ثمن الهوان والتبعية!


د. عبدالله الطوالبة
بات وجودنا مُهدَّدًا وجغرافيتنا مستباحة من الصهيوأميركي، على
نحو استفزازي موغل في التحدي والاستهانة بشعوب لها جذورها التاريخية في مساحة تصل
إلى 14 مليون كيلو متر مربع. قصف أي عاصمة عربية، مرفوض ومُدان وفيه إهانة لكل
عربي، خاصة وأنه يتواقت مع استمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي بحق شعب شقيق. ولا
يطفئ ما يعتمل في الصدور من غضب تجاهه سوى الرد على العدوان بفعل من جنسه، ولكن
هيهات هيهات في واقع رسمي عربي متهالك ارتمى في الحضن الأميركي منذ زمن بعيد. ولم
يعد هو ذاته يخفي ذلك أو يخجل من الجهر به، باعتراف شاهد من أهله هو رئيس وزراء
قطر السابق حمد بن جاسم. فقد قال بالحرف في لقاء صحفي بالصوت والصورة، قبل حوالي
شهر: "الحكام العرب ما هم إلا مقاولين من الباطن ينفذون التعليمات الأميركية
من دون نقاش". وهل يحتاج المرء إلى عبقرية فريدة من نوعها ليستنتج أن من
"ينفذ التعليمات الأميركية من دون نقاش"، لا يمكن أن يجرؤ حتى على قول
"لا" للكيان اللقيط مهما فعل؟!
لقد داس اللقيط على مسرحية مدريد للسلام ومخرجاتها، قبل طوفان
الأقصى. وتخطى الحدود كلها بعده في حرب إبادة وتطهير عرقي في غزة، بضوء أخضر
أميركي ودعم مفتوح من البيت الأبيض. ومع ذلك، يتشبث الرسميون العرب بعلاقات تبعية
واستسلام للقَدَرِ الأميركي في حالة نشك أن التاريخ عرف مثلها. والأنكى في السياق
ذاته، ازدراء البيت الأبيض "حلفاءه" العرب بأساليب لا تُطاق حتى من قِبل
معارضيهم. تريدون أدلة دالَّة، وفاقعة السطوع؟!
لا بأس، ولنكتفي بتصريحين للبيت الأبيض بخصوص العدوان الصهيوني
على الدوحة. فقد أكد في التصريح الأول علمه ب"العملية الإسرائيلية (لاحظ
العملية) قبل وقوعها بوقت قليل". ونعتقد أن طالبًا مبتدءًا في دراسة العلوم
السياسية يستحيل أن ينطلي عليه تضليل من هذا النوع، ولا أظننا بحاجة لمزيد بيان
بهذا الخصوص. وقال البيت الأبيض في التصريح الثاني في صيغة مهينة، بل وموغلة في
التقليل من شأن الموجه إليهم: "الحادثة المؤسفة فرصة لتحقيق السلام".
ألم تتولى واشنطن رعاية مسرحية مدريد للسلام الزائف الموهوم، قبل حوالي أربعة عقود
تقل قليلًا، وماذا كانت النتائج؟!
ها هي شاخصة أمام العالم كله، تتحدث عن نفسها بنفسها.
لا نبدي الأسف، كما اعتاد البعض في كتاباته، على ما آلت إليه
أحوال العرب. فهذا هو ثمن الارتماء في حضن راعي البقر الأميركي. هذا هو ثمن
التهافت على العدو وتوقيع اتفاقيات استسلام وإذعان معه بإسم سلام تأكد أنه زائف،
ليس لقلة في إمكانات العرب، ولكن لخلل فادح مرتبط بطبيعة النظام الرسمي العربي
القائم.
هذا هو ثمن إدارة الظهر للقضية الفلسطينية المفترض أنها قضيتنا
الأولى، وترك شعبها الشقيق يواجه عدوًّا مجرمًا متوحشًا بلحمه الحي. وليت
"بعض" النظام الرسمي العربي اكتفى بذلك، ولم يُقدِم على الإصطفاف في
خندق العدو، والتفاصيل يتكفل الإعلام الصهيوني وغيره بفضح بعضها. وهل بقي ما يمكن
التستر عليه، وإخفاؤه في عصر الفضاء المفتوح؟!
هذه هي تَبِعات حماقات الإستبداد العربي، وحصيلة غبائه. هذه هي
نتائح صرف مليارات الدولارات، لتدمير دول عربية مهمة ذات مقدرات كبيرة كان العدو
يحلم بعُشر ما حلَّ بها بأيدي أبنائها.
باختصار، هذا هو ثمن التبعية والهوان ومن يَهُن يسهل الهوان
عليه. والمعني هنا النظام الرسمي العربي، الفاقد للشرعية حتى قبل استباحة أميركا
واللقيط للجغرافيا العربية وعجزه عن القيام بواجب الدفاع عن الأرض والعِرض
والكرامة.
لا
رهان إلا على المقاومة، وما تبقى فينا من روح تنبض في غزة، وفي اليمن.