عودة ترامب للحكم .. النظام العالمي تحت الاختبار


د. صالح ارشيدات
في خطوة تحمل أصداء الجدل العالمي، عاد دونالد ترامب إلى البيت
الأبيض بصفته الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية. أيام فقط منذ
تسلمه مهامه، لكن آثار عودته بدأت تظهر بوضوح على الصعيدين المحلي والدولي. عاد
ترامب بعزمه المعروف على تنفيذ أجندته "أمريكا أولاً”، حتى وقع ترامب عدداً من
القرارات التنفيذية التي تكرس سياساته المثيرة للجدل، والتي يمكن أن تعيد تشكيل
النظام العالمي بما يخدم مصالح الولايات المتحدة بشكل مباشر، لكنها تحمل في طياتها
تحديات جديدة للدول الكبرى والصغرى على حد سواء.
سياسة ترامب الداخلية: بين القومية
الاقتصادية وتقييد الهجرة سيركز ترامب خلال فترة حكمه على تعزيز الاقتصاد الأمريكي
من خلال سياسات "أمريكا أولاً”، والتي شملت خفض الضرائب، دعم الصناعات المحلية،
وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية الدولية التي يرى أنها تضر بمصالح الولايات المتحدة
وفرض تعريفات جمركية على الواردات الأوروبية والصينية، وهو ما أثار ردود فعل دولية
واسعة النطاق. في ملف الهجرة، يتبع ترامب سياسة متشددة تمثلت في بناء جدار على
الحدود مع المكسيك،
السياسة الاجتماعية: عودة إلى القيم
التقليدية؟ تصدرت القضايا الاجتماعية أولويات ترامب منذ لحظة عودته، حيث أكد في
خطابه الأول أن "القيم الأمريكية العريقة ستعود لتكون الركيزة الأساسية
لسياساتنا”. في اليوم الأول لرئاسته، وقع مرسوماً يعيد العمل بسياسات تمنع
المتحولين جنسياً من الخدمة في الجيش، ويحد من حقوقهم في الحصول على الرعاية الصحية.
هذه السياسات تثير انقساماً داخلياً حاداً في الولايات المتحدة، حيث وصفها منتقدوه
بأنها "انتكاسة لحقوق الإنسان”. في المقابل، تلقى ترامب دعماً واسعاً من المحافظين
والجماعات الدينية التي ترى في هذه الخطوات استعادة لما تصفه بـ "الهوية الوطنية
الحقيقية”.
الطاقة- عودة إلى الهيمنة الأحفورية
وإلغاء الدعم الفيدرالي لمشاريع الطاقة النظيفة. في تحول جذري عن سياسات سلفه،
وقّع ترامب مرسوماً فورياً بالانسحاب من التزامات الولايات المتحدة باتفاقية باريس
للمناخ. وبرر هذا القرار بأن "الاقتصاد الأمريكي لا يمكن أن يكون رهينة لتوجهات
بيئية غير عملية”.
كما أعلن خططاً للتوسع في التنقيب عن
النفط والغاز في الأراضي الفيدرالية والمناطق المحمية. هذه الخطوة أثارت ردود فعل
غاضبة من قادة الاتحاد الأوروبي، الذين وصفوا القرار بأنه "خيانة لجهود العالم في
مكافحة تغير المناخ”. على الجانب الآخر، يرى خبراء أن هذه السياسة قد تعزز من
مكانة الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للطاقة، لكن على حساب البيئة والاستقرار
المناخي.
انعكاسات السياسات الطاقوية على الدول
العربية
عودة الولايات المتحدة إلى تصدير النفط
والغاز بكثافة ستغير قواعد اللعبة في أسواق الطاقة العالمية. دول الخليج، التي
تعتمد على صادرات النفط كمصدر رئيسي للدخل، قد تجد نفسها أمام ضغوط متزايدة للحفاظ
على حصصها في السوق. وفي هذا السياق، قد نشهد تعاوناً أو تصادماً بين واشنطن
وحلفائها في الشرق الأوسط، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة مع إيران.
الذكاء الاصطناعي سلاح ترامب
الاستراتيجي
على صعيد التكنولوجيا، أظهرت إدارة
ترامب اهتماماً فورياً بتطوير الذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية. في خطاب ألقاه
أمام الكونغرس، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة "لن تسمح لأي دولة بالتفوق عليها
في السباق التكنولوجي”. ووقع أمراً تنفيذياً بتخصيص مليارات الدولارات لدعم أبحاث
الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على التطبيقات العسكرية. لكن، هذه الخطوة قد تؤدي
إلى تصعيد سباق التسلح التكنولوجي، خصوصاً مع الصين وروسيا.
السياسة الخارجية تحالفات جديدة وصراعات
قديمة
على الصعيد الدولي انسحاب من العولمة
وتحدٍ للنظام الليبرالي ، ينتهج ترامب سياسة انعزالية في كثير من القضايا، وركز
على تقليص دور الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة
الصحة العالمية. كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، مبرراً ذلك بأنها تضر
بالاقتصاد الأمريكي. هذه السياسات عكست توجهاً واضحاً نحو تفكيك النظام الليبرالي
الذي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. ومن أبرز سياسات ترامب
الخارجية أيضاً تصعيد النزاع التجاري مع الصين، وتهديد اتفاقيات التعاون مع دول
حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. كما ، أوضح ترامب أنه سيعيد ترتيب التحالفات بما
يخدم المصالح الأمريكية. كما دعا إلى عقد قمة طارئة مع قادة حلف الناتو لمناقشة
إعادة توزيع الأعباء المالية.
في الشرق الأوسط، بدأت الإدارة الجديدة
بإعادة تقييم الاتفاق النووي الإيراني، وسط تقارير عن نية ترامب فرض عقوبات إضافية
على طهران.
وبالنسبة لملف الصراع العربي الإسرائيلي
فقد عبرت صفقة القرن السابقة وتصريحاته الاخيرة عن انحيازه الكامل للجانب
الالسرائيلي ورفضه للحقوق الوطنية الفلسطينية والقانون الدولي، هذه السياسة قد
تعيد إشعال التوترات في المنطقة، مما قد يضع الدول العربية في موقف حساس بين
محاولة تحقيق الاستقرار الداخلي والتعامل مع الضغوط الدولية.
انعكاسات العودة على النظام العالمي
عودة ترامب إلى الحكم تمثل لحظة محورية
في تاريخ النظام العالمي. من المتوقع أن تؤدي سياساته إلى تغييرات واسعة النطاق،
تشمل:
1. تعميق الانقسامات الدولية: سياسة
"أمريكا أولاً” ستضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع الاتحاد الأوروبي
والصين، مما قد يؤدي إلى نشوء تحالفات جديدة لموازنة القوة الأمريكية.
2. زيادة سباق التسلح: التركيز على الذكاء
الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة قد يعزز من وتيرة سباق التسلح العالمي، مما يزيد
من احتمالات الصراع.
3. اضطرابات اقتصادية: السياسات الحمائية
التي يتبناها ترامب، مثل فرض تعريفات جمركية على الشركاء التجاريين، قد تؤثر على
سلاسل الإمداد العالمية، مما يضعف التعاون الاقتصادي بين الدول.
4. التأثير على الدول النامية: الدول
العربية والنامية قد تجد نفسها في موقف صعب، حيث ستضطر إلى التكيف مع تحولات
النظام العالمي الجديد، خاصة في مجالات التكنولوجيا والطاقة.
النظام العالمي على أعتاب مرحلة جديدة،
عودة دونالد ترامب إلى الحكم ليست مجرد تغيير سياسي في الولايات المتحدة، بل هي لحظة
تاريخية قد تعيد تشكيل ملامح العالم. لكن السؤال الأهم يبقى: هل ستتمكن الولايات
المتحدة بقيادة ترامب من تعزيز مكانتها كقوة عظمى، أم أن هذه السياسات ستفتح
المجال أمام قوى أخرى، مثل الصين وروسيا، لتوسيع نفوذها؟ ، وستكشف عن مدى استعداد
العالم العربي للتعامل مع هذه التحولات الكبرى.ِ