شرق اوسط جديد..المجرم نتنياهو يعيد طرح احلام يقظة قديمة
مع كل تطور كبير في الصراع بالشرق الأوسط، يخرج
القادة الإسرائيليون للحديث عن "شرق أوسط جديد".
وعندما قاد آرييل شارون،
وزير الجيش آنذاك، الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، تحدث عن نظام جديد في
الشرق الأوسط، يضم لبنان تحت قيادة حكومة مارونية موالية للغرب، ودولة فلسطينية في
الأردن، بعد غزو لبنان والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وضمان أمن إسرائيل،
بحسب تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست".
ونقلت المجلة عن الباحث والكاتب ليون هادار، الذي
كان يكتب في المجلة وقت توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير
الفلسطينية عام 1993، أنه في ذلك الوقت، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز
والصحفي الأمريكي توماس فريدمان يبشران بمستقبل يحمل "شرق أوسط جديد".
وكانت رؤيتهم أن الشباب الفلسطيني والإسرائيلي
سيعملون معاً على تأسيس شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، بدلاً من
الدخول في صراعات مستمرة، وكانت هذه الرؤية تتلخص في أن السيارة الفارهة لكزس
ستقتلع شجرة الزيتون، التي تمثل رمز الوجود الفلسطيني، لتعلن "نهاية
التاريخ"، ما يشير إلى نهاية الصراعات التقليدية وبداية عصر جديد، وهي الرؤية
التي قدمها فريدمان في كتابه الشهير 'اللكزس وشجرة الزيتون".
الشرق الأوسط الجديد
وبعد ذلك كان المفترض ظهور "شرق أوسط موال
لأمريكا" بدءاً بالعراق، بعدما تبنى الرئيس جورج بوش الابن استراتيجية
"تغيير أنظمة الحكم" و"دعم الديمقراطية" في الشرق الأوسط خلال
العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وبعد ذلك جاء ما يسمى بـ"الربيع العربي"
في أوائل العقد الثاني من القرن، والذي كان من المتوقع أن يطلق موجة ثورات
ليبرالية تقدمية في الشرق الأوسط بقيادة الشباب الذين احتشدوا في ميدان التحرير
بالقاهرة لإسقاط حكم الرئيس الراحل حسني مبارك.
والآن أعاد نجاح إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية
قوية إلى إيران وعملائها في الشرق الأوسط الحديث عن نظام جديد في المنطقة، يشمل
قيام لبنان حر على أنقاض الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.
ومع تقليص النفوذ الإيراني قد يصبح التقارب
الإسرائيلي السعودي ممكناً على غرار منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي رسالة موجهة إلى الشعب الإيراني، روج رئيس
وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، لفكرة تغيير المنطقة، وتحدث عن شرق أوسط جديد
يعيش فيه الشعبان الفارسي واليهودي في سلام.
طريق الجحيم
ويقول الدكتور ليون هادار الباحث الزميل في دراسات
السياسة الخارجية سابقاً في معهد كاتو الأمريكي والذي عمل مدرساً في الجامعة
الأمريكية بواشنطن، إنه لا خطأ في الحلم بحلم مستحيل أو على الأقل التطلع إلى أيام
أفضل قادمة، ولكن المشكلة هي أن القادة السياسيين، أحياناً، يأخذون أوهامهم على
محمل الجد ويوظفونها لحشد الدعم لسياسات مكلفة، وكما يقول المثل:
"الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الطيبة".
وعندما نعود عقوداً للوراء نجد أن أحلام شارون
ورطت إسرائيل في حرب كارثية بلبنان انتهت بانسحابها أمام حزب الله، وقبل ذلك
باغتيال الرئيس اللبناني الماروني بشير الجميل، وبقيت منظمة التحرير الفلسطينية،
ثم نشبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وأجج اتفاق أوسلو عام 1993
التوقعات بتحقيق السلام، لكنه فشل.
وبعدها فشل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في تحقيق
السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1999، لتشتعل الانتفاضة الثانية، وبعد
ذلك قرر شارون الانسحاب من قطاع غزة من جانب واحد عام 2005.
ثم أثبت الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام
الرئيس صدام حسين عام 2003 أنه كارثة استراتيجية ذات أبعاد تاريخية، في حين
تحول التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان إلى أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة.
وأدت هذه الحروب إلى انهيار توازن القوة في الشرق
الأوسط، وهو ما سمح لإيران بالتحول إلى قوة إقليمية مهيمنة تقود مجموعة من
الميليشيات الشيعية التابعة لها في العديد من الدول العربية.
وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً سنجد أن محاولة
نتانياهو تهميش القضية الفلسطينية كان خطأ كبيراً قاد إلى انفجار هجمات 7 أكتوبر
(تشرين الأول) في وجه إسرائيل، وبدا أن إيران وحلفاءها ظهروا كفائزين استراتيجيين،
على الأقل لفترة من الوقت.
في الوقت نفسه سيكون من الخطأ اعتبار نجاح إسرائيل
في تبديد مكاسب إيران ووكلائها فرصة جديدة للإعلان عن شرق أوسط جديد، ولسوء الحظ
سنظل مع نفس الشرق الأوسط القديم، وسيظل حزب الله لاعباً سياسياً وعسكرياً مهماً
في لبنان، ومن غير المحتمل أن تغير الضربات الأخيرة التي تعرض لها ميزان القوة في
هذه الدولة، بحسب المجلة.
كما أن إسرائيل ليست في موقف يتيح لها
"هزيمة" إيران، ويكاد يكون من المؤكد أن يؤدي أي تحرك انتقامي من جانب
إسرائيل ضد إيران، وخاصة ضرب مواقعها النووية والنفطية إلى نشوب حرب إقليمية قد
تجذب الولايات المتحدة إليها في نهاية المطاف.
أهم هدف إيراني
أخيراً فإن أي تدخل عسكري أمريكي من شأنه أن يؤدي
إلى هجمات إيرانية على المواقع العسكرية الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة في
المنطقة، وهو ما يعني الإضرار بمصالح إسرائيل على المدى الطويل.
والحقيقة أن تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى في
الشرق الأوسط، وهذه المرة كجزء من جهودها الرامية إلى حماية إسرائيل، قد يشعل
شرارة ردة فعل سياسية معادية لإسرائيل في الولايات المتحدة، ثم أن التدخل العسكري
الأمريكي الجديد في حرب الشرق الأوسط ربما يؤدي إلى تسريع فك الارتباط الأمريكي
بالشرق الأوسط، وهو ما يعتبر، بالمصادفة، الهدف الأساسي لإيران.