انتخاباتنا ..تراوح حول الصِفْرْ .. الجامعي
عوض ضيف الله الملاحمة
يبدو
ان اليأس قد بلغ مبلغه من الإنتخابات النيابية ، ومُنتَجها الذي هو مجلس النواب .
حيث تؤكد كل التوقعات على يأس المواطن الأردني من إلإنتخابات ومجالس النواب
التي تفرزها . فغالبية التوقعات تشير الى ان نسبة المشاركة تدور حول فلك ال ( ٣٥٪
) . كما ان هناك توقعات تشير الى ان نسبة الإقبال ستكون أقل من نسبة إنتخابات عام
٢٠٢٠ التي كانت ( ٢٩,٩ ٪ ) ، وأنا مع هذا التوقع ، وأُرجحه لسبب يعود الى حصر مكان
التسجيل للتصويت بمكان السكن الفعلي ، مما أدى الى نقل إجباري لعشرات الوف
الأصوات من المحافظات الى العاصمة تحديداً . ومن المتعارف عليه ان نسبة المشاركة
في العاصمة منخفضة جداً ، حيث كانت في إنتخابات عام ٢٠٢٠ حوالي ( ١٣٪) ، بينما في
البادية الجنوبية بلغت نحو ( ٦٦٪) ولا يخفَى على أحد ان الإقبال العالي على
المشاركة في الإنتخابات يُعزى الى إرتفاع نسبة المشاركة في البادية والقرى
والأرياف والمحافظات . ومن نُقِلت أصواتهم الى العاصمة والمدن الكبرى سيفقدون الإهتمام
بالمشاركة لغياب الدوافع والمحفزات بكافة أنواعها .
التغيير
المستمر في قوانين الإنتخاب ، دون الإقتراب من قانون يشبهنا ، ويمثلنا ، ويحقق
متطلباتنا الوطنية . والإكتفاء بإقتباس ، بل نقل قوانين من تجارب دول أخرى بنظام
ال ( copy paste ) فأصبحت كل تجربة لقانون جديد تُبعدنا أكثر
عن الوصول الى قانون وطني . وهذا لا يعني ان الإقتباس من تجارب دول أخرى خطأ او
مُعيب ، أبداً . فكل دول العالم تقتبس من تجارب بعضها ، لكن ما تقوم به دول العالم
يتمثل في إنتقاء ما يناسبها ، وصهره في قالب وطني ليتناسب وخصوصية مجتمعاتها.
كما
ان التراجع المستمر في مستويات النواب الذين تفرزهم تلك القوانين من ناحية القدرات
الشخصية ، والكفاءة ، والإمكانات والقيم والمُثل الشخصية ، والغايات من سعيهم
للوصول للبرلمان لا ترتقي الى متطلبات واحتياجات الوطن والمواطن . حيث غلب عليهم
السعي لتحقيق مكاسب شخصية سواء كانت مادية او معنوية . فتتقلب مواقفهم وتتلون ،
ويتهاونون ويتنازلون لتحقيق تلك المكتسبات بأسرع وقت ممكن ، لأنهم في سباق
بل صراع مع الوقت المحدد ب( ٤ ) سنوات ، مع عدم مراعاة إلزام أنفسهم بأداء
يتناسب مع مهامهم الدستورية الوطنية نبيلة الغاية . ولا أريد الخوض في التفاصيل
لأن ذلك مُحرج ، لا بل كان في أحايين كثيرة مُعيباً .
يضاف
الى ذلك التراجع المستمر في أداء المجالس المتعاقبة ، وتهميشها لدرجة إقدام
الحكومات على توقيع إتفاقيات دولية إستراتيجية تمس الأمن الوطني الأردني دون
تمريرها ، مجرد تمرير ، لا بل ولا حتى إطلاع المجالس السابقة على نسخ منها ، مما
أدى الى فقدان الثقة في دور المجلس الدستوري . حتى أصبحت الحكومات تتجرأ
عليهم ، وتتجاوزهم دون ان تعبأ بهم .
كل
تلك التراكمات السلبية ، والإخفاقات ، والتراجعات ، والإحباطات ، وإنحدار مستوى
التوقعات والآمال أدى الى ما وصلنا اليه الآن . وهناك دليل أكيد وقاطع على عدم
نجاح التجربة يتمثل في إنخفاض نسب الإقتراع ، تصوروا ان نسبة الإقتراع في إنتخابات
عام ١٩٨٩ كانت ( ٥٣,١ ٪) ، لكنها انخفضت الى ( ٢٩,٩ ٪) في إنتخابات عام ٢٠٢٠ بعد
مرور ( ٢٥ ) عاماً !؟ مع ان إنتخابات عام ١٩٨٩ كانت تزخر بالمُحددات والمُقيدات ،
ولم يكن هناك أحزاباً .. الخ . بينما لو صحّت التجربة وكانت ناجحة وبُني
عليها بشكل تراكمي لوصلت نسبة الإقتراع الآن ربما الى ( ٧٠٪ ) او أكثر .
والدافع الى ذلك يكون إقتناع المواطن ان مشاركته تُحدِث فرقاً ، وان مُنتج
الإنتخابات مُنتج وطني صحي جدير بالثقة والإحترام والحرص على تعزيزة لينهض الوطن
ويزدهر ، وتتحسن مكتسبات المواطن .
ما
يؤلمني ان نسبة المشاركة في الإنتخابات النيابية في وطني الحبيب لم تبلغ حتى الصفر
الجامعي عام ٢٠٢٠ حيث بلغت ( ٢٩,٩٪) . وكل توقعات المحللين للإنتخابات القادمة
انها في أحسن أحوالها ستراوح حول الصفر الجامعي .
لماذا
يا وطني تعودت ، وأدمنت ، وإستكنت ، وإستمرأت الإخفاق في كل شيء !؟ يا وطني الحبيب
طال انتظاري لِتخرُّجِك ، لأفرح بك ، ولك . يا وطني إخفاقاتك المتكررة قد تؤدي بك
للفصل ، فماذا أنت فاعل !؟ وما الذي فُعِل بك !؟ حتى أفقدك كل قدراتك ، ومقدراتك ،
وكفاءاتك ، وخيرة أبنائك ، الذين ما زالوا يساهمون بشكل فاعل ومتميز ببناء أقطارٍ
شقيقة حبيبة وعزيزة على قلوبنا !؟
أهم
أسباب عزوف الناس عن المشاركة يتجلى في سؤال يطرحه الناس بأسلوب إستفهامي إستنكاري
عندما يقولون : لماذا نذهب ونشارك في إنتخابات نتيجتها ومنتجها معروف مسبقاً !؟
في
القانون الجديد كانت إحدى محاولات التغيير تتمثل في إضعاف دور العشيرة في
الإنتخابات . ونسوا انه لولا الإندفاع العشائري لانخفضت النسبة الى درجة مُعيبة .
وحاولوا إستبدال العشيرة بالأحزاب ، فكانت النتيجة ان العدد الإجمالي لمن
إنتسبوا ل ( ٣٦ ) حزباً لم يتجاوز ال ( ٨٠ ) ألفاً ، ونسبة ليست بسيطة منهم
العشيرة والعائلة هي الدافع الرئيسي لإنتسابهم لتلك الأحزاب .
عتبي
عليك يا وطني . وألمي على ما وصلت اليه . ((والله يا وطني انك ما بتستاهل اللي صار
وبيصير فيك )).
وأختم
ببعض الأقوال المأثورة ، وأبيات من الشعر ذات صلة :—
—قال
الإمام جار الله الزمخشري : من زرع الإِحَنْ ، حصد المِحَنْ .
—أبيات
عن مهمة النواب : لم أتمكن من معرفة إسم الشاعر :—
أنوابُنا
الأحرار صونوا جميعكم / مصالح أردن ليعتز جانبه
ففي
ذمة الأجداد عهد قد إنطوى / وفي ذمة الأحفاد عهد نُراقبه
فاذا
كنتم (نوابه ) أخلِصوا له / وإلا ففي التاريخ أنتم ( نوائبه ) .
—رجلاً
يشيله منصبه ويتعداه / ورجلاً يشيل المرتبة ما تشيله .