سوريا... انتصار الجولاني وداعموه اكمل الدمار العسكري والاجتماعي والاقتصادي لدولة محورية


قال الخبير الاقتصادي مفلح عقل إن الحرب السورية تحولت إلى
نموذج مرعب لعملية تفكيك ممنهجة لدولة ذات موقع استراتيجي، حيث تعرضت بنيتها
الاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية لاستنزاف غير مسبوق، وأُعيدت صياغة معادلات
القوة والتأثير فيها بما يضمن إضعافها لعقود قادمة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن"
الإلكترونية أن الاقتصاد الذي كان يشكل إحدى ركائز الاستقرار قبل عام 2011، انهار
إلى مستويات كارثية لم تشهدها البلاد منذ استقلالها، بعدما تراجعت صادراتها إلى ما
لا يتجاوز عشر ما كانت عليه في ذروة قوتها، حيث انخفضت من ثمانية عشر مليار دولار
إلى أقل من عشرة بالمئة من ذلك الرقم، في انعكاس مباشر لتدمير القطاعات الإنتاجية
الرئيسية، وتفكك البنية التحتية الصناعية والزراعية والتجارية.
وبيّن عقل أن الناتج
المحلي الإجمالي شهد تقلصًا غير مسبوق، حيث فقد نحو 85% من قيمته، الأمر الذي أدى
إلى اختفاء معظم مصادر الدخل الوطني، ودخول البلاد في حالة عجز مزمن عن تمويل حتى
الحد الأدنى من احتياجاتها الأساسية، بينما تآكل الاحتياطي النقدي من العملات
الأجنبية بصورة كارثية، إذ كان في عام 2010 يقدر بـ18 مليارًا ونصف المليار دولار،
لكنه تقلص إلى ما لا يتجاوز 200 مليون دولار، وهي قيمة لا تكفي حتى لتغطية بضعة
أسابيع من الاستيراد، ما جعل الدولة في حالة من الاختناق المالي غير القابل
للإنعاش في المدى المنظور.
أما العملة الوطنية، التي كانت تعكس في السابق استقرارًا
نسبيًا في الأسواق، نوّه إلى أن قيمتها انهارت بصورة شبه كلية، حيث كان الدولار
الواحد يعادل 50 ليرة سورية قبل الحرب، لكنه تجاوز اليوم 11 ألف ليرة، وهو ما يعني
عمليًا أن الليرة فقدت أكثر من 99% من قيمتها، الأمر الذي أدى إلى موجة تضخم
انفجارية التهمت دخول المواطنين، ودفعت أكثر من 90% من السوريين إلى ما دون خط
الفقر، في ظل بنية اقتصادية عاجزة تمامًا عن تأمين الحد الأدنى من مقومات العيش
الكريم.
وفي ضوء هذه
الانهيارات المتلاحقة، لم يعد دخل العامل السوري يكفي سوى لتغطية 45% من احتياجاته
الأساسية، وهو ما أفضى إلى أزمة معيشية خانقة غير مسبوقة في تاريخ البلاد الحديث،
بينما جاءت الضربة الأكثر إيلامًا على مستوى القوة العسكرية للدولة، إذ تعرض الجيش
السوري لما يمكن اعتباره تدميرًا منهجيًا طال تسليحه وتمركزه وقدرته العملياتية،
حيث فقد معظم معداته الثقيلة ومنظوماته الدفاعية، وانخفضت قدرته إلى حد لم يعد
يملك فيه سوى مجموعات متناثرة تعتمد على وسائل نقل خفيفة وشاحنات دفع رباعي، بعد
أن كان قوة إقليمية ذات تأثير استراتيجي.
ونوّه إلى أن ما جرى
في سوريا هو إعادة تشكيل قسرية لواقعها السياسي والاقتصادي والعسكري، بحيث لا تعود
تلك الدولة قادرة على فرض نفسها كلاعب مستقل، وإنما تظل أسيرة التدخلات الإقليمية
والدولية التي أفرزتها سنوات الحرب، وهو ما يجعل مستقبلها مفتوحًا على سيناريوهات
بالغة التعقيد، لا يمكن التنبؤ بمآلاتها إلا في ضوء توازنات القوى الكبرى التي
باتت تتحكم بمفاصلها الأساسية.
نقلا عن جريدة اخبار الاردن