تصعيد دموي في السويداء، وسط اجتياح فصائل سلطوية وأخرى منفلتة وقصف إسرائيلي ومحاولات تهدئة هشّة


تشهد محافظة السويداء
جنوب سورية أحداثًا دامية، انطلقت شرارتها قبل أيام، على إثر حادثة سلب وقعت على
طريق دمشق - السويداء، تبعتها اشتباكات عنيفة بين "فصائل مسلحة درزية ومسلحين
من عشائر البدو" كما وصفتها بعض المصادر، وامتدت حدة الاشتباكات نحو مشارف
مدينة السويداء، منذ أيام، بالتزامن مع وفود فصائل مسلحة من خارج المحافظة.
وأشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان"
في الساعات الماضية إلى بدء قوات سلطة الامر الواقع عملية الدخول إلى مدينة
السويداء وسط معلومات تشير عن تقدمها، بالتزامن مع اندلاع اشتباكات على أطراف
المدينة، وقصف مركز يستهدف الأحياء السكنية منذ منتصف ليل الاثنين الثلاثاء.
وأضاف المرصد أنّ دخول القوات ترافق مع سقوط
قذائف هاون وعدد من الصواريخ على الأحياء السكنية في مدينة السويداء مصدرها قوات
الجيش السوري.
وارتفعت حصيلة الضحايا
جراء الاشتباكات المسلحة والقصف المتبادل في محافظة السويداء منذ صباح الأحد 13
تموز، إلى 135 قتيلاً، بينهم طفلين وامرأتين، وهم: 64 من أبناء السويداء بينهم
طفلين وامرأتين، 52 من عناصر "وزارة الدفاع والأمن العام" في سلطة الأمر
الواقع ومسلحي البدو، 19 بينهم امرأة، أعدموا ميدانيًا برصاص عناصر من
"وزارتي الدفاع والداخلية" في سلطة الأمر الواقع.
وفي السياق، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس أنهما أصدرا تعليمات لجيش الاحتلال بضرب
قوات سلطة الأمر الواقع في سورية والأسلحة التي جرى نشرها في السويداء، بزعم أن
ذلك "مخالف لسياسة نزع السلاح المتفق عليها، والتي تحظر إدخال قوات وأسلحة
إلى جنوب سوريا بما يشكل تهديداً لإسرائيل". وقال جيش الاحتلال إنه ضرب آليات
عسكرية لقوات السلطة في السويداء.
وذكرت الوكالة السورية للأنباء "سانا"
في وقت لاحق أن غارات جوية إسرائيلية استهدفت أطراف مدينة إزرع في ريف درعا بجنوب
سوريا. وقال "تلفزيون سوريا" إن الغارة استهدفت اللواء 12 في المدينة.
ونقل عن مصادر محلية قولها إن الطائرات
الإسرائيلية نفذت أربع غارات جوية على أطراف مدينة السويداء، مستهدفة مواقع متفرقة
يعتقد أنها كانت تستخدم كطرق عبور للآليات الجيش السوري المنسحبة.وذكرت المصادر أن
الغارات الإسرائيلية أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف جنود سلطة الأمر
الواقع.
وقالت وزارة الخارجية السورية أن
"الاعتداءات (الإسرائيلية) أسفرت عن استشهاد عناصر من الجيش وقوى الأمن
والمدنيين. هذا العمل انتهاك صارخ لسيادة سورية وخرق لمبادئ القانون الدولي والأمم
المتحدة". وذكرت أن "العدوان جاء في سياق مشبوه يستهدف زعزعة الاستقرار
وضرب وحدة الأراضي السورية، وندعو الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي
للوقوف عند مسؤولياتهم وإدانة هذا العدوان".
وقالت الخارجية السورية "نؤكد على التمسك
بحقنا الراسخ في الدفاع عن أراضينا بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي.
حريصون على حماية جميع أبناء الشعب السوري من دون استثناء وفي مقدمتهم الطائفة
الدرزية، وندعو أهلنا في السويداء للوقوف صفا واحدا خلف الدولة والجيش ورفض
الانجرار وراء أي مشاريع مشبوهة".
وأصدرت الرئاسة السورية بيانا، جاء فيه
"انطلاقا من حرص الدولة على صون الحقوق وحقن الدماء وسيادة القانون وضمان
انتظام مؤسساتها، تؤكد رئاسة الجمهورية العربية السورية على ضرورة التزام كافة
الجهات العامة والخاصة المدنية والعسكرية بمنع أي شكل من أشكال التجاوز أو
الانتهاك تحت أي مبرر كان". كما أعلنت تكليف الجهات الرقابية والتنفيذية
المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية الفورية بحق كل من يثبت تجاوزه أو إساءته مهما
كانت رتبته أو موقعه؛ وفقا لما جاء في بيانها.
وجاءت الضربات الإسرائيلية بعد قليل من إعلان
وزير الدفاع في سلطة الأمر الواقع مرهف أبو قصرة وقفاً تاماً لإطلاق النار في
السويداء بعد الاتفاق مع وجهاء المدينة، وذلك بعد ساعات من بدء دخول القوات
السلطوية إليها بالتزامن مع اشتباكات عنيفة وقصف إسرائيلي.
وقال أبو قصرة في منشور على "إكس":
"إلى جميع الوحدات العاملة داخل مدينة السويداء، نعلن وقفاً تاماً لإطلاق
النار بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة، على أن يتم الرد فقط على مصادر
النيران".وادعى أن قوات الشرطة العسكرية بدأت الانتشار داخل مدينة السويداء
لضبط "السلوك العسكري ومحاسبة المتجاوزين".
في المقابل، أعلن الرئيس الروحي لطائفة الموحدين
الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، تراجعه عن الموقف الداعم لدخول المؤسسات
الأمنية والعسكرية إلى محافظة السويداء، داعياً أبناء المحافظة إلى التصدي
للمجموعات المسلحة ومواجهتها.
وقال الهجري في بيان مصوّر: "بعد مفاوضات
عديدة مع دمشق لم تُفضِ إلى أي نتائج أو صدق في التعامل، فُرِض علينا البيان الذي
أصدرناه، بتفاصيله الكاملة، من دمشق، وبضغط من دول خارجية، بحجّة حقن دماء
أبنائنا". واتهم الهجري سلطة الأمر الواقع بـ"نكث العهد والوعد" و"قصف
المدنيين العزّل"، رغم قبولهم بـ"البيان المُذل"، مضيفاً أنّ هذا
اليوم إما أنّ "يرفض فيه السوريون الذل والمهانة، وإما أن يواجهوا عقوداً من
الذلّ والمهانة".
وتابع: "نحن نتعرض لحرب إبادة شاملة،
ويتعيّن على كل من قال (يا غيرة الدين) أن يقف وقفة عزّ يسجّلها التاريخ ولن
تتكرر". ودعا الهجري جميع أبناء السويداء إلى التصدي للمجموعات المسلحة التي
اقتحمت المحافظة، ونقضت العهود واستمرت في قصف الأحياء المدنية رغم الاتفاق.
وفي السياق، جدّد رئيس الحزب الديموقراطي
اللبناني، النائب السابق طلال أرسلان، المطالبة بـ"حماية دولية" لدروز
سورية، فيما كرّر الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، دعوته إلى
"حل سياسي"، محذرًا من "فخ إسرائيلي".
وكان مراسل فرانس برس، الذي دخل المدينة بعيد
وصول القوات السورية، أفاد بأنه شاهد جثثا ملقاة على الأرض، بينما كانت أصوات
إطلاق النار تتردد بشكل متقطع في شوارع المدينة الخالية.
وقال أحد سكان السويداء لوكالة فرانس برس عبر
الهاتف، رافضا الكشف عن اسمه "أنا في وسط السويداء، أصوات إطلاق النار
والاشتباكات مستمرة".
وتحدّث عن "حالات نهب وسرقة وقتل وإعدامات
ميدانية وحرق لمحال تجارية ومنازل، وهناك عشرات المخطوفين من المدنيين لا نعرف
عنهم شيئا" مع دخول قوات السلطة.
ونقل عن صديق له يقطن في جزء آخر من المدينة
قوله إن مسلحين "اقتحموا منزله وحرقوه بالكامل بعد ان طردوا اهله منه وصادروا
هواتفهم المحمولة".
وأظهرت مشاهد بثتها
وكالة فرانس برس أعمدة دخان متصاعدة من مبان ومنازل في المدينة التي يقطنها نحو
150 ألف شخص.
وأكد شاهد آخر من
السويداء، طلب بدوره عدم الكشف عن هويته، أنه شاهد "عناصر مدنية مسلحة يسرقون
المحلات المجاورة ويحرقونها مع إطلاق نار عشوائي".
وأضاف "أخاف
الخروج من المنزل خشية ان يتم التعرض لي او قتلي او سرقتي، كان يجب علي الهروب قبل
ان يصلوا وأخشى ان يكون قد فات الأوان".