هآرتس: جشع إسرائيلي متزايد للضم وتفكيك السلطة وإدارة أمريكية داعمة
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله،
الذي دخل فجراً إلى حيز التنفيذ، سينهي (كما يبدو) جولة القتال الحالية في لبنان.
تفاصيل الاتفاق والصياغة ورسائل الضمانات ستكون
ضبابية، أو خاضعة لتفسير كل طرف من أجل التسهيل على المصادقة عليه.
في لبنان،
يمكن الإعلان بأن "حافظنا على القرار 1701 كما هو”. أما إسرائيل فستقول "نحافظ على
حقنا في حرية العمل والدفاع عن النفس”. وسيكون هناك عدم اتفاق حول آلية التنفيذ
والرقابة على الاتفاق بين إسرائيل والجيش اللبناني وحزب الله وقوة الرقابة التي
ستشمل الولايات المتحدة وفرنسا ودولاً أخرى.
لكن هناك قضية واحدة باتت واضحة الآن. وقف إطلاق
النار في لبنان لا يشمل شرط وقف الحرب في قطاع غزة. المعركة في الشمال، التي بدأت
كحرب لدعم غزة، تنتهي دون تحقيق الهدف. إسرائيل ونتنياهو سينسبون ذلك إلى أنفسهم
وسيكررون ذلك في ورقة الرسائل.
وهذه القضية سيطرحها لبنان لنقاش واسع مرة أخرى.
الكثير من اللبنانيين، بما في ذلك من يؤيدون حزب الله، سيتساءلون: هل يدور الحديث
عن التخلي عن الفلسطينيين أم عن قرار شرعي إزاء ضربات تلقاها الحزب وتداعيات مدمرة
للمعركة على لبنان وجنوبه؟ حزب الله أعطى الجواب، وثمة إشارة سميكة نجدها في خطاب
الأمين العام نعيم قاسم، الذي أوضح بأن حزب الله فعل كل ما في استطاعته لقطاع غزة
والفلسطينيين، ودفع ثمناً باهظاً.
ألقى قاسم المسؤولية عن القضية الفلسطينية على
الأمة العربية والإسلامية والزعماء وعلى المجتمع الدولي. كانت الرسالة واضحة بين
السطور: حزب الله لا يمكنه العمل وحده إذا لم تتجرأ عشرات الدول على العمل معاً.
الخلاصة: بعد 14 شهراً على الحرب والدمار، ها هم
الفلسطينيون يبقون وحدهم مرة أخرى. جبهة الدعم في الشمال أغلقت بأمر من الأمين
العام للحزب. ورغم "خيبة أمل وغضب” رؤساء السلطات في الشمال، فإنه إذا تم الحفاظ
على الاتفاق، فسيعود الهدوء المأمول إلى مستوطنات خط المواجهة، أما لبنان فسيحاول
البدء في إعادة الإعمار، وعلى قيادة حماس حينئذ العثور على جبهة دعم أخرى.
حماس، والساحة الفلسطينية بعامة، غير متفاجئين من
ذلك؛ فالرسائل التي حصلوا عليها مؤخراً كانت واضحة. حزب الله، بمصادقة إيران، لن
يفشل الاتفاق من أجل الفلسطينيين ومن أجل غزة. الأمر نفسه ينطبق بالضبط على لبنان؛
فلن تجد حماس بعد الاتفاق جواباً على ما هي وجهتها. فبناها التحتية والتنظيمية
والعسكرية في القطاع مدمرة. والولايات المتحدة تضغط بشدة على قطر لإغلاق مكاتب
حماس في الدوحة، وليس هناك تقدم في المصالحة الفلسطينية الداخلية.
هذه الصورة البائسة تنطبق أيضاً على السلطة
الفلسطينية، وعلى رئيسها محمود عباس؛ فهو وحاشيته بحاجة إلى إجابات بحكم دورهم
ومسؤوليتهم، إذا لم يكن للقطاع فللفلسطينيين في الضفة. في ظل جشع إسرائيل المتزايد
للضم وتفكيك السلطة، وأمام إدارة أمريكية ربما تدعم إسرائيل بمثل هذه الخطوات، فمن
غير المستبعد أن تخرج القيادة في رام الله إلى المنفى.
وعلى حماس
وقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله إعطاء جواب للجمهور الفلسطيني: أين وجهتهم
أمام التحديات الوجودية؟
يتذكر أهالي قطاع غزة والضفة الصورة التي نقشت في
ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين الجماعية، خروج قادة م.ت.ف والمقاتلين من بيروت في
1982، بعد انتهاء معارك دموية، اعتلى ياسر عرفات متن سفينة، إلى المنفى. وعندما
سئل إلى أين يذهب. قال: إلى فلسطين.
عرفات وآلاف المقاتلين بحثوا عن ملجأ لهم. انتشر
المقاتلون في عدة دول، وعرفات نفسه، بعد رحلة قصيرة في سوريا وعودة مؤقتة إلى
لبنان، استقر في تونس وانتظر هناك. للوهلة الأولى، كان يبدو أن القضية الفلسطينية
دخلت في حالة أفول هددت استمرار وجودها، ولم يكن العالم العربي مكترثاً بها،
كالعادة.
أما العالم فكان منشغلاً بقضاياه، حتى جاء الخلاص
من الساحة الداخلية؛ فاندلاع الانتفاضة الأولى فاجأ العالم وإسرائيل وقيادة م.ت.ف
في تونس، ثم تذكر العالم القضية الفلسطينية مرة أخرى.
ونتج عنه الانشغال بالقضية مؤتمر مدريد واتفاق
أوسلو. ولكن الآن، بعد مرور 29 سنة، لا يوجد في إسرائيل رابين، ولا يوجد
للفلسطينيين ياسر عرفات. وبيروت تخلو اليوم من م.ت.ف، وحزب الله غادر الساحة. ولكن
هناك شيئاً واحداً يتشابه فيه الوضع: الفلسطينيون وحيدون.
جاكي خوري
هآرتس 27/11/2024