سقوط سوريا سقوط روسيا وايران
نبيه
البرجي
فلاديمير بوتين قال عام
2015 "من دمشق ينبثق النظام العالمي الجديد" . الآن سوريا , لا أوكرانيا
, ساحة الاختبار أن سقطت سقطت روسيا , وسقطت ايران ...
لقد
مللنا من المحاولات الجيوسياسية البائسة , وقد جعلت دولاً عربية تتحول اما الى
حطام سياسي , أو الى حطام اقتصادي , أو الى حطام عسكري . لا تعنينا ايران الا
كدولة صديقة , ولا يعنينا أن يضع القيصر قدميه في المياه الدافئة . ما يعنينا ذاك
الذي يحدث على الأرض السورية .
نستعيد
ما قالته "يديعوت أحرونوت" , خريف 1977 , "اذا كان أنور السادات قد
أتى بالطائرة الى أورشليم , حافظ الأسد سيأتي سيراً على الأقدام"
.
هل
الهدف الآن ايصال تلك الرسالة الى بشار الأسد , أم الهدف تفكيك سوريا , تحت
الرعاية الأميركية , وبتواطؤ بين رجب طيب اردوغان وبنيامين نتنياهو ؟ في هذه الحال
, ما حال لبنان , وقد بدأت الاستعدادات للتعامل مع التغيير المنتظر , والحتمي
(تابعوا ما حدث في لقاء معراب) برئيس للجمهورية يتماهى سياسياً , واستراتيجياً ,
مع الحالة .
كم
هللنا حين مد الرئيس التركي يده الى نظيره السوري , وتأثير ذلك في أرجاء الشرق
الأوسط , حين كان آخرون , في دمشق يرون في تلك اليد التي أدارت الحروب في سوريا
المخلب العثماني , وحيث لا فارق بين رأس الثعبان ورأس السلطان الذي اذ نصّب نفسه
خليفة على المسلمين , باتكاله على "الاخوان المسلمين" في اختراق
المجتمعات العربية , وفي اختراق الدول العربية , حافظ على علاقاته الاقتصادية مع
اسرائيل التي كان يمدها حتى بالذخائر , لكي يسقط "اخوانه" تحت الأنقاض ,
وليوحي معلق تركي مقرب منه بأن " هذه مشكلة العرب الذين يستسيغون
البقاء تحت الأنقاض" !
ذروة
المكيافيلية حين يعمل لمصلحة الولايات المتحدة , ولمصلحة اسرائيل , وهو الذي يعلم
, منذ أن أطلق القيصر نقولا الأول , عام 1853 , على السلطنة تسمية "الرجل
المريض" بعد سنوات من تداول المصطلح الانكليزي "المسألة الشرقية" ,
أن الدولة المنتصرة في الحرب العالمية الأولى , تعاملت مع العرب كارث عثماني راحوا
يتوزعونه كما أطباق الحلوى . الآن , من قطع الحلوى الى أطباق الهوت دوغ.
الرئيس التركي الذي
لاحقته الصدمات لفشله , وبظنه أن باستطاعته , تحت المظلة الأميركية , احياء
السلطنة , يرى الآن أن هذه هي الفرصة الذهبية لاقتلاع الايرانيين من سوريا , ومن
لبنان , خدمة لأميركا واسرائيل , بعد فشلهم في قراءة المشهد الشرق أوسطي لدى
تفجيرهم الجبهات ضد الدولة العبرية , ودون أي اعتبار للاختلال المروع في موازين
القوى .
الآن
, وفي ذروة المأساة اللبنانية , والمأساة السورية (ناهيك عن المأساة الايرانية) ,
يتمحور الجدل داخل أهل السلطة في ايران حول مشروع قانون يتعلق بتشديد العقوبات على
المرأة التي لا ترتدي الحجاب , أو التي لا تراعي موصفات الحجاب , باعتبار أن هذه
المواصفات منزلة من السماء .
غريب
هذا , لمن يقرأ ما وراء السطور الأميركية والأوروبية , وحيث لا تجاوب مع كل
المحاولات الايرانية فتح أي قناة للتواصل أو للتفاهم مع الولايات المتحدة . خلاف
ذلك حديث عن سيناريوات لتفجير الجمهورية الاسلامية من الداخل . وهذا ما يجول في
رأس كل من دونالد ترامب وبنيامين نتياهو . حين يسقط الرأس يسقط كل الآخرين , ليعم
ميثاق ابراهيم (وهو ميثاق اسحق) كل بلدان الشرق الأوسط , بما في ذلك ايران.
لا داعي لذلك السؤال
الملتبس . من تعمل لمصلحة الأخرى , أميركا , بامكاناتها الاستراتيجية الضاربة في
الأرض أم اسرائيل , بامكاناتها الايديولوجية الضاربة في السماء . دنيس روس سبق
وتحدث عن العلاقات العضوية بين البلدين . القس جون هاغي تحدث عن العلاقات
"الالهية" , ليبدو الآن أننا أمام الانتقال من الذئاب الذين في الميدان
العسكري , وحيث القتل للقتل , والدم للدم , الى الذئاب الذين في الردهة
الديبلوماسية , وحيث يفترض بالشرق الأوسط , وكما قضى التلمود , أن يكون سوقاً
للعبيد ...
لا
مجال للرهان الساذج على الأصوات الديبلوماسية التي تعلو الآن لمعالجة الاجتياح
الهمجي لحلب , ولغيرها من المناطق السورية (ربما باتجاه اقفال الطريق بين دمشق
والساحل) . ثمة سيناريو وضع في الغرفة الأميركية , استتباعاً للسيناريوات التي
وضعت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية , وحيث نبدو مجرد أطباق من القش على
المائدة الدولية . أن نبقى داخل ذلك الزمن الميت . وكانت البداية منذ أن امتنعت
واشنطن , في 19 تموز 1956 , عن تمويل بناء السد العالي في مصر . لا امكانية لخروج
أي مجتمع عربي , أي دولة عربية , من الزمن الميت . لا حظوا هل من مناطق أخرى في
العالم تعاني من الفوضى الدموية , ومن الفوضى الاستراتيجية , غير الشرق الأوسط ؟
هل
حقاً أن كل هذا من أجل اسرائيل ؟ أطرح هذا السؤال بعدما قرأت كتاب الاسرائيلي
يوفال نواه هاراري (المترجم من الانكليزية الى الفرنسية) "21 أمثولة للقرن
الحادي والعشرين" من مكتبة الصديق المثقف المهندس روجيه أبي راشد . هنا لسنا
أمام صدام الحضارات (صمويل هانتغتون ) , ولا أمام صدام الأسواق (بول كروغمان) .
صراع بين من ينفردون بصناعة الأزمنة ومن خلقهم الله ليكونوا تحت الأزمنة.
هكذا
ينظر أهل الغرب , وكذلك بنو اسرائيل , الينا , واننا لراضون ما دامت الآية
القرآنية تقول " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية..." .