نتنياهو بين صورة المحارب المزعوم يوشع بن نون وشخصية التاجر المرابي شايلوك


يُقدَّم بنيامين نتنياهو في خطابه السياسي وفي حضوره الإعلامي
كأحد أكثر الزعماء الإسرائيليين إثارة للجدل في التاريخ الحديث. فهو يجمع في
شخصيته بين بعدين متناقضين في المظهر، متكاملين في الجوهر: بعد المحارب التوراتي
الذي يستحضر صورة يوشع بن نون، القائد العسكري لبني إسرائيل بعد موسى عليه السلام،
وبعد الشخصية الفهلوية شايلوك، التاجر اليهودي المرابي في مسرحية شكسبير تاجر
البندقية، والذي ارتبط بالدهاء والتمسك الحرفي بالقانون لتحقيق مصالحه الخاصة.
أولًا: نتنياهو في صورة يوشع بن نون
في خطاباته، يسعى نتنياهو دائمًا إلى الظهور بمظهر القائد
المحارب الذي يقود شعبه في مواجهة "الأعداء”. يشبّه نفسه ضمنيًا بيوشع بن نون
الأسطورة الذي أدخل بني إسرائيل إلى "أرض الميعاد”، ارض كنعان بعد أن قتلوا
سكان المدن والقرى من اريحا حتى يبوس القدس، فهو يستحضر هذه الرمزية الدينية ليربط
المشروع الصهيوني الدموي الحديث بامتداد دموي تاريخي عميق.
روح المقاتل: يظهر نتنياهو وهو يستحضر لغة المعركة والجنود
والبطولات، كما فعل في خطابه الأخير بالأمم المتحدة حين تحدث عن "أجيال من
اليهود الذين حملوا السلاح للدفاع عن وطنهم”.
الرسالة التاريخية: يريد أن يوحي بأن مهمته ليست سياسية فقط بل
"قدر تاريخي”، تمامًا كما كان يوشع بن نون قائدًا مختارًا لإتمام الرسالة بعد
موسى.
القداسة المصطنعة: يضفي على نفسه شرعية دينية من خلال خطاب
يزاوج بين الأمن القومي والسيادة على "الأرض المقدسة”، محاولًا بذلك كسب
التعاطف الداخلي في إسرائيل وربط معركته بالأسطورة التوراتية.
ثانيًا: نتنياهو في صورة شايلوك
على النقيض، هناك صورة أخرى موازية، تظهر بوضوح في دهائه
السياسي، تمسكه بالمصالح، وطريقته في إدارة الأزمات، وهذه الصورة تشبه شخصية
شايلوك تاجر البندقية:
البراغماتية الصارمة: شايلوك في مسرحية شكسبير تمسك بالشرط
المكتوب في العقد حتى لو كان الثمن "رطلاً من لحم إنسان”. وبالمثل، نتنياهو
يتمسك بسياساته حتى لو كان الثمن آلاف الضحايا في غزة أو عزلة دولية متزايدة.
استخدام القانون كسلاح: مثل شايلوك الذي استند للقانون ليبرر
قسوته، يستخدم نتنياهو الشرعية الدولية وخطاب شرعية "الدفاع عن النفس” لتبرير
سياسات عسكريةعدوانية توسعية.
الدهاء السياسي: قدرته على المناورة داخل حزبه وداخل الحكومة،
المماطلة في المفاوضات، واستغلال الانقسامات الداخلية والخارجية، والتخلي عن
تحالفاته ،كلها تعكس جانبًا شايلوكياً في شخصيته.
الصورة العالمية: مثلما أصبح شايلوك رمزًا للطمع والقسوة في
الأدب، فإن نتنياهو يُصوَّر في وسائل الإعلام العالمية كشخصية لا تعبأ بآلام
الآخرين بقدر ما تسعى لترسيخ الهيمنة الإسرائيلية،وبقاءه في كرسي الحكم.
جدلية الدم والسيف والذهب
بمزج الصورتين، نجد أن نتنياهو يقف بين:
المحارب المقدس الذي يرى نفسه يواصل مهمة تاريخية تبدأ من
التوراة.
التاجر المرابي الذي يحسب مصالحه ببرود ويستخدم كل الأدوات
السياسية والدبلوماسية وتزوير الحقائق لتحقيق غاياته.
هذه الازدواجية هي التي جعلت شخصيته "فايعة”، أي لافتة
ومتضخمة، فهي ليست شخصية عادية بل تجمع بين سحر الرمزية الدينية وقسوة الحسابات
السياسية.
نتنياهو ليس مجرد رئيس وزراء، بل هو رمز لصراع الهوية في
إسرائيل: هو يوشع بن نون عندما يريد أن يظهر زعيمًا عسكريًا يقود شعبًا نحو
"الوعد الإلهي”، وهو شايلوك عندما يستخدم دهاء السياسة والاقتصاد ليحكم قبضته
على الموقف. وبين الصورتين، يتشكل مزيج من القداسة المزعومة والبراغماتية القاسية،
مما يجعل شخصيته معقدة ومثيرة للجدل عالميًا.