فورين بوليسي: خطة ترامب بشأن غزة هي جنون محض


-ستيفين
كوك
إن إحدى المزايا الخاصة لكونك
رئيس الولايات المتحدة هي أن الناس يجب أن يأخذوا ما تقوله على محمل الجد مهما كان
جنونيًا. وهذا هو الحال مع اقتراح الرئيس دونالد ترامب بأن تسهل واشنطن عملية
التطهير العرقي لقطاع غزة، ثم بعد إنجاز هذه المهمة، أن تقوم هي بالسيطرة على
القطاع. فالصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين يحتاج إلى أفكار جديدة، وغزة على
وجه الخصوص تمثل مجموعة من المشاكل الصعبة للغاية، ولكن اقتراح ترامب ليس مجرد
إفلاس أخلاقي - بل هو محض جنون.
ويصر الرئيس ترامب على أن
قادة العالم، وحتى القادة من منطقة الشرق الأوسط، يدعمون مثل هذه الخطة. من هم
هؤلاء الذين يقصدهم ؟ أصدر السعوديون بيانًا بعد فترة وجيزة من ظهور ترامب مع رئيس
الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكدوا فيه دعمهم لحل الدولتين. وترفض الحكومتان
في مصر والأردن رفضًا قاطعًا فكرة نقل الفلسطينيين إلى أراضيهما، حتى لو كان بخطر
فقدان المعونة الأمريكية.
حتى المستوطنون الإسرائيليون لن يؤيدوا هذه الخطة حتى ىالنهاية،
حتى لو كان ذلك فقط لأن تصوراتهم القومية-الدينية المسيانية قائمة على إعادة
الاستيطان اليهودي إلى غزة، وليس السماح للمطورين العقاريين الأمريكيين ببناء
فنادق راقية هناك.
ومع ذلك، يصر ترامب على على أن ”الناس" يدعمون خطته. قد يكون فقط
يتردد في ذهنه مكالمة هاتفية في وقت متأخر من الليل مع أصدقائه في المقر الرئاسي.
ولكن يكمن الخطر هنا في أن ترامب، وردًا على عاصفة الانتقادات المستحقة،
سيشعر بالحاجة إلى إثبات خطأ الجميع وجعل التطهير العرقي والاستعمار الجديد
سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وبعد ذلك، بطبيعة الحال، هناك مسألة إمكانية التنفيذ. لا شك أنه
يمكن للقوات المسلحة الأمريكية أن تسيطر على قطاع غزة، لكن هذا سوف يأتي بالتأكيد
على حساب الكثير من أرواح الجنود الأميركيين، فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها
إسرائيل، لا تزال حماس مسلحة بشكل جيد ولا تزال فتاكة. هل يتوقع الرئيس ترامب أن
يرحل مقاتلو حماس بهدوء إلى شبه جزيرة سيناء؟ هذا مجرد سؤال استنكاري.
ويعلل ترامب مقترحه هذا بأن المدنيين الفلسطينيين سيغادرون قطاع
غزة بشكل طوعي بعد أشهر عديدة من البؤس ليعيشوا في أماكن جديدة جميلة من نسج
خياله. قد يبدو هذا الأمر منطقيًا لغير المطلعين. لقد سوّت العمليات العسكرية
الإسرائيلية في غزة أجزاء كبيرة منها بالأرض، ومخلفات الحرب في كل مكان. ولكن
الرئيس ترامب ومستشاروه يفشلون في فهم أن ما يسميه الفلسطينيون "النكبة"
- أي التهجير الذي جعل الكثير من الفلسطينيين لاجئين في غزة في المقام الأول -لا
زالت تلقي بظلالها بقوة على الفلسطينيين.
فالفلسطينيون ببساطة لن ينزحوا مرة أخرى؛ ومهما
كانت الحياة في قطاع غزة صعبة، فإنها تبقى بالنسبة لهم موطئ قدم في فلسطين
وتذكيرًا صارخًا بالظلم التاريخي الذي هو الوجه الآخر لقيام إسرائيل. قد ينكر
ترامب هذا الواقع، ولكن إذا أراد ترامب ترحيل السكان الفلسطينيين، فسيتعين عليه أن
يأمر الجيش الأمريكي بالقيام بذلك بالقوة. وهذا أمر يأمل المرء أن يرفض الضباط
الأمريكيون الامتثال له على أساس أنه غير قانوني وجريمة ضد الإنسانية.
وإذا لم يكن كل هذا كافياً، فإن ما يجعل اقتراح ترامب غير منطقي
إلى حد كبير هو أنه يقوض كل ما يقول إنه يريد القيام به في الشرق الأوسط. فإخراج
مليوني فلسطيني من غزة وتسلّمه ملكية المنطقة سيقضي على أي فرصة للتطبيع بين
السعودية وإسرائيل؛ وسيقضي على اتفاقات أبراهام، وهي الإنجاز الأول لترامب في
السياسة الخارجية في ولايته الأولى؛ وسيقوض معاهدتي السلام المصرية الإسرائيلية
والأردنية الإسرائيلية، وهما من ركائز السياسة الأمريكية في المنطقة؛ وسيعيد تمكين
إيران في وقت هي فيه ضعيفة.
ومن
شأن ذلك أيضًا أن يورط الولايات المتحدة في صراع إقليمي - وهي نتيجة لا يريدها
أحد، وخاصة ترامب، أو على الأقل هذا ما قاله لفيلق من أتباعه المخلصين. وفي نوبة
جنون العظمة التي تنتابه حاليًا، يبدو أن الرئيس نسي أن معارضة المغامرات
الأمريكية في الخارج كانت موضوعًا رئيسيًا في حملاته الانتخابية الثلاث التي خاضها
في سباق الوصول للبيت الأبيض.
في مؤتمر صحفي واحد فقط، قوّض
ترامب مصداقية الولايات المتحدة وأضاف المزيد من عدم اليقين وعدم الاستقرار إلى
منطقة شهدت الكثير من كليهما.
·
محلل مجلة فورين بوليسي
الأمريكية المختصة بشؤون السياسة الخارجية