عن احتجاجات المغرب وضرورة المسارعة للإصلاح


وائل منسي
المغرب يعيش اليوم على وقع موجة احتجاجات شبابية غير مسبوقة
قادها جيل "Z"، رفعت في
ظاهرها مطالب اجتماعية واقتصادية مرتبطة بإصلاح التعليم وتحسين الصحة وتوفير فرص
العمل وضمان الكرامة المعيشية. غير أن هذا السطح المعيشي يخفي تحته تراكمات سياسية
عميقة وغضباً دفيناً، بدأ يتفجر تدريجياً مع تصاعد المواجهات العنيفة واعتقال
المئات من المتظاهرين، ليتحول من احتجاج على أوضاع معيشية خانقة إلى مساءلة
لمنظومة الحكم نفسها.
هذه المظاهرات ليست حدثاً معزولاً؛ فهي تأتي امتداداً لسياق
عربي أوسع. فبعد موجتي الربيع العربي الأولى والثانية، اللتين اندلعتا في الدول
الجمهورية وأسقطتا أنظمة أو زعزعت بنيتها، يبدو أن الدور اليوم يقترب من الدول
الملكية. وإذا لم تبادر هذه الدول، وعلى رأسها المغرب، إلى إصلاحات سياسية
واقتصادية واجتماعية وإدارية جذرية، فإنها ستواجه أخطاراً مماثلة وربما أعنف، خاصة
وأن القاعدة الاجتماعية للشباب لم تعد قابلة للاستيعاب بخطابات الوعود أو عبر
الهراوات الأمنية.
في المغرب تحديداً، ثمة شعور متنامٍ بأن النظام لجأ إلى
التطبيع مع إسرائيل دون أي مقابل وطني أو سياسي، ما اعتبره كثيرون تفريطاً
بالكرامة الوطنية وطعنة في قلب القضية الفلسطينية. هذا القرار أضاف بعداً سياسياً
خطيراً إلى الأزمة المعيشية، وجعل الغضب الاجتماعي غطاءً لرفض سياسي أعمق. وفي هذا
السياق، تكتسب تحليلات المفكر د. حسن أوريد أهمية بالغة، إذ لفت مراراً إلى ظاهرة
"الرسكلة"، أي إعادة تدوير النخب السياسية ورجال الأعمال وأصحاب المصالح
في مواقع القرار رغم فسادهم وفشلهم. هذه العملية لم تؤد إلا إلى إعادة إنتاج
الفساد، وإغلاق أبواب التغيير الحقيقي، وهو ما أدى إلى تآكل الثقة في الدولة
وتوسيع الفجوة مع المجتمع.
إن استمرار السلطة في الاعتماد على المعالجة الأمنية وحدها
يحمل في طياته خطورة كبيرة، إذ يدفع الشباب دفعاً إلى رفع سقف المطالب من إصلاح
الخدمات العامة إلى مساءلة بنية الحكم ذاتها. ومع ازدياد الاعتقالات والانتهاكات،
قد يتحول الملف إلى قضية حقوقية دولية تضع صورة المغرب كـ"نموذج
للاستقرار" على المحك. كما أن انسداد الأفق قد يدفع جزءاً من الشباب إلى
الراديكالية والمواجهة المباشرة، وهو ما يعيد إلى الأذهان بدايات الانتفاضات العربية
التي انطلقت من مطالب بسيطة لتصل إلى شعار إسقاط الأنظمة.
ومع ذلك، ما زال هناك هامش متاح لتدارك الموقف، عبر إطلاق
حوار وطني شامل يتجاوز سياسة الرسكلة ويستقطب نخباً جديدة صادقة وكفؤة، قادرة على
صياغة عقد اجتماعي جديد يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، فالإصلاحات الجذرية في
السياسة والاقتصاد والإدارة لم تعد ترفاً، بل هي شرط بقاء واستقرار.
إن ما يجري في المغرب
اليوم ليس مجرد احتجاجات مطلبية؛ إنه إنذار مبكر بأن موجة التغيير التي عصفت
بالجمهوريات العربية في العقد الماضي قد بدأت تلقي بظلالها على الأنظمة الملكية.
وإذا لم تُستوعب الرسالة، فإن المغرب قد يكون الشرارة الأولى لربيع ملكي جديد يفتح
الباب أمام مرحلة ثالثة من التحولات العربية العميقة.