"الوطنية الشعبية الأردنية" تقدم رؤيتها للموازنة العامة
اختلالات متراكمة بموازنة 2026 .. ولا جهود جادة للشروع ببناء اقتصاد وطني قادر
تعاني الموازنة العامة
للدولة من اختلالات متراكمة لم تُبذل أي محاولات جادة لمعالجتها أو الشروع في بناء
اقتصاد وطني قادر على توفير مقومات الاعتماد على الذات.
وبناءً على ذلك، فإننا نتقدّم
بما بلي حول مشروع الموازنة العامة. لقد أدّت السياسات المالية المتّبعة إلى تعميق
الأزمة البنيوية للاقتصاد الوطني، الذي يعاني من ضعف القطاعات الإنتاجية وهيمنة
النمط الاستهلاكي. فتمّ إغراق البلاد بالمديونية وزيادة الاعتماد على القروض
لتغطية جزء مهم من النفقات العامة في ظل تراجع واضح للاستثمارات.
ويعكس ذلك ضعفًا بنيويًا في الاقتصاد الوطني
وعدم قدرته على التكيّف مع المستجدات، وتراجع مستويات التنافسية. والأسوأ أنّ
الصناعات المحدودة والمتواضعة التي أُنشئت في البلاد جرى التخلي عن جزء مهم منها
لصالح الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية، رضوخًا لاشتراطات وإملاءات صندوق النقد
الدولي؛ تارةً بحجة تعثّر بعض القطاعات، وتارةً أخرى بحجة الحاجة إلى "شريك
إستراتيجي” وجذب المستثمرين. وكانت النتيجة التنازل عن مقدّرات الدولة بأبخس
الأثمان.
ولا شك أنّ هذا النهج شكّل
أحد أبرز أسباب استمرار حالة التبعية الاقتصادية وما يرافقها من أثمان سياسية
باهظة تمسّ السيادة الوطنية؛ فالمساعدات الأجنبية ليست "هبات”، بل أدوات نفوذ
مرتبطة بالموقع الجيوسياسي للأردن.
وليس خافيًا أنّ السياسات
المالية والاقتصادية المعمول بها أسهمت في رفع العبء الضريبي—خصوصًا ضريبة
المبيعات والمحروقات—إلى جانب تصاعد كلفة الدين العام، ما أدّى إلى تراجع معدّلات
النمو خلال العقد الأخير وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة. فقد كشفت الموازنات
المتعاقبة، منذ إخضاع الاقتصاد لإملاءات صندوق النقد الدولي، عن تحوّل جوهري في
السياسة المالية يتمثّل في زيادة الاعتماد على الضرائب غير المباشرة، وعلى رأسها
ضريبة المبيعات والضريبة الخاصة على المحروقات والاتصالات، مقابل تراجع الضرائب
التصاعدية على الدخل والأرباح. وقد حمّل هذا التحوّل الشرائح الفقيرة والمتوسطة
العبء الأكبر في تمويل الخزينة، بينما استفادت الفئات العليا والقطاعات المالية من
التخفيضات الضريبية والحوافز.
أمّا من حيث النفقات، فقد
تراجعت نسبة التمويل المخصّص للنفقات الرأسمالية والخدمات العامة مقابل التوسع في
النفقات الجارية—ولا سيما فوائد الدين العام—التي تستحوذ اليوم على نحو 20% من
النفقات الجارية. وبهذا تحوّلت الموازنة العامة إلى أداة لإعادة إنتاج الاختلالات
البنيوية بدلًا من أن تكون رافعة للتنمية وتحسين مستويات المعيشة. كما أدّى تراكم
الدين وشروط صندوق النقد الدولي إلى تكريس الأزمة بدلًا من معالجة أسبابها، إذ
تجاوز الدين العام الخطوط الحمراء وبلغ 119% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد أصدرت الحكومة مشروع
قانوني الموازنة العامة والوحدات الحكومية لعام 2026 بقيمة إجمالية قدرها 14.925
مليار دينار، منها 13.055 مليار دينار لموازنة الحكومة و1.870 مليار دينار للوحدات
الحكومية، بزيادة مقدارها 950 مليون دينار مقارنة بإعادة تقدير موازنة 2025. بعجز
يقدر3.675 مليار دينار قبل المنح و2.842 مليار دينار بعد المنح. ولا يختلف المشروع
عن سابقيه من حيث مصادر الإيرادات وأبواب النفقات، باستثناء زيادة العبء الضريبي
وارتفاع الدين وبعض التعديلات الشكلية التي لا تلبي احتياجات المرحلة.
وتؤكّد الحكومة أن أهداف
الموازنة الاقتصادية والمالية للعام المقبل تتضمن تنفيذ متطلبات رؤية التحديث
الاقتصادي والمشاريع الإستراتيجية الواردة فيها بوصفها «خطة دولة عابرة للحكومات».
وتشير إلى ارتفاع النفقات الرأسمالية إلى 1.6 مليار دينار لتمويل مشاريع ذات أهمية
وطنية، مثل مشروع الناقل الوطني للمياه وتطوير حقل غاز الريشة.
وعلى أهمية هذه المشاريع،
فإن الإعلان عن نفقات رأسمالية بقيمة 1.600 مليار دينار لا يكفي، فهي لا تتجاوز
12% من إجمالي النفقات، في حين ستنفق الخزينة 2.260 مليار دينار فوائد دين
الحكومة—ما يعادل 20% من النفقات الجارية—إضافة إلى 346 مليون دينار فوائد دين
الوحدات الحكومية. ويبقى الالتزام بالنفقات الرأسمالية محل تساؤل؛ إذ درجت
الحكومات المتعاقبة على تخفيضها أثناء التنفيذ. فقد تراجعت النفقات الرأسمالية في
موازنة 2024 من 1.729 مليار دينار إلى 1.169 مليار، كما تراجعت في موازنة 2025 إلى
1.370 مليار. وهذا يؤكد تآكل الثقة بدقة الموازنات التقديرية عامًا بعد عام.
تمثّل موازنة 2026 السنة
الرابعة لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، التي تستهدف استحداث مليون فرصة عمل خلال
عقد، بواقع 100 ألف فرصة سنويًا، وزيادة الدخل الحقيقي للفرد بنسبة 3% سنويًا،
وتعزيز مستوى المعيشة. ولتحقيق هذه الأهداف تحتاج الخطة إلى 41 مليار دينار، منها
30% من الخزينة والباقي من القطاع الخاص. وبرغم أن متوسط حصة الدولة يقارب 1.1
مليار دينار سنويًا، لم ترتفع النفقات الرأسمالية عن مستويات ما قبل الخطة، ولم
تُتخذ خطوات ملموسة لتحفيز الاستثمار. بل تُظهر المؤشرات الاقتصادية ثبات معدلات
النمو وعدم تجاوبها مع الخطة، وعدم تحسن الدخل الحقيقي للمواطن، بل تفاقم الأزمات
واتساع الفجوة الطبقية.
وفي الوقت الذي تتخلى فيه
الدولة رسميًا عن دورها في توفير فرص العمل—وفق خطة هيئة الخدمة المدنية بعد تعديل
نظام الخدمة—لا تظهر الأدلة أن الاستثمارات الحكومية أسهمت في خلق فرص تشغيلية أو
تحفيز النمو.
النفقات الجارية ودلالاتها
تُظهر النفقات الجارية
ارتفاعًا في دعم السلع والوحدات الحكومية والإعفاءات الطبية بمقدار 54 مليون دينار
مقارنة بموازنة 2025، وهي زيادة محدودة لا يمكن وصفها بالاستثنائية كما تحاول
الحكومة الإيحاء. وبرغم تخفيض بند دعم المعالجات الطبية، فإن تخصيص 124 مليون
دينار لعلاج مرضى السرطان خطوة إيجابية، إضافةً إلى زيادة دعم البلديات بقيمة 30
مليون دينار.
وفي تفصيل النفقات
الاجتماعية، بلغت مخصّصات وزارة التربية والتعليم 1.228 مليار دينار، والتعليم
العالي 124 مليونًا، فيما بلغ الإنفاق الصحي 714 مليونًا لوزارة الصحة، و47
مليونًا لمستشفى الأمير حمزة، و50 مليونًا للإعفاءات الطبية، إضافة إلى 124
مليونًا لعلاج مرضى السرطان. ويبلغ مجموع الإنفاق على التعليم والصحة 2.287 مليار
دينار، وهو رقم يعادل تقريبًا كلفة فوائد الدين العام، ما يبرز اختلالًا بنيويًا
في هيكل الإنفاق.
ويمثّل هذا الإنفاق 6% من
الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من متوسط الإنفاق الصحي العالمي البالغ
9.9% وفق منظمة الصحة العالمية، ما يؤكّد محدودية الاستثمار الاجتماعي في الأردن.
بلغت الإيرادات الضريبية
7.656 مليار دينار، في حين بلغ بند الرواتب والأجور 7.597 مليار دينار، مع الإشارة
إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه الفاتورة يذهب إلى كبار الموظفين برواتب مرتفعة، وإلى
الهيئات المستقلة التي جرى دمج بعضها من دون المساس بامتيازاتها.
في المقابل،
يتقاضى 77% من الموظفين أقل من 500 دينار، ويعيشون على حد الفقر—وفق التقرير
السنوي للبنك المركزي 2023—ما يكشف فشل السياسات الحكومية في معالجة البطالة
والفقر. وتزداد الخطورة مع توجه الحكومة نحو فرض التقاعد المبكر القسري، بما يهدد
الأمن الاجتماعي للأسر ويحمّل صندوق الضمان مخاطر كبيرة.
البيئة الاستثمارية
والتنافسية الصناعية
تعاني الصناعة الوطنية من
ضعف تنافسية ناجم عن أعباء ضريبية مرتفعة، في مقدمتها ضريبة المبيعات ذات الطابع
الانكماشي، وارتفاع تعرفة الكهرباء والضرائب على المشتقات النفطية، ما انعكس
مباشرة على كلف الإنتاج. ويتناقض الخطاب الرسمي عن دعم الصناعة مع الممارسة
الفعلية القائمة على الجباية وإلغاء الإعفاءات الضريبية على الصادرات وتوحيد العبء
الضريبي بين القطاع الصناعي والتجاري.
كما أدّت الخصخصة وتحرير
الأسواق إلى تفكيك الدور الحمائي للدولة وتخفيض الدعم الصناعي، وإغراق السوق
بمنتجات منخفضة الكلفة لا تستطيع الصناعات المحلية منافستها، ما أدى إلى تراجع
قطاعات حيوية وإغلاق مصانع صغيرة ومتوسطة وفقدان آلاف الوظائف. وتشكل الضرائب غير
المباشرة نحو 75% من الإيرادات الضريبية، في مخالفة للمادة (111) من الدستور التي
تشترط العدالة والتصاعدية ومراعاة قدرة المكلفين على الدفع.
وبناءً على ما تقدّم، نطالب
بما يلي:
1.
إعادة
هيكلة الموازنة العامة وتوحيدها في موازنة واحدة، وزيادة مخصصات قطاعات الصحة
والتعليم والعمل والنقل العام.
2.
زيادة النفقات الرأسمالية إلى 20% من إجمالي
النفقات، وتخصيص نصفها لمشاريع إنتاجية استراتيجية.
3.
توجيه السياسة النقدية لخدمة التنمية عبر تخفيض
الفوائد وتوفير تمويل تفضيلي للقطاعات الإنتاجية.
4.
اعتماد الضريبة التصاعدية والتخلّص التدريجي من
الضرائب غير المباشرة تطبيقًا للمادة (111) من الدستور.
5.
تعديل قانون العمل بما يحفظ حقوق الطبقة العاملة
ويضمن حرية تأسيس النقابات ورفع الحد الأدنى للأجور وربطه بالتضخم.
6.
حماية
المواطنين من الاحتكار والجشع عبر تفعيل الرقابة الحكومية وتوفير السلع الأساسية
بأسعار عادلة.
7.
حماية
أموال الضمان الاجتماعي ووقف التقاعد المبكر القسري واستثمار جزء من العوائد في
مشاريع إنتاجية.
8.
زيادة
رواتب الموظفين والمتقاعدين بما يتلاءم مع تكاليف المعيشة، ووضع سقف لا يتجاوز
ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور على جميع الرواتب العليا.
9.
إعادة
الاعتبار لدور الدولة الاقتصادي وتعزيز ملكيتها للقطاعات الاستراتيجية والخدمات
العامة
10.
. توفير بيئة استثمارية قائمة على النزاهة
وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد، ودعم الصناعات الوطنية، وتمكين الجمعيات التعاونية.
11.
حصر
الاقتراض بالمشاريع التنموية المنتِجة القادرة على سداد التزاماتها ذاتيًا.
12.
دعم
القطاع الزراعي النباتي والحيواني وتعزيز الأمن الغذائي وحماية الإنتاج المحلي من
الإغراق.
13.
وضع
سياسة وطنية للمياه تضمن الأمن المائي وتنفيذ مشاريع التحلية تحت إشراف الدولة.
14.
وضع
خطة استراتيجية لقطاع الطاقة تخفض الكلفة وتتوسع في الطاقة المتجددة والغاء
اتفاقية الغاز المستورد من الكيان الصهيوني.
اللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الشعبية الأردنية















