني : صاحب الصفات الحسنة . و (
التل ) تعني : ما إرتفع من الأرض عمن حوله ، او مُرتفع طبيعي من الأرض له قمة
واضحة ومميزة . سبحان الله حتى إسمه وإسم عائلته يعني السمو ، والرفعة ، والتميز ،
والتفرد ، والوضوح ، والصراحة ، وتميز السيرة والمسيرة .
مهما كُتِبَ عن وصفي التل ، أرى انه لا يوجد من لديه القدرة
على وصف صفات وصفي ، او سبر أغوار شخصيته .
كان وصفي التل يمتلك كاريزما فريدة ، وهذه الشخصية
الكاريزمية خاصة به ، وهي جينية ، وليست مكتسبة ، يعني ( built in ) كما
يُقال .
من حقّ كل الأردنيين ان يكتبوا عن وصفي ، ولا أقول ان يتذكروه
او يذكروه ، لأن الأردنيين لم ، ولن ينسوه حتى يتذكروه . فشخص وصفي وإسمه وأفعاله
، وإنتماؤه ، ونزاهته ، وإستقامة نهجه تحتل جزءاً في عقل كل أردني . لذلك نجد انه
لا يغيب عن بال الأردنيين ، ويتمنون وجوده عند كل محنة او ضائقة وطنية .
الأردنيون أوفياء ، لا ينسون كل أردني شغل منصباً متقدماً في
إدارة شؤون الوطن وترك بصمات ، او حتى لو ترك بصمة وطنية واحدة يفتخرون به ، ولا
يملّون من تكرار ترديد إسمه ، حدّ التغني به ، والتفاخر بذكره . فعند كل ضائقة
وطنية تجد الأردنيين وكأنهم يستنجدون به ، ويلجأون اليه ، وكأنه ما زال حيّاً ،
ويمكن ان يُلبي النداء ويستجيب للإستغاثة . والدليل البيِّن الواضح الأكيد الذي لا
غبار عليه ولا جدال فيه انه رغم مرور ( ٥٤ ) عاماً ، على إستشهاد وصفي ، ما زال
إسم وصفي التل راسخاً في ذاكرة كل أردني شريف منتمٍ لوطنه وأمته . عجيب أمر هذا
الرجل الذي أسَرَ ، وما زال يأسر قلوب وعقول الأردنيين . لدرجة ان من كان شاباً يافعاً
في عمر ال ( ١٨ ) عاماً عند إستشهاد وصفي اصبح شيخاً بعمر ( ٧٤ ) عاماً ، يتغنى به
ويفتخر بأفعاله كأنه عايشه ورافقه او حتى زامله في العمل .
لله درك يا وصفي التل ، لقد بلغت مبلغاً ، واحتليت مرتبة
متفردة عند الأردنيين . والغريب إجماع كافة الأردنيين على تميزة وتفرده حتى
الذين كانوا يعارضونه أحياناً .
مع ان حبّ الناس غاية لا تدرك ، كما يُقال ، الا ان وصفي
أدركها بجدارة وإستحقاق . إستناداً لمفهومٍ إسلامي ، يستند الى حديثٍ شريف :
حبّ الناس من محبة الله للإنسان . حيث يوضح الحديث الشريف ان حب الله للعبد ،
يترتب عليه حب الناس له . ونصّ الحديث النبوي الشريف كما يلي :(( إن الله اذا أحب
عبداً نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه ثم ينادي في أهل السماء : إن الله قد أحب
فلاناً فأحبوه ، ثم يوضع له القبول في الأرض )) .
أود ان أُشير الى حادثتين عن الشهيد / وصفي التل ، يعرفهما
غالبية الأردنيين :—
الحادثة الأولى:— ودّ الشهيد/ وصفي ان يحصل على قرض من مؤسسة
الإقراض الزراعي ، وكان مدير المؤسسة (( أمين الأمة )) الشيخ / محمد عودة القرعان
. وأعتذر القرعان الى وصفي لأن شروط إعطاء القرض لا تنطبق عليه . وبعد أيام تم
تعيين وصفي رئيساً للوزراء . فتوقع العاملون في المؤسسة ان أول قرار سيتخذه وصفي
سيكون إقالة القرعان . لكن أول قرار اتخذه وصفي كان ترقيته من الدرجة الأولى الى
الدرجة الخاصة لنزاهته وإخلاصه في العمل .
والحادثة الثانية :— ان الملك الحسين رحمه الله سدد عن وصفي
التل ديونه التي بلغت ( ٩٣ ) ألف دينار . وللعلم فإن الديون عبارة عن أثمان إطارات
لتراكتور زراعي ، وبكب ، وطرمبة مياه للري ، ومحراث للتراكتور ، وثمن بذور
زراعية ، وديزل ، وخلافه من المستلزمات الزراعية ، لان الموسم الزراعي كان في
بدايته ، ولجأ وصفي للاقتراض لتوفير المتطلبات الزراعية .
الأردن ولادة ، والتاريخ يشهد ان هناك الألوف من الرموز ،
خاصة من رعيل رجالات الأردن الأوائل الذين تركوا بصمات ، وأدوا أدواراً متميزة في
بناء الأردن والإرتقاء به . ويشرفني ان أذكر عدداً يسيراً للتدليل ، وليس الحصر .
فكيف لنا ان ننسى : الشيخ / علي خلقي الشرايري ، والشيخ / كليب الشريدة ،
والشيخ / راشد الخزاعي ، والشيخ / محمد الحسين العواملة ، والشيخ / حسين الطراونة
، والشيخ / قدر المجالية ، والشيخ / شلاش المجالية ، والشيخ / عودة ابو تايه ،
وغيرهم الكثير .
وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر . وأختم بأبيات منتقاة
للشاعر الكبير / حيدر محمود ، في ذكرى إستشهاد / وصفي التل ، حيث يقول :—
ما زال
دالية فينا / لا زال دالية فينا / نفيء الى ظلالها / بندى الأردن نسقيها / وصفي ..
ويكفي بأنّا حين نذكرهُ / نزداد فخراً .. ونزهو بإسمهِ تيها.


















