ترامب يستفز الكنديين.. كارني يحصد فوزاً انتخابياً صعباً لليبراليين في كندا


.
من المتوقع أن يفوز الحزب الليبرالي الكندي بانتخابات رابعة على
التوالي، مما يمنح تفويضاً لحاكم البنك المركزي السابق مارك كارني، وذلك بعد حملة
انتخابية تعهّد خلالها بتعزيز النمو الاقتصادي ومواجهة الرئيس الأميركي دونالد
ترمب في حرب تجارية.
ومع ذلك، يبدو أن هامش الانتصار ضيّق. فقد كان مرشحو الحزب
الليبرالي متقدمين أو فازوا في 155 مقعداً من أصل 343 مقعداً، متقدمين على حزب
المحافظين الذي حصل على 150 مقعداً، وذلك حتى الساعة 11:21 مساءً بتوقيت أوتاوا.
ومن المرجح أن الحزب لن يحقق الأغلبية المطلوبة والمتمثلة في 172 مقعداً في مجلس
العموم؛ مما يعني أن حكومة كارني ستضطر إلى التعاون مع أحزاب أخرى لتمرير التشريعات.
الدولار الكندي
يتلمس الطريق
ارتفع الدولار الكندي في البداية بعد إعلان شبكات التلفزة الكبرى
فوز الحزب الليبرالي، ثم تراجع مع تزايد وضوح احتمالية أن تسفر النتائج عن حكومة
غير مستقرة. وتم تداول الدولار الكندي عند 1.386 دولار كندي مقابل الدولار
الأميركي.
وكان الحزب الليبرالي يحقق مكاسب في مقاطعة كيبيك ويخوض معارك
انتخابية مع المحافظين في أونتاريو، التي تتمتع بثقل كبير في عدد المقاعد، وهما
مركزان صناعيان رئيسيان تستهدفهما رسوم ترمب الجمركية على صناعات رئيسية مثل تصنيع
السيارات والصلب والألمنيوم. كما واصل حزب كارني هيمنته على المقاطعات الأربع في
منطقة الأطلسي.
ويُمثل انتصار كارني تحولاً كبيراً للحزب الليبرالي، الذي حكم كندا
معظم القرن الماضي، لكنه كان يبدو قبل أربعة أشهر فقط في طريقه لتلقي هزيمة
انتخابية تاريخية. وكان حاكم بنك كندا وبنك إنجلترا السابق قد تولى زعامة الحزب في
التاسع من مارس، ودعا إلى إجراء انتخابات بعد أسبوعين فقط. وقد ركّز على إبراز
نفسه كزعيم وزراء مستعد للوقوف بوجه البيت الأبيض العدائي دفاعاً عن كندا.
كارني ليس
ترودو
سعى كارني، البالغ من العمر 60 عاماً، إلى أن يُثبت سريعاً أنه
يختلف عن سلفه جاستن ترودو؛ حيث ركّز أكثر على الاقتصاد وبناء تحالفات جديدة في
مجالي التجارة والأمن، نظراً للسياسة الخارجية الجديدة القادمة من واشنطن. وكانت
أولى خطواته إلغاء بعض سياسات ترودو الأقل شعبية، مثل ضريبة الكربون على
المستهلكين، وقام بزيارة اثنين من حلفاء أوروبا، وهما الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
ومع انطلاق الحملة الانتخابية، كرر كارني القول بأن الكنديين بحاجة
إلى أن يدركوا أن العلاقة الوثيقة بين كندا والولايات المتحدة قد تعرضت للتمزق
بسبب أفعال ترمب، بما في ذلك تصريحات الرئيس بأن كندا ينبغي أن تكون الولاية
الأميركية الحادية والخمسين. وفي الأسبوع الأخير من شهر مارس، عندما وقع ترمب
أمراً بفرض رسوم جمركية على السيارات، قال كارني: "من الواضح أن الولايات
المتحدة لم تعد شريكاً موثوقاً به".
وساعده أسلوبه الهادئ والمتزن في العلن، بالإضافة إلى خبرته كصانع
سياسات وخبير اقتصادي، على طمأنة الناخبين بأنه الشخص الأنسب لقيادة كندا في ظل
النظام العالمي الجديد، واستطاع بسرعة أن يستعيد دعم المواطنين الذين كانوا قد
فقدوا الثقة بترودو. وأظهر استطلاع للرأي أُجري قرب نهاية الحملة أن كارني يتفوق
بحوالي عشر نقاط على بويليفر في مسألة من هو
الاختبار
الحقيقي لكارني
لكن كارني الآن مضطر لأن يثبت صحة ادعائه بكونه مدير أزمات بارع،
بعدما قاد اثنين من البنوك المركزية لمجموعة السبع خلال أزمة الانهيار المالي لعام
2008 وأزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
الاختبار الحقيقي سيكون في التعامل مع الرئيس الأميركي غير
المتوقع، الذي قال إنه سيستخدم "القوة الاقتصادية" ضد كندا وأطلق
تهديدات محددة ضد قطاع السيارات الكندي وصناعات أخرى. وقد صرّح كارني بأنه يرغب في
بدء "مفاوضات شاملة بشأن علاقة جديدة في مجالي الاقتصاد والأمن" مع
إدارة ترمب.
ومن المؤكد أن ذلك سيتضمن مراجعة لاتفاقية الولايات المتحدة
والمكسيك وكندا، وهي الاتفاقية الإقليمية التي وقعها ترمب في ولايته الأولى ووصفها
بأنها "أفضل اتفاقية أبرمناها على الإطلاق"، لكنه بات يعتبرها الآن
ناقصة. وبالنسبة لكندا، فإن الرهانات الاقتصادية لا يمكن أن تكون أعلى: إذ تذهب
نحو ثلاثة أرباع صادراتها إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك الغالبية العظمى من
صادرات النفط والغاز.
وهذا يجعل كندا واحدة من أكثر الدول عرضة لحرب تجارية مطولة، حيث
لا يمكنها بسهولة أو بسرعة إيجاد أسواق بديلة للعديد من منتجاتها الأكثر أهمية.
اقتصاد كندي هش
يرث كارني اقتصاداً قد يكون قريباً من الدخول في حالة ركود، ويعاني
منذ فترة طويلة من أزمة في الإنتاجية لم تُحل بعد. كما تخضع كندا بالفعل لرسوم
جمركية قاسية من الولايات المتحدة، مع احتمال فرض المزيد منها في المستقبل.
وقالت لوري تيرنبول، أستاذة بكلية الإدارة في جامعة دالهوزي في
هاليفاكس، نوفا سكوشا: "سيكون التركيز منصباً بشكل أكبر على صحة الاقتصاد،
وتنويع الشراكات التجارية، وتعزيز الاقتصاد الكندي"، مضيفة: "لذلك سيكون
هذا بمثابة تحول كبير عن أولويات حكومة ترودو".
اقترح رئيس الوزراء تنفيذ مشاريع "بناء أمة" ضخمة مثل
إنشاء بنية تحتية جديدة للطاقة. لكنه، بصفته ناشطاً بيئياً، يريد أيضاً الحفاظ على
الحمايات البيئية مثل فرض ضريبة صناعية على الكربون. وقد ألمح كارني إلى رغبته في
مضاعفة بناء المساكن، جزئياً من خلال برنامج حكومي لدعم تمويل المنازل الجاهزة
الصنع. ومع ذلك، قامت الحكومة بخفض أهداف الهجرة، مما قلل من الفرص المتاحة للعمال
المهرة من الخارج.
وعلاوة على ذلك، أصدر زعيم مقاطعة ألبرتا المحافظة والغنية بالنفط
قائمة من المطالب وهدد بحدوث "أزمة وحدة وطنية غير مسبوقة" إذا لم تتم
تلبية تلك المطالب.
وخلال الحملة الانتخابية، عرض زعيم الحزب الليبرالي خطة لزيادة
العجز المالي بشكل أعمق، جزئياً من أجل زيادة الإنفاق على البنية التحتية وتقليص ضرائب
الدخل.
وكان كارني يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة بلومبرغ (Bloomberg Inc) حتى شهر يناير الماضي،
عندما استقال من المنصب لدخول عالم السياسة.
هزيمة
المحافظين.. وتأثير ترمب
لقد كانت هزيمة صعبة لحزب المحافظين بقيادة بيير بويليفر، الذي بلغ
ذروة زخمه السياسي مبكراً جداً. فقد تصدر السياسي البالغ من العمر 45 عاماً
استطلاعات الرأي العام الماضي بفارق من رقمين، مستنداً إلى وعوده بخفض الضرائب
والإنفاق الحكومي، مع بناء المزيد من المساكن وتحسين السلامة العامة.
وقد نجحت بعض شعارات بويليفر طويلة الأمد، مثل إنهاء ضريبة الكربون
والإطاحة بترودو، جزئياً. إذ استقال ترودو، وألغى كارني الشق الاستهلاكي المثير
للجدل من الضريبة خلال ساعات من توليه المنصب. غير أن ذلك أجبر المحافظين على
صياغة رسالة جديدة بسرعة، وقد كانوا بطيئين في التكيف مع البيئة السياسية الجديدة،
حيث أصبحت تصرفات ترمب مصدر قلق رئيسي للناخبين.
خاض المحافظون حملتهم الانتخابية ببرنامج يركز على خفض الضرائب
وتقليص اللوائح التنظيمية وزيادة الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز وقطاعات أخرى.
وهي إجراءات قال بويليفر إنها ستسهم في تحقيق نمو اقتصادي أسرع وتحسين موقف كندا
في مواجهة تهديدات ترمب.
تشابه مع
أساليب ترمب
لكن حملة المحافظين حملت أصداءً من أساليب ترمب، مثل وعودها بخفض
المساعدات الخارجية، وعلاقة بويليفر العدائية مع وسائل الإعلام التقليدية،
واستهدافها لمبادرات التنوع، وحتى شعار الحزب "كندا أولاً. من أجل
التغيير". وقد استخدم الليبراليون مقاطع لبويليفر وهو يتحدث بطريقة مشابهة
لترمب، مهاجماً "ثقافة woke" ومردداً عبارة "كل شيء محطم". وفي وقت ينظر فيه كثير من
الكنديين إلى ترمب بازدراء بسبب تهديداته لسيادة بلادهم، أضر ذلك كثيراً بفرص
بويليفر الانتخابية.
وقال ديميتري سوداس، الذي شغل منصب مدير الاتصالات لرئيس الوزراء السابق
ستيفن هاربر: "الناخبون يبحثون عن شخص يثقون به لتحقيق أحلامهم، وأعتقد أن
السيد بويليفر جسّد ذلك، لكنهم أيضاً يبحثون عن شخص يحبونه"، مضيفاً:
"أعتقد أنه يحظى بالثقة. وأعتقد أنه يحترم لرؤيته لمستقبل البلاد. لكنه اختار
ألا يكون محبوباً. وفي رأيي، كان ذلك خطأً".
كما واجه بويليفر صعوبات في استقطاب مرشحين بارزين وإنشاء
التحالفات اللازمة لتشكيل ائتلاف انتخابي فائز. فعلى سبيل المثال، تعرضت حملته
لانتقادات متكررة من قبل حلفاء دوغ فورد، الذي فاز بثلاثة انتخابات متتالية
بالأغلبية في أونتاريو لحزبه التقدمي المحافظ. ومع ذلك، أجرى فورد جلسة تصوير ودية
مع كارني في مارس.
نقلا عن جريدة الشرق