الحق دولة والباطل جولة
الدكتورة ميسم عكروش
منذ بدء الخليقة
والإنسان بحاجة الى من يشفي سقمه و يبدد ألمه.
جاء الانبياء ليسحقوا
الداء دون دواء، تطور العلم وزادت المعرفة وسار الركب نحو العمارة والبنيان
ومن هذه العلوم. ابتدأ علم الطب والغوص في مكنونات جسم الانسان ، فكان الطب
مهنة شرف و عطاء و رسالة تشبه رسائل الانبياء .
ما مقالتي هذه اليوم وفي
هذا الوقت بالذات الا لإنصاف مَن حمل شرف رعاية صحتكم وأخلص لقسم ابقراط بأن يراعي
الله في المهنة وان يصون حياة الأنسان وأن يحفظ للناس كرامتهم وأن يستر عوراتهم ويكتم
سرهم ، وأن يكون على الدوام من وسائل رحمة الله يبذل الرعاية الطبية للقريب
والبعيد ، الصالح و الطالح ، الصديق والعدو .
هذا الذي نذر عمره و
شبابه ليله قبل نهاره لمهنة مقدسة و بات دون باقي المهن لا يعرف الراحة و يسمع عن
بعد بما يسمى (الوقت الخاص )، اصبح فريسة للتنمر من العامة والخاصة أما الأبشع
المؤلم أنه بات ضحية كبار قومه و صناع قرار قطاعه المنساقين الى تلبية رغباتٍ
مجهولة تسعى منذ عدة سنوات و بصورة جلية الى تحطيم هرم سمو الطب وتقزيم هيبة
الطبيب وشيطنته امام متلقي الخدمة كما تعرية الدور الانساني الذي يقوم به من خلال
نكران حقه بالعيش الكريم اسوة بباقي المهن وتضييق فسحة الأمل عليه و تصوير
سعيه للعيش الكريم على أنه انتهاك لانسانية المهنة .
هونا عليك يا هذا ؛
أليس التعليم ايضا إنساني؟ و إعمار الوطن انساني و التمريض انساني وصناعة الدواء
عمل إنساني وكل المهن والحرف فيها خدمة للإنسانية فلماذا نطبق فقط على الطبيب
قانون الرضى بالسخرة والاستعباد؟
اليكم مسيرة الطبيب منذ
مشواره في كلية الطب :
طالب الطب يدفع مئات
اجر الساعة الجامعية المعتمدة .
طبيب الامتياز يعمل دون
مقابل .
الطبيب المقيم دونا عن
دول العالم يخدم دون أجر (سخرة) مع أنه قائم بكافة اعمال المرضى الطبية .
الطبيب ليختص يقدم
امتحانات عالمية باهظة التكاليف عدى معاناة السفر وتكاليفه.
ثم يعود الاختصاصي
للوطن لتبدأ بنهش جلده الأنياب: الإيجار والترخيص متعدد الوجهات والرسوم
المتعددة (نقابة، مجلس طبي، تعليم طبي مستمر،....) فواتير بالمعدل التجاري،
ضرائب مبالغ فيها، و يتممها عليه شركات التأمين التي لم ترفع أجر الطبيب منذ عام
١٩٩٨(لأن لائحة اجور ٢٠٠٨ المعمول بها وضعت عام ١٩٩٨) ولا تزال نفسها مع
خصومات جائرة تعاقدية تؤول على الطبيب بأجر فتات لا ينتفع منه ولا يقتات ؛مع أن
ذات الشركة التي تدعي خوفها على المواطن رفعت رسوم بوليصة التأمين ٣٥٠٪ عليه
خلال ذات الفترة
.
هذا الطبيب ينصاع
للظلم و يعمل في ظله إيمانا منه بأن له دور إنساني يخدم المؤمن وصحته . فيطفح
الكيل يوما بموقف جدلي خلال محاولة اخذ الموافقات الطبية لإجراءات ضرورية ليصطدم
بواقع ان الرفض والجدل مع موظف ليس طبيبا يناكف على سلامة أرواحكم ويرفض الإجراء
دون اسس علمية.
عندها يدرك الطبيب بأن
المقابل لا يستحق العناء ويستذكر أن "راحته من اليتيم تكمن في طلاق امه"
فيتنحى عن تقديم الخدمة فيكون المواطن ضحية الظالم الاصلي الذي استنزف جهد ووقت
الطبيب.
استوضح معكم هذه النقاط
التفصيلية التي يخفونها عنكم قاصدين تشويه صورة الطبيب أمامكم علكم تبصرون
الحقيقة بأم أعينكم لأن:
نصرة الحق شرف و نصرة
الباطل سرف.
فيأتي عليّة القوم الطبي ويضعوا صاحب المهنة
الشريفة يدا سُفلى لرأس المال .
ويمنحون مشتري الخدمة شرف تسعيرها ؟!
فلماذا إذا لا يُسّعر المريض خدمة
المستشفيات ولماذا لا يُسّعر المواطن خدمة الماء والكهرباء ولماذا لا يُسّعر
الراكب تذاكر الطيران والنزيل يُسّعر غرفة الفندق
لماذا فقط عند الطبيب يسّعر له مقدم الاجر خدمته
وجهده ؟!
انت يا مَن تُمثل القطاع الطبي كائنا من تكون في
كافة مواقع صنع القرار إن اخطأت فكن شجاعاً حاول على الأقل ان تتصرف لدرء الخطأ لا
أن تواصل التضليل
عن لائحة اجور الاطباء يا سادة أتحدث الزيادة يا
شعبي العظيم
ليست ٦٠ ٪ كما يروج لها انها ٢٠ ٪ على لائحة ٢٠٠٨ ( ١٩٩٨ ) فقط يتلوها زيادات
لاحقة على مبدأ "امسك بالمقصقص تا
يجي الطيار .
أي ان كشفية الطبيب الاستشاري في القطاع الخاص
والتي كانت ١٠ دنانير ستصبح بناء على التعديل ١٢ دينارا
وهل هذا مطبق على ارض الواقع لكم كغير مؤمنين؟
لا ، لان اقل استشارة عند طبيب مميز حسب
العرف ٢٥ دينارا
ولا احد يستمع للمسعرين عادة . لائحة الاجور
وجدت لانصاف الطبيب من براثن الشركات التي خدمها هذا التعديل على اللائحة
وأنصفها على حساب الطبيب.
لا تخدعكم الشعارات ولا تؤثر بكم الادعاءات ولا
تظنوا بالطبيب سوءا بسبب الاشاعات كلها تسويق
جائر لحقٍ أُريد به باطل .
وما لنا ان نقول إلا:
دولة الظلم ساعة
ودولة الحق الى قيام الساعة
ايها الزملاء الاطباء
الكرام:
"يهتف الواعظ بالناس قائلاً: إنّكم أذنبتم أمام
الله فحق عليكم البلاء من عنده"
والواعظ بذلك يرفع
مسؤولية الظلم الاجتماعي عن عاتق الظالمين فيضعها على عاتق المظلومين أنفسهم
فعليكم بإنصاف انفسكم
لأن والله لا بواكي لكم
واختتم مقتبسة قولا
لطالما اعجبني و فَرّج همي:
"الدايم الله"