عقد الإذعان المزدوج وقبوله الضروري


كتب حيدر البستنجي
هناك حالة قانونيّة تعاقدية تسمى بعقد الإذعان، وهو العقد
الذي يتسم بعدم التكافؤ بين طرفين، حيث يفرض الطرف الأقوى شروط العقد التي
تناسبه ، ويلتزم الطرف الأضعف بقبولها كاملة دون القدرة على التفاوض عليها أو
تعديلها، وذلك مقابل خدمات او حاجات أساسية محتكرة من قبل الطرف
القوي.
أمثلة على ذلك عقود
المرافق العامة كالمياه والكهرباء، أو عقود الخدمات الأساسية كالهاتف والإنترنت.
لكن المشرع ترك للقاضي حماية الطرف الضعيف ، من خلال تعديل أو
إلغاء الشروط التعسفية في هذه العقود او مراقبة دقة التنفيذ ، وعادة ما يفسر
اي غموض في العقد لصالح الطرف المذعن.
ويتكرر نفس المنطق على مستوى السياسة عندما تكون موازين القوى
غير متكافئة بين طرفين نشأ بينهما صراع مسلح، فالطرف الأضعف يضطر لقبول شروط
المنتصر إذا لم تتوفر لديه بدائل أو أدوات لمواصلة المواجهة أو حماية مصالحه ولذلك
تطرح عليه خطة غير قابلة للتعديل مع ضمان بحسن التنفيذ من قبل قوى كبرى ضامنة .
خطة ترامب ـ نتنياهو هي شكل من أشكال عقود الاذعان التي نتجت
عن سحق اهلنا في غزة بعدوان ضاري وغير مسبوق دون ان يملكوا اي وسيلة مجدية لردعه ،
مما لا يترك أمامهم اي فرصة لإيقاف الحرب دون القبول بالعقد المعروض ضمن الخطة
ولكن للأسف سيكون القاضي هو الولايات المتحدة التي ستفسر النصوص على مقاس مصالحها
بما يعني عقد إذعان مزدوج ومع ذلك لايبدو في الافق باب آخر للخلاص من الجحيم غير
الموافقة عليه خاصة مع دعم عدد من الدول العربية والإسلامية لها وترحيب قوى
إقليمية وحتى بعض الحلفاء التقليديين مثل قطر وتركيا، بالإضافة إلى ترحيب السلطة
الفلسطينية وتأييد واسع على مستوى دولي.
النتيجة أن المجتمع الدولي بات يقف على جهة ، بينما تبقى حماس
على الجهة المقابلة.
البنود الواحدة والعشرين في الخطة قاسية وصعبة وتلبي شروط
العدو الاسرائيلي بالكامل والتي أعلنها منذ بداية العدوان وتترك الشعب
الفلسطيني تحت رحمة التفسيرات المختلفة للجانب المنفذ ، إلا أن واقع الحال واختلال
ميزان القوى الصارخ وغياب البدائل بل حتى سوءها فاستمرار الحرب يعني مزيدا من
الدمار الذي قد لا يمكن إصلاحه أبدا على المستوى الوطني والانساني، كل ذلك يجعل
القبول بالخطة للأسف، خياراً واقعياً. فرفض الخطة في هذه الظروف قد يؤدي إلى نتائج
كارثية اسوأ من قبولها : مزيد من التدمير لقطاع غزة ولقاطنيها، وتكريس الاحتلال
والضم والقضم لأجزاء من غزة وربما عودة الاستيطان.
ميزان القوى على الارض قال كلمته وغياب الافق العربي والدولي
ترك غزة وحيدة في فم الغول واستمرار الحرب حالياً في غير مصلحة الشعب الفلسطيني ،
فجوهر الصراع مع الاحتلال الصهيوني هو البقاء والتمسك بالأرض على عكس كل
نماذج الاستعمار في القرن العشرين والتي كانت استعمارية سياسية اقتصادية لا تتطلب
تهجير الشعب بل استغلال موارده .. في فلسطين القضية مختلفة تماما جوهر الصراع
التهجير والقتل .. وهذا ما يجب أن تُقرّ به المعالجات الواقعية لأنقاذ ما يمكن
إنقاذه.ولا غالب إلا الله