شريط الأخبار
هيئة تحرير الشام: تحولات الاسم والدور وتلميع صورة الإرهاب شبح 2012 يخيّم على حلب.. شهادات من الأهالي بعد احتلال مدينتهم بوتين يطالب اردوغان بنهاية سريعة لهجوم المعارضة.. ومحللون: احتلال حلب صفقة جيدة لتركيا رأي روسي: هل سيجعل هنود إدلب الحمر إسرائيل عظيمة مرة أخرى؟ الملك يشارك باجتماع الناتو.. والحلف يؤكد ان الاردن شريك رئيسي الملك يبحث توسيع الشراكة مع الناتو ويؤكد ضرورة وقف الحرب على غزة في سابقة فريدة.. المستشفى التخصصي يعالج جلطة دماغية حادة خلال عشرين دقيقة مؤتمر التعدين ينطلق السبت ونقيب المهندسين: سيبحث النفط والغاز والصخر الزيتي بالاردن الملك وبن زايد يؤكدان اهمية منع توسع الصراع بالمنطقة هكذا توفي طارق بمستشفى بسمة.. والاهل يتهمون المستشفى بالتقصير وفاة مصري عشريني انتحارا بعمان تواصل ارتفاع صادرات المملكة من الالبسة ومستحضرات الصيدلة "العمال" يفصل النائب الجراح.. ونيابته تسقط قانونا وتحل محله الحروب قرار استراتيجي".. مفاجآت الشمال السوري وصولا لأوكرانيا! كابيتال بنك يعقد لقاءاً خاصاً حول أحدث المستجدات المالية واتجاهات السوق لعملاء كابيتال الطيران الحربي السوري الروسي يستهدف محتلي حلب بقصف شديد تركيا تكمل معركة اسرائيل بسوريا وتدعم" النصرة".. وروسيا وايران تتصديان أبو صعيليك يزور غرفة تجارة عمان: الحكومة تولي أهمية كبيرة لتحسين بيئة الأعمال "الصحة" تحقق بظروف وفاة مريض بمستشفى بسمة قطاع السياحة: دعوات لاستعادة النمو وتجاوز التحديات

شبح 2012 يخيّم على حلب.. شهادات من الأهالي بعد احتلال مدينتهم

شبح 2012 يخيّم على حلب.. شهادات من الأهالي بعد احتلال مدينتهم


 

"هيئة تحرير الشام تدخل إلى مدينة حلب"، خبر كان وقعه صادماً على السكّان، فالمدينة التي لم تستعد عافيتها بشكل كامل بعد، بدأ أهلها خلال الساعات الماضية باستعادة شريط ذكريات مؤلمة عاشوها لنحو خمس سنوات أثناء سيطرة الفصائل المتشددة على مدينتهم في بداية الحرب، وهم الآن يعيشون الخوف من تكرار ما حصل سابقاً مع أصحاب الرايات السوداء

مساء الجمعة الفائت بدأت الفصائل المتشددة بالدخول إلى أحياء المدينة الغربية، وسرعان ما وصلوا إلى ساحات حلب الرئيسية؛ هذه الأخبار جاءت كلمح البصر، فبدأ الناس حينها رحلة الاطمئنان على أحوال أهلهم وأصدقائهم في المدينة، "لا أحد في الشوارع؛ حلب تحولت إلى مدينة أشباح"، هذه كانت أول إجابة قالها أحمد فران الذي يقطن بالقرب من ساحة سعد الله الجابري، "كانت الساحة خالية تماماً، ولا يوجد أثر للمسلحين في المنطقة"؛ لم يكن صعباً سماع نبرة الخوف في صوته والخشية من المجهول الذي ينتظره، لكن الهدوء الذي لم يستمر طويلاً، خرقه صوت الرصاص الآتي من الخارج ليطغى على الحديث.

"مسلحون بذقون طويلة يحملون رايات سوداء انتشروا في الساحة ويطلقون النار في الهواء"، قال أحمد بصوت يملؤه الرعب وصمت لبرهة؛ لقد استعاد في تلك اللحظات مشاهد مرعبة عاشها عام 2012 مع عائلته في حلب، وكيف فقد والده برصاص الجماعات المسلحة من دون قدرة منه على مواجهتها، وكيف اضطر لاحقاً للهرب مع عائلته إلى دمشق خوفاً على حياتهم من إرهاب تلك الجماعات؛ "عليّ أن أغلق الهاتف الآن؛ إنهم يطلبون من الناس الالتزام بمنازلهم وعدم الخروج منها"، كانت هذه آخر الكلمات التي قالها أحمد قبل انقطاع الاتصال

أحرقنا بيوتنا

أعلنت الفصائل المسلحة في أرياف حلب وإدلب بقيادة "هيئة تحرير الشام" المصنفة دولياً على أنها منظمة إرهابية، صباح الأربعاء هجوماً واسعاً على مواقع الجيش السوري في ريف حلب الغربي؛ هذا الهجوم أتى بعد ساعات قليلة على إعلان وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وتهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لسوريا بأنها "تلعب بالنار".

"حرقنا بيوتنا قبل ما يصلوا لعنا"، تقول زهراء شربو من بلدة "نبل" بريف المدينة، التي تعيش مع عائلتها في مدينة حلب، حيث أقدمت على إحراق أيّ علم أو صورة لها علاقة بالمقاومة، خوفاً من الجماعات المسلحة التي دخلت إلى المدينة، لأن مشاهدة تلك الأعلام أو الصور يعني قتل العائلة بالكامل.

تقول زهراء بصوت يرتجف: "وصلوا إلى الشارع الذي نقطن فيه؛ سيارات لمسلحين يحملون أسلحة رشاشة ويرفعون أعلاماً سوداء، ويكبّرون بصوتٍ عالٍ في الشوارع؛ المشهد مرعب بكل معنى الكلمة، وقد أعلنوا عبر مكبرات الصوت فرض حظر تجوال لمدة 24 ساعة. حرقنا كتب بتحرق القلب، وحرقنا صور وأعلام؛ حرقنا هويتنا، وحرقنا بيوتنا كرمال نحمي حالنا؛ عايشين كابوس حقيقي"؛ تتذكر عائلة زهراء اليوم رعب "القتل على الهوية" الذي كانت تفرضه "جبهة النصرة" والفصائل التابعة لها على المدنيين أثناء سيطرتها على حلب بين عامي 2012 و2016، والخوف من أن تعود هذه المشاهد لتفرض نفسها على المدينة مجدداً.

لم تكن مصادفة أن تعلن الفصائل المسلحة في إدلب عن هجوم حلب بعد ساعات من تهديد نتنياهو لسوريا، فهذه الفصائل التي كانت تهلل لكل جريمة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة ولبنان، ولم تطلق رصاصة واحدة ضد الاحتلال، ولم تندد بالعدوان الوحشي على المدنيين في لبنان وفلسطين المحتلة طوال عام كامل، تتبع اليوم الأسلوب نفسه الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الأخيرة، حيث أصدرت أوامر إخلاء في بلدات وقرى ريف حلب قبل الهجوم عليها،  تماماً كما كان يحدث قبل قصف الجيش الإسرائيلي للمباني السكنية في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، وليس غريباً أيضاً أن يعلن الإعلام الإسرائيلي عبر قنواته وإذاعاته وصحفه أن ما يحدث في شمال سوريا أكبر خدمة لـ"تل أبيب" من أجل إضعاف الدولة السورية واستنزاف الجيش السوري، الذي يعتبره نتنياهو المموّل والداعم الرئيسي للمقاومة في جنوب لبنان؛ هذا الإعلام الذي استضاف قبل أيام على شاشاته المعارض السوري فهد المصري، الذي خرج لمدح جيش الاحتلال وجرائمه وشكر نتنياهو على الجرائم التي يرتكبها في لبنان!

هواجس متراكمة

تتواتر الأنباء من مدينة حلب، لكنها بالمجمل تدور حول فكرة واحدة وهي "الرعب"، فالفصائل المسلحة المهاجمة ينتمي أفرادها بغالبيتهم إلى جنسيات غير سوريّة، كون المقاتلين الأجانب موجودون على نطاق واسع داخل إدلب، كما أنهم يتمتعون بنفوذ وسلطة قوية داخل تنظيم "الجولاني"، وهؤلاء ينتمون إلى 15 جنسيّة على الأقل، مثل السعودية والتونسية والألبانية والشيشانية والصربية والمقدونية والفرنسية، ولعلّ أشهر الجماعات المنتشرة في إدلب: الكتيبة الألبانية، وكتيبة "الإمام البخاري" الأوزبكية و"جند الشام" الشيشانية، و"كتيبة الملحمة تاكتيكال" المكونة من مقاتلين شيشان وأوزبك وأذريين، و"الحزب الإسلامي التركستاني" و"الآيغور"، ودخول هؤلاء إلى حلب يعني عودة مسلسل الذبح والقتل والتنكيل وتقطيع الرؤوس والسلب والنهب والاغتصاب.

"لقد تمكنّا من الهرب قبل وصول المسلحين إلى منطقتنا؛ خرجنا مع حاجياتنا الأساسية فقط"، يقول فارس المصري كيف استطاع النجاة مع عائلته والهرب قبل دقائق من دخول الجماعات المسلحة يوم الجمعة، في تكرار لما حصل معه عام 2012؛ حينها خرج المصري على عجل لحماية أفراد عائلته، لكن تلك الجماعات عمدت لاحقاً إلى قتل اثنين من أبناء عمه رمياً بالرصاص داخل حلب بذريعة أنهما يتعاملان مع الجيش السوري.

المصري عاد عام 2017 إلى المدينة وبدأ بإعادة ترميم منزله في منطقة "بستان الباشا" بمجهود ذاتي من دون انتظار عملية إعادة الإعمار، لأن السنوات التي قضاها بعيداً عن حلب لا يعتبرها جزءاً من حياته؛ ويقول: "تقتلني الهواجس المتراكمة من أيام الحرب؛ قضيت سنوات حتى محيتها من ذاكرتي، لكنها عادت لتسيطر على مخيلتي الآن؛ مشاهد الدمار والخوف والقتل وصرخات الأطفال ترتسم أمامي منذ لحظة خروجي من المنزل يوم الجمعة؛ لا أريد تكرار هذه التجربة أبداً، ولا أرغب بأن يعيش أولادي هذا الرعب".

شبح 2012

في تموز/يوليو 2012 أطلقت فصائل "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" المسلحة هجوماً كبيراً على مدينة حلب، وتمكنت من الدخول إليها والسيطرة على الأحياء الغربية ومحاصرة الأحياء الشرقية، ودارت في المدينة معارك عنيفة استمرت لأربع سنوات كاملة، حيث حاولت "النصرة" في تلك الفترة تأسيس إمارة في حلب وربطها مع مناطق نفوذها في أرياف حلب وإدلب، واستمر الوضع العسكري حتى العام 2016، عندما أطلق الجيش السوري وحلفاؤه عملية عسكرية واسعة لاستعادة السيطرة على المدينة الاستراتيجية، وتمكن من قطع خطوط إمداد المسلحين والسيطرة على المدينة بالكامل.

تعرّضت حلب أثناء وجود الجماعات المسلحة لدمار كبير وخرجت المؤسسات الحكومية الصحية والتربوية والرياضية عن الخدمة نتيجة الأضرار التي لحقت بها، كما تم تدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل، في حين تعرّضت المدينة القديمة والجامع الأموي الكبير في حلب لتشويه وتخريب ممنهج من الفصائل المتطرفة، لدرجة أن اعمال الترميم في هذه الأماكن مستمرة إلى الآن.

وتقع محافظة حلب في الجزء الشمالي من سوريا؛ تحدها تركيا من الشمال، ومحافظة الرقة من الشرق، ومحافظة إدلب من الجنوب الغربي، وتبلغ مساحتها 18.5 ألف كيلومتر مربع، وهي تشكل نحو 10 في المئة من إجمالي مساحة البلاد، وتُعتبر أكبر المحافظات السورية من حيث عدد السكان الذي يزيد على 5 ملايين نسمة من بين 24 مليوناً هو عدد سكان سوريا، كما أنها المركز الصناعي والمالي والزراعي للدولة، وكان يُطلق عليها جوهرة سوريا، وحلب هي أقدم مدينة مأهولة في العالم، وتم العثور فيها على بقايا معبد يعود تاريخه إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد في موقع قلعة حلب الشهيرة التي تعود إلى العصور الوسطى، والتي لا تزال تهيمن على المنطقة.

في القرن العاشر الميلادي، أصبحت حلب عاصمة الدولة الحمدانية، ولكنها عانت بعد ذلك من فترة من الحروب والاضطرابات، حيث تقاتلت الإمبراطورية البيزنطية والصليبيون والفاطميون والسلاجقة من أجل السيطرة عليها وعلى المنطقة المحيطة بها

وبعد استقلال سوريا عام 1947، تطورت المدينة لتصبح مركزاً صناعياً كبيراً ينافس العاصمة دمشق، وزاد عدد سكانها بشكل هائل من 300 ألف نسمة إلى حوالي 2.3 مليون نسمة بحلول عام 2005، وهي تضم خليطاً من المسلمين والمسيحيين، والعرب والتركمان والأرمن والكرد.

نقلا عن الميادين