عشرات الالاف يتظاهرون ضد اردوغان.. وقلق امريكي حول استقرار حكمه


يشعر الأتراك بالضّيق فيما يبدو من
سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على الأقل هؤلاء الذين تظاهروا بعشرات
الآلاف على مدار أسبوع، على خلفية اعتقاله وحبسه لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو
بتهم الفساد والإرهاب، في توقيت كان يتحضّر الأخير لإعلان نفسه مُنافسًا لأردوغان
في انتخابات الرئاسة، بل واعتبار شهادته مزورة، وهو الذي حصل عليها (إمام أوغلو)
قبل أكثر من 30 عامًا.
جدّد الأتراك الغاضبون تظاهراتهم اليوم
السبت صباحًا، استجابة لنداء زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزيل رئيس حزب الشعب
الجمهوري المُعارض، وبعشرات الآلاف احتشدوا بساحة التجمّع المطلة على البحر في مال
تبه، هذا استعراض حاشد حرصت قنوات المعارضة التركية على تصويره من السماء، لإظهار
الحشود الكثيفة، وعدم إمكانية التشكيك بها.
لافت أن هذه التظاهرة الداعمة لإمام
أوغلو، لم تنحصر في رفض اعتقاله، بل ذهبت لرفع شعارات طالبت بتحسين الحياة
الاقتصادية، إلى جانب العدالة والقانون، وجلب الحقوق، هذه الشعارات، ذهبت
بالمظاهرات بمُطالبات أبعد من الاحتجاج على اعتقال أكرم إمام أوغلو.
وكُتب على لافتة رفعت عالياً بين الحشد:
"إذا صمتت العدالة، فالشعب سيتكلم”.
نجحت المعارضة التركية في مشهد حشد
المتظاهرين، بإرسال رسائل مفادها أنها قادرة على حشد الشارع أولًا، وثانيًا أن شخص
أكرم إمام أوغلو (رفعت صوره خلال تظاهرات اليوم) له شعبية كاسحة، ما يفسّر أسباب
اعتقاله، ومحاولة إقصائه، وثالثًا أن هذه المظاهرات ستستمر، ما يعني استمرار
التداعيات الاقتصادية، والسياسية على البلاد، طالما استمر الحزب الحاكم العدالة
والتنمية في حبس إمام أوغلو.
تنفي السلطات التركية من جهتها أن لها
علاقة بحبس إمام أوغلو، كما تنفي أن لها أي نفوذ لها على القضاء، وتؤكد استقلالية
المحاكم، ما يعني أن قرار حبس أو الإفراج عن أكرم إمام أوغلو بيد القضاء وحده.
وزير الداخلية التركي علي يرليكايا أعلن
أن عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم خلال الاحتجاجات التي اندلعت بسبب اعتقال إمام
أوغلو في 19 مارس/آذار بلغ 1879 شخصًا، يبدو العدد كبيرًا والاحتجاجات لا تزال
مستمرة.
ودعا مؤتمر السلطات المحلية والإقليمية
التابع لمجلس أوروبا، في إعلان تم تبنيه بعد جلسة طارئة في ستراسبورغ يوم الخميس،
تركيا إلى التوقف عن ملاحقة واعتقال الممثلين المنتخبين لأحزاب المعارضة، وطالب
الإعلان بالإفراج الفوري عن أكرم إمام أوغلو، عمدة بلدية إسطنبول الكبرى، وعبد
الله زيدان، عمدة بلدية فان الكبرى.
لا يُظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
أي علامة على التراجع حتى الآن على الأقل، حيث اتهم المعارضة بالتحريض على العنف
بالشارع، وأكد أن تركيا، كدولة كبيرة، فيها حزب معارضة رئيسي يفتقر إلى البصيرة
والرؤية والجودة، ويبدو صغيرًا وضعيفًا سياسيًّا”.
تُراهن المعارضة التركية على قوّة
الشارع في إجبار أردوغان على الإفراج عن أكرم إمام أوغلو، أو مُحاكمته طليقًا،
وطالما أن الشارع يضغط على الاقتصاد التركي المُرهق أساسًا، أو دفع أردوغان
للتفاوض.
المُذكّرة الصّادرة عن محللي غولدمان
ساكس، كليمنس غراف وباشاك إديزغيل، قالت إن الاحتجاجات المستمرة على خلفية اعتقال
رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو بتهم فساد، إلى جانب عطلة عيد الفطر
المرتقبة، قد تزيد من الطلب على العملات الأجنبية، مما يُعيد مخاطر "إعادة
الدولرة” إلى واجهة المشهد المالي التركي.
مُعدّل التضخّم السنوي أساسًا في تركيا
بلغ نحو 39%، وهو من أعلى المستويات في العالم، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى
استعادة ثقة الأسواق والمستثمرين، خصوصًا بعد تراجع تدفقات رأس المال الأجنبي في
الأسابيع الأخيرة.
في المُقابل تُوضع علامات استفهام
كبيرة، حول ما قصده الرئيس أردوغان حين قال إن "الفجل الكبيرة في الكيس لم يتم
الكشف عنه بعد”، وأضاف: "عندما يتم الكشف عن الفجل الكبيرة، فلن يكون لديهم حتى
القدرة على النظر إلى أقاربهم.. ناهيك عن الأمّة”، فهل يملك أردوغان أوراقًا لم
يُخرجها بعد؟، وهل بات يشعر بأن تداعيات هذه الأحداث قد تؤدي إلى سُقوطه بالنهاية،
وبالتالي يحتاج الأمر إلى المُواجهة الكاملة منعًا للانهيار؟
قوّة حزب الشعب الجمهوري المعارض، ظهرت
في قدرة أكرم إمام أوغلو على السيطرة على بلدية إسطنبول معقل الحزب الحاكم في آخر
3 انتخابات بلدية، وهو ما جعله الشخصية الأكثر خطورة على أردوغان، ومن يحكم
إسطنبول يحكم تركيا، إضافةً إلى أن فئة الشباب حاضرة في التظاهرات الداعمة
للمعارضة، السلطات نفسها أكدت أن عددًا كبيرًا من المُعتقلين من الشباب وطلاب
الجامعات، ما يعني أن الشباب الأتراك يرغبون بتجربة قيادة أكثر شبابًا، ويرون في
اعتقال إمام أوغلو فرصة للتغيير.
وتبدو الولايات المتحدة الأمريكية
حاليًّا في وضع المُراقب للأحداث في تركيا، وقفزت قليلًا نحو القلق، كون الرئيس
التركي حليف لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أكد وزير الخارجية الأميركي
ماركو روبيو أنه عبّر لنظيره التركي، هاكان فيدان عن قلق الولايات المتحدة إزاء
الاحتجاجات والاعتقالات في تركيا عقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
وقال روبيو لصحفيين، الخميس، على متن
طائرة عائدة إلى واشنطن "نُراقب الوضع، وعبّرنا عن قلقنا، لا نود أن نرى عدم
استقرار كهذا في حكم أي دولة خاصة وإن كانت حليفا وثيقا”.
تُطرح تساؤلات حول موقف إدارة ترامب من
أردوغان، حال تصاعد الاحتجاجات للدرجة التي تؤثر على استقرار حكم أردوغان، حيث
كانت علاقات إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن مع تركيا فاترة بسبب ما
اعتبرته روابط وثيقة بين أنقرة وموسكو.
ولتعزيز الحشد الجماهيري خلف المعارضة،
كان أوزجور أوزال رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه رئيس البلدية قد وقف
فوق حافلة أمام مئات الألوف من أنصار الحزب في إسطنبول في ساعة متأخرة من الأحد
الماضي، وحث الناس على مقاطعة الكيانات التي قال إنها تستفيد منهم بينما تدعم
الحكومة.
تبع ذلك حملة مقاطعة اقتصادية واسعة
أطلقها حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا ضد الشركات المالكة لوسائل الإعلام
الموالية للحكومة التركية، بسبب عدم تغطيتها للتجمعات الداعمة لإمام أوغلو،
وتجاهلها للاحتجاجات.
هذا قد يُؤثّر بطبيعة الحال (المُقاطعة)
على القنوات التركية الإعلامية، وهي في غالبيتها داعمة لحكومة أردوغان، حيث لم
تعرض أي واحدة منها التظاهرات الرافضة لاعتقال إمام أوغلو.
حملة المُقاطعة تركت أثرها في نفس
الرئيس أردوغان، ودفعته للرد قائلًا: "”لن نعطي فرصة للسياسيين الطامعين الذين
يطلقون دعوات للمقاطعة غير المسؤولة، والذين يعبثون بمصالح التجار، ولقمة عيش
العمال، ويسعون لإفلاس الصناعيين والمستثمرين”.
وأنشأ حزب الشعب الجمهوري موقعاً
إلكترونيًّا "boykotyap.com” لنشر أسماء
لشركات التي ستشملها المُقاطعة، كما
استهدف زعيم الحزب أوزغور أوزيل إحدى العلامات التجارية الشهيرة لقهوة الإسبريسو
في البلاد، قائلاً: "لنبدأ بشرب فنجان قهوة، لكن لا تشربوا من (العلامة التجارية
المذكورة) مهما كان”.
ردًّا على هذه الدعوة، توجّهت مجموعة من
برلمانيي حزب "العدالة والتنمية” إلى المقهى المذكور بعد الإفطار، وبثوا فيديوهات
من داخله تأكيداً على دعمهم للعلامة التجارية، فيما أقام آخرون الصلاة في الشارع
أمام المقهى كتعبير عن دعمهم له.
بكُُل حال، تبدو المعارضة التركية في
مزاج خوض معركة سياسية واقتصادية ضد الحزب الحاكم العدالة والتنمية، قد يكون
الأخير هو من تسبّب بها باعتقاله أكرم إمام أوغلو، وكما كان هدف المعارضة السورية
إسقاط حلب، وجدوا أنفسهم يحكمون دمشق، قد تكون المعارضة التركية على ذات الموعد مع
اختلاف الخلفيات في المشهد التركي، ليُطرح السؤال هل حان ميعاد عودة حزب الشعب
الجمهوري إلى حكم تركيا، حيث شهد هذا الحزب "الأتاتوركي” مكاسب كبيرة لم تكن متوقعة
في الانتخابات المحلية للعام 2019، حيث استحوذ على نحو 30% من أصوات الناخبين،
وفاز مرشحوه برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة اللتين ظلتا معاقل انتخابية لحزب
العدالة والتنمية منذ العام 2002، بالإضافة إلى عدد من البلديات الكبرى الأخرى،
يتساءل مراقبون!
"رأي اليوم”- خالد الجيوسي