تركيا تكمل معركة اسرائيل بسوريا وتدعم" النصرة".. وروسيا وايران تتصديان
نجحت الفصائل السورية المُعارضة المسلحة
في ضربتها المُباغتة، ونجحت في احتلال حلب، وإدلب، وأجزاء من حماة، والآن يرقب
السوريون ردّة فعل الجيش العربي السوري، وحلفائه على هذه المُباغتة، التي تقف
خلفها تركيا وفق جميع التقديرات، والمؤشرات.
ونجح المسلحون في السيطرة على تل رفعت
أيضاً لتفقد بذلك الدولة السورية سيطرتها على جميع مناطق حلب ويخرج الجيش السوري
من هذه المُحافظة بالكامل لأوّل مرّة مُنذ عام 1963.
هل أغضب الأتراك موسكو ولماذا الجنرال
تشايكو؟
روسيا في المقام الأوّل، المعنيّة
الأولى بالرد على الخرق التركي لاتفاق خفض التصعيد "تفاهم أستانا” الذي اتفق عليه
كل من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، ويبدو أن
الأخير قد قرّر نقض هذا الاتفاق، ما يعني إغضاب الروس أثناء انشغالهم في معركة
أوكرانيا.
لافت أن الكرملين سارع لإقالة الجنرال
الروسي سيرغي كيسيل من منصبه قائدًا للقوات الروسية في سورية، وعيّن بديلاً له
الجنرال ألكسندر تشايكو بدلاً منه، ويبدو أن موسكو عازمة على مساعدة دمشق بالقدر نفسه،
فتشايكو هو قائد معركة تحرير حلب العام 2017، ما يعني أن استعادة حلب على رأس
الأولويات السورية، والروسية، وجاء هذا التعيين وفق التقارير بناء على طلب سورية.
صحيفة "معاريف” الإسرائيلية قالت إن
الروس "يبحثون بلا هوادة عن المسؤولين عن الحادث، ويشيرون بأصابع الاتهام بشكل
رئيسي إلى الجنرال كيسيل، الذي كان مسؤولاً على ما يبدو عن العملية في سوريا”.
لافت في اختيار الكرملين للجنرال الروسي
تشايكو لمهمة استعادة حلب، أنه بالهجوم الجوي الروسي على إدلب تحت قيادته فبراير
2020 قُتل أكثر من 34 جنديًّا تركيًّا، ويأتي تعيينه اليوم، وكل الاتهامات موجهة
نحو أنقرة التي أعطت الضوء الأخضر لفصائلها، وعلى رأسهم هيئة تحرير الشام التي
تقود معركة ما أسمتها "ردع العدوان”.
ما هي الاتهامات المُوجّهة لتركيا؟
الاتهامات الموجهة لأنقرة تتعلّق بتسهيل
عبور الأسلحة للمجموعات المسلحة، إضافة إلى تقاعسها عن ضمان الاستقرار في مناطق
خفض التصعيد، هذه التحركات تضع علامات استفهام حول سعي أنقرة لإعادة ترتيب الأوضاع
بما يخدم مصالحها الإقليمية.
وبحسب وسائل إعلام تركية، دخلت المدفعية
التركية على خط الاشتباكات في سورية عبر مساندة المسلحين خلال اشتباكاتهم بـ
تل رفعت مع "قوات سوريا الديمقراطية” الكردية.
وعلى الأرض، أفاد الإعلام الرسمي السوري
بأن الجيش قتل ما يقارب 1000 مسلح خلال الأيام الثلاثة الماضية، كما شن الطيران
السوري – الروسي، غارات على محاور جنوب شرق إدلب وجنوب إدلب وسهل الغاب تستهدف
تحركات الفصائل المسلحة وآلياتهم ومقراتهم، ودكّ معاقل "جبهة النصرة” في ريفي حلب
وإدلب.
وأعلن الجيش السوري في بيان: واصلنا
بالتعاون مع القوات الروسية خلال الساعات الـ24 الماضية بتنفيذ ضربات مركزة على
مواقع الإرهابيين في ريفي حلب وإدلب.
صمت روسي ثم مُواصلة دعم للأسد ثم تقييم
وبعد صمت روسي أثار التساؤلات حول ما
يحدث في سورية، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، إن روسيا تواصل
اتصالاتها مع الرئيس السوري بشار الأسد ودعمها لدمشق على خلفية تدهور الوضع في
سوريا.
وحول رد الفعل الروسي، شدّد ممثل
الكرملين على أن روسيا، تواصل دراسة وتحليل الوضع في سوريا، وستصوغ موقفا بشأن ما
هو مطلوب لتحقيق الاستقرار في الوضع.
هل ثمّة مكان للتفاهمات؟
التساؤل المطروح الآن هو حول مدى تأثير
تحريك أنقرة لفصائلها على العلاقات مع موسكو، فنائب وزير الخارجية الروسي أندريه
رودنكو، أوضح أن بلاده تحافظ على اتصالات وثيقة مع ممثلي إيران وتركيا بشأن الوضع
في سوريا ولا تستبعد عقد اجتماع ثُلاثي مع الشركاء المعنيين بشأن التسوية في هذه
الدولة، وأضاف: "نُجري الآن اتصالات وثيقة ومنتظمة في الوقت الحقيقي مع جميع
اللاعبين الرئيسيين [فيما يتعلّق بالوضع في سوريا]، بما في ذلك مع ممثلي إيران
وتركيا، ولا أستطيع أن أستبعد أي شيء”.
موقف تركيا الرسمية يبدو أنه بدأ يُعلن
نواياه وينظر بأحقيّة تحرّكات المعارضة، حيث قال وزير الخارجية هاكان فيدان إن
التطورات الأخيرة في سوريا تؤكد مجدداً على ضرورة توصل دمشق إلى تسوية مع شعبها
ومع ما وصفها بـ”المعارضة الشرعية”، جاء ذلك في تصريحات أدلاها فيدان، الاثينن،
خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني عباس عراقجي الذي وصل أنقرة في زيارة
رسمية قادماً من دمشق، بالتزامن مع تسارع التطورات الميدانية في سوريا، وأضاف
فيدان: لا نريد للحرب الداخلية في سوريا أن تتصاعد أكثر، وشدّد على أنه "من الخطأ
في هذه المرحلة محاولة تفسير الأحداث في سوريا بوجود تدخّل خارجي”.
"تلميع تركي للفصائل السورية المُسلحة”!
وفي إطار الدعاية الإعلامية، رصدت "رأي
اليوم” تركيز الإعلام التركي على "تلميع” صورة الفصائل المسلحة، ومُحاولة تقديمها
كجيش نظامي أخلاقي، فركّز على لباسهم العسكري المُوحّد، وطريقة تعاملهم الإنسانية
المزعومة مع أهالي حلب، وعدم ارتكابهم لوحات دموية كما في "غزواتهم” السابقة، إلى
جانب إظهار جانبهم الديني من خلال إظهار حرصهم على الصلاة رغم المعارك حيث عنونت
منصّة تركية قائلة: "تفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي في تركيا مع مشاهد
لقوات المعارضة السورية وهم يؤدون صلاة الجماعة قبل التوجّه لتحرير حماة من سيطرة
النظام”.
إيران بشتّى أنواع الدعم ووزير خارجيتها
يتعشّى بدمشق
ماذا عن إيران، حليفة الرئيس السوري
الأوثق في محور المُقاومة؟، لا يبدو أن طهران في صدد التخلّي عن الدعم والتراجع
للرئيس الأسد، حيث رسالة من القيادة الإيرانية نقلها وزير الخارجية الإيراني عباس
عراقجي للأسد الأحد، أكدت موقف طهران الثابت إلى جانب سوريا في محاربتها للإرهاب،
والأهم في هذه الرسالة تأكيد إيران استعدادها التام لتقديم شتى أنواع الدعم
للحكومة السورية لأجل ذلك، وأكد عراقجي بأن سوريا واجهت سابقا ما هو أصعب بكثير
مما تواجهه اليوم، وأنها قادرة على تحقيق النصر ضد الإرهاب وداعميه، مجددًا تأكيد
تمسّك بلاده بوحدة الأراضي السورية واستقرارها.
ولم تقتصر زيارة الوزير عراقجي على نقل
الرسائل السياسية، بل حرص الأخير على تسجيل رسائل أخرى على الأرض السورية، حيث
نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، مقطعًا مُصوّرًا وثّق وزير الخارجية
الإيراني، وهو يتناول العشاء في أحد مطاعم العاصمة السورية دمشق، وقالت الوكالة
الرسمية "إرنا”؛ إن الوزير تناول العشاء مع المواطنين السوريين، وفي ذلك رسالتين
هنا، الأولى أن إيران ستظل تتناول العشاء على الأرض بحضورها السياسي والعسكري
هناك، والثانية أنها تقوم بذلك بمُوافقة الشعب السوري، وحكومته.
وبدأت إيران فعليًّا بإرسال قوات إلى
سوريا لمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد لمواجهة التنظيمات المسلحة، التي شنت
هجوماً مباغتاً على ريفي حلب وإدلب، وهو ما أكّدته صحيفة "هآرتس” العبرية، وستُبقي
على مُستشاريها في سورية أيضًا كما أعلنت.
"بنيامين أردوغان”!
وتتقاطع القناعة الإيرانية مع الروسية
فيما يبدو بخصوص التورّط التركي في نسف الاتفاقات الروسية الإيرانية- التركية لخفض
التصعيد، صحيفة "كيهان” المُقرّبة من المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، نشرت
مقالاً حول هذا الملف بعنوان: "بنيامين أردوغان ضد سوريا”، واتّهمت صراحةً أردوغان
بالتواطؤ مع نتنياهو لمُحاربة الأسد.
الأسد والشائعات!
الرئيس السوري بشار الأسد نفسه كان موضع
إشاعات، واحدة عن انقلاب مزعوم ضدّه، والثانية عن فرض الحظر عليه خلال تواجده في
موسكو، كل هذه الشائعات كذّبها ظهوره الأول بالصور بعد أحداث حلب، وذلك خلال زيارة
عراقجي لدمشق، حيث أكّد الأسد أن "سوريا دولة وجيشًا وشعبًا، ماضية في محاربة
التنظيمات الإرهابية بكل قوة وحزم، وعلى كامل أراضيها”، وشدّد الأسد على أن
"مواجهة الإرهاب وتفكيك بنيته وتجفيف منابعه، لا يخدم سوريا وحدها بقدر ما يخدم
استقرار المنطقة كلّها وأمنها وسلامة دولها”.
أظهر حُلفاء الأسد إذًا مجددًا رغبة
مُتجدّدة في دعمه، فشرعية التواجد الروسي العسكري وقواعده في سورية تكمن في بقاء
الحكومة السورية، وتمرير السلاح للمقاومة وحفاظ طهران على نفوذها تمر من خلال
الأسد، لكن يبقى السؤال بكُل حال حول مدى سُرعة وقُدرة الجيش العربي السوري
وحلفائه على هزيمة مخطط جديد لتقسيم سورية، وأين ستنتهي مطامع الفصائل المسلحة
المدعومة جيّدًا بالسلاح والطيران المُسيّر، وهل ثمّة رغبة في إسقاط الدولة
السورية وصولاً للعاصمة دمشق، وهل سيكون للتفاهمات مع تركيا من مكان بعد كل هذا،
وهل تقرّر دمشق مع إصرارها على عدم التطبيع مع أردوغان قبل هذه المُباغتة العسكرية
واحتلال حلب وإدلب، باستعادة الشمال السوري كله، بمُعاونة حلفائها الذين كانوا
أقنعوها سابقًا بضرورة خفض التصعيد، يتساءل مراقبون.
"رأي اليوم”- خالد الجيوسي