النهضة الوطنية والريادة
د. جهاد يونس القديمات
أستاذ جامعي
غالبا ما تكون مشاريع النهضة جزءاً من رؤية وطنية تسعى إلى
إعادة بناء المجتمع بشكل شامل ومستدام، من خلال تحقيق نهضة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي.
يتضمن الجانب الاقتصادي تطوير البنية التحتية، ودعم الصناعات
المحلية، وتشجيع الابتكار والتكنولوجيا، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وتحسين جودة الحياة من خلال تقديم
خدمات صحية وتعليمية متطورة، وتعزيز العدالة الاجتماعية على الجانب الاجتماعي.
اما على الجانب الثقافي فيشمل المحافظة على التراث الثقافي، ودعم
الإبداع الفني والأدبي، وتعزيز الهوية الوطنية، واصلاح الأنظمة السياسية والقانونية
لتكون أكثر شفافية وعدالة، ودعم المشاركة السياسية والديمقراطية على
الجانب السياسي.
تتمحور مشاريع النهضة حول تحقيق تحول جذري في مختلف جوانب
الحياة لتحقيق تنمية متكاملة ومستدامة، وتعتمد نجاح هذه المشاريع على العديد من
العوامل والمكونات، منها الى سبيل المثال: التعليم والبحث العلمي، والابتكار
والتكنولوجيا، و المشاركة المجتمعية والتمكين.
يعد التعليم المحور الأساسي لأي مشروع نهضوي؛ وهو الذي يبني
جيلًا قادرًا على قيادة التغيير، فمن خلال تطوير المناهج ورفع جودة التعليم في
جميع مراحله، وتعزيز البحث العلمي وربط الجامعات والمؤسسات البحثية بالقطاع
الصناعي والاقتصادي لتطوير حلول إبداعية وتكنولوجية؛ يمكن بناء كوادر بشرية مؤهلة
قادرة على الاستجابة لتحديات العصر، والمساهمة في انجاح المشاريع الوطنية.
وفي مجال الابتكار والتكنولوجيا، فتشجيع ريادة الاعمال ودعم
المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتحفيز الابتكار يساهم في تعزيز مختلف القطاعات، كما
ان تبني التكنولوجيا المتقدم، عبر إدخال تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي AI، البلوك تشين Block Chain ، والطاقة المتجددة Renewable Energy في مختلف المجالات يساهم أيضا في زيادة الإنتاجية وتعزيز
الاستدامة، مع مراعاة التوجه نحو الاقتصاد الرقمي، أي تحويل النظم التقليدية إلى
نظم رقمية متطورة تُعزز من التنافسية والابتكار.
وعلى صعيد الريادة فان ريادة الأعمال ترتكز على الابتكار، والمخاطرة،
وخلق منتجات أو خدمات جديدة بهدف الاستجابة للاحتياجات أو التحديات في السوق أو
المجتمع، لكن هناك تشابكا بين مشاريع النهضة والريادة في عدة جوانب، حيث يمكن أن
تكون مشاريع النهضة الوطنية ريادية إذا تضمنت الابتكار، وتحفيز ريادة الأعمال، من
خلال دعم وتشجيع إطلاق المشاريع الريادية، سواء من خلال تقديم التمويل، او
التدريب، أو تسهيل الإجراءات القانونية لرواد الأعمال، إضافة خلق فرص جديدة، عبر
فتح مجالات جديدة للنمو الاقتصادي، وتشجيع الشركات الناشئة في قطاعات التكنولوجيا،
والطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي.
إنشاء منصات رقمية وتطوير تقنيات حديثة يُعتبر رياديًا إذا
كان الابتكار والتكنولوجيا جزءًا من الاستراتيجية. كذلك، تحسين الخدمات العامة من
خلال الابتكار، مثل تطوير مشاريع لتحسين التعليم، الصحة، والنقل باستخدام حلول
مبتكرة وريادية، يُعتبر جزءًا من النهج الريادي.
ورغم التداخل بين مشاريع النهضة وريادة الأعمال، هناك
اختلاف جوهري بينهما؛ فمشاريع النهضة تركز على أهداف شاملة ومجتمعية بقيادة
الدولة، مثل تحسين التعليم والبنية التحتية، في حين تعتمد المشاريع الريادية على
الابتكار والمخاطرة الفردية أو الجماعية لخلق حلول جديدة بدافع الربح أو إحداث
تأثير مجتمعي معين.
في المحصلة يمكن اعتبار مشاريع النهضة الوطنية ريادية إذا
كانت تعتمد على الابتكار، وتقديم حلولاً جديدة للتحديات الوطنية، ورغم أن مشاريع
النهضة تسعى لتحقيق التنمية الشاملة، فإن العناصر الريادية فيها تساهم في تسريع
وتيرة التغيير بطرق أكثر إبداعًا وفعالية.