ابو عبدالله الصغير .. ووضع وطننا الكبير


عوض
ضيف الله الملاحمة
من
شابهوا أجدادهم ما ظلموا . التردي الذي يمر به العرب غير مسبوق . وهو نتيجة طبيعية
للخيانة ، والعمالة ، وسوء الإدارة ، والتشبث بالسلطة ، والإنحلال الأخلاقي ،
والتردي القيمي ، والإنشغال بالتكسب ، والسعي للثراء ، والفسق ، والفجور ، وغياب
العدالة .
وصف
عبدالرحمن بن خلدون ، مؤسس علم الإجتماع ، في مقدمته ، أسباب إنهيار الأوطان ،
فقال :— (( إن أسباب إنهيار الأوطان والدول تتلخص في عدة عوامل ، أهمها : الظلم ،
وتدهور العمران ، وصراع العصبيات ، وفقدان العصبية ، وإتباع الشهوات ، وتقليد
الآخرين ، والترف ، وإرهاق الناس في الضرائب والمكوس ، وإهدار المال العام)) .
كما
قال عبدالرحمن بن خلدون :— (( أول أسباب سقوط الدول التفريط بالعدل )) . صدق والله
: وهو القائل : (( العدل أساس المُلك )) . مع ان آخرين ينسبونها الى الإمام
الغزالي وغيره من الحكماء .
وأنا
بتواضعٍ أُضيف الآتي كمستجدات خاصة في عصرنا الحالي :— (( العمالة ، والخيانة ،
والتبعية ، والفساد ، وإقصاء الأكفياء ، وتولية الجهلاء ، وتصدّر السخفاء المشهد
العام )) .
كما
قال عبدالرحمن بن خلدون ، في رؤيته المستقبلية ، قبل ( ٧ ) قرون ، قال (( عندما
تنهار الدول ، يكثر فيها المنجمون ، والمتسولون ، والمنافقون ، والمدَّعون ،
والكتبة القوالون ، والمغنون النشاز ، والشعراء النظّامون ، والمتصكعون ، وقارعو
الطبول ، وقارئو الكف .. الخ )) .
كما
قال عبدالرحمن بن خلدون :— (( أن الدولة تمر بخمس مراحل : الظفر بالمُلك ،
والإنفراد بالمجد ، ثم الفراغ والدِّعة ، ثم القناعة والمسالمة ، وأخيراً الإسراف
والتبذير )) .
وقدم
عبدالرحمن بن خلدون نصيحة ثمينة لمن يود ان يعتبر فقال :— (( لا تولوا السفلة
والسفهاء القيادة والمناصب ، مما يؤدي في نهاية المطاف الى سقوط العروش ونهاية
الدولة )) .
الحال
في وطننا العربي في هذا الزمان ، يشبه تماماً ، زمن آخر حاكم عربي للأندلس / ابو
عبدالله محمد الثاني عشر ، المعروف بأبي عبدالله الصغير ، وفعلاً إسمٌ على مسمى ،
فهو صغير ، وقميء ، وحقير ، ووضيع ، ضيّع مجد العرب في الأندلس . كان آخر ملوك
غرناطه من بني نصير ، مُنهياً بذلك حُكم العرب للأندلس .
هذا
الملك الصغير إسماً وفعلاً هجته أُمه / عائشة عندما رأته يبكي بحرقةٍ عندما سقطت
إمارة غرناطة ، آخر معاقل العرب في الأندلس ، حيث قالت له :—
إبكِ
كالنساءِ مُلكاً مُضاعاً / لم تحافظ عليه كما الرجالِ . عندما سلّم غرناطة للملك
فرناندو والملكة إيزابيلا ، في الثاني من يناير ١٤٩٢م . ليطوي صفحة ما يزيد عن
سبعة قرون من الوجود العربي سطروا خلالها معالم الفردوس الذي تتغنى به الحضارات
الى الآن .
الآن
، وفي زمننا الحالي ، أرى أن العرب صِغاراً ، يشبهون أبا عبدالله الصغير حقاً.
العرب
الآن يشبهونه ، في إداراته لإمارته . جيناته الوضيعة ، ما زالت ممتدة.
لم
يستفد العرب من عِلم إبن خلدون بتاتاً ، مع انه يلعب دوراً توعوياً ، وتوجيهياً ،
وإرشادياً عظيماً .
كما
لم يعتبر العرب مما حصل مع أبي عبدالله الصغير ، القميء ، حيث ضيّع الأندلس ، بسبب
لهوه ، وترفه ، وسوء إدارته ، وعمله على تولية سفهاء القوم لإدارة دولته ، فهُزِم
شرّ هزيمة .
لتعرفوا
ما حالنا : لم يعد للعرب دور في المجتمع الدولي ، ولا يحسب لنا حساب ، ولا هيبة
لأقطارنا ، والمجتمع الدولي يعتبرنا تابعون ، خانعون ، أذلاء . لا مجد لأقطارنا ،
ولا تتمتع بسمعة جيدة على المستوى الدولي . إستقلالنا شكلي ، وتبعيتنا فعلية
وظاهرة . خيراتنا منهوبة او منكوبة بسوء الإدارة ، او يُمنع علينا إستغلالها .
وأغلب دولنا متخلفة ، غير متحضرة ، تفتقر لإبسط الخدمات . الإقتتال الداخلي مستمر
منذ عقود في العديد من الأقطار . والنزاعات البينية بين الأقطار العربية مستمرة
بالخفاء او العلن . الإقتصاد منهار ، المالية العامة عاجزة ، والإستثمار في إنحدار.
شعوبنا
مقهورة ، والعدالة غائبة ، والمساواة مفقودة . لا إحترام للرأي الآخر ، التعبير عن
الأفكار مُصادر . نزلاء السجون أكثر من نزلاء المستشفيات ، والمدارس مهملة ، الفقر
اصبح درجات منها الفقر المدقع ، البطالة عامة طامة ، دخل الفرد لا يسد الرمق ،
الطبقة الوسطى إختفت او تقلصت ، التعليم تردى ، الصحة إنحدرت ، المناهج متخلفة .
غلاء ينهش الدخول ، غلاء في الغذاء ، والدواء ، وفواتير المياة والهواتف والكهرباء
. الواسطة هي السائدة ، والمحسوبية هي الطاغية . خريجون جدد يتم تعيينهم فوراً
بأعلى وارقى المناصب وبرواتب بالألوف ، وخريجون آخرون ينتظرون التعيين لعقد ونصف
وربما أكثر .
وطننا
العربي الكبير — الصغير بتأثيره — بمختلف أقطاره ، مُصادرة إرادته ، مسلوب
إستقلاله ، مُنهار إقتصاده ( بإستثناء بعض الأقطار الخليجية ) . أقطاره تابعه
ومنقادة لأعدائه .
وطننا
العربي الكبير مواطنه مسحوق ، مُصادرة حريته ، مُتهم وهو بريء ، صدقه
مُعاب ، نزاهته مُدانة ، وإنتمائه منقوص ، ما لم يَدُرّْ في فلك الأنظمة .
وإذا دار في فلك الأنظمة يتكسب ، ويترقى ، ويرتقي أعلى المناصب ، ويتقلب دون ان
يتعب من موقع لآخر . ويتصدر المشهد ، ويُصبح من عِلية القوم — حتى لو كان وضيعاً —
ويتصدر المجالس مع انه فرائصه ترتعد ، لأنه أجوف ، ويفتقر للمعرفة ، والثقافة ،
ويكون مهزوماً بداخله ، ضعيفاً ، خاضعاً لأسياده ، يبتغي رضاهم حتى لو على حساب ما
تبقى من كرامة ، لإن عدم رضى أسياده سيعيده الى حجمه الطبيعي بعد ان يفقد الدعم
الذي اوصله الى ما لا يستحق .
صدق
ربُ العِزة سبحانه وتعالى عندما قال في قرآنه الكريم : (( وتلك الأيام نداولها بين
الناس )) صدق الله العظيم ، الآية ( ١٤٠ ) سورة آل عمران . وصدق المثل العربي
القديم : (( الأيامُ دولٌ )) . الأمم مثلما تمر بعصور إزدهار ، لابد ويعقبها عصور
إنحدار ، متمنياً ان لا يطول إنحدار العرب ، لأنهم وصلوا لدرجات من الإهانة
والإحتقار ربما لم تبلغها أُمة من أُمم الأرض .