شريط الأخبار
انتشار الحشرات يعطل مدرسة 3 أيام في الزرقاء الملك يجتمع بمسؤولين وممثلين عن قطاع الصناعة ويدعو لفتح أسواق جديدة جيش الإحتلال يعزّز الجبهة الشمالية وحزب الله يعيد تموضعه في العمق اللبناني مشهد ما قبل (ولحظة ما بعد) التحولات في حزب العمال البريطاني - الحلقة الأولى الملك يؤكد لبي بي سي ان القوات الدولية بغزة يجب ان تكون لحفظ السلام لا فرضه بحر الصين الجنوبي يبتلع طائرتين للبحرية الأميركية خلال نصف ساعة الرئيس الفلسطيني يصدر إعلانا دستوريا يمهد انتقال الرئاسة لنائبه حسين الشيخ الملك يبحث توسيع التعاون الدفاعي مع رئيس الأركان الباكستاني عاجل فوز خميس عطية بمنصب النائب الاول لرئيس "النواب" "منع ضم الضفة" خدعة لتمرير التطبيع نداء عاجل من اليونيسف: نسابق الزمن لإنقاذ أطفال غزة من المجاعة مجلس النقباء: خطاب الملك مصدر فخر وبيان رؤية واضحة لمستقبل الأردن الجغبير: قلق جلالة الملك نداءُ نهضةٍ ومسؤولية وطنية مضاعفة بعد فوزه بالتزكية رئيسا للنواب.. القاضي: البرلمان أمام استحقاقات وتحولات تاريخية صعبة الملك: اقلق لكنني لا اخاف إلا الله ولا اهاب شيئا وفي ظهري أردني فريق مصري يدخل غزة للبحث عن جثث الاسرائيليين العيسوي: الأردن يمضي في "معركة التحديث" لترسيخ دولة الشفافية وكفاءة المؤسسات الأونروا: مواد الإيواء والشتاء موجودة بمخازننا في الأردن ومصر وتحظر اسرائيل دخولها لغزة "هيومن رايتس" تدعو إسرائيل للامتثال لقرارات "العدل الدولية" وادخال المساعدات لغزة "التمييز" تنقض الحكم بإدانة وحبس نائب

حقوق الإنسان... عندنا وعندهم

حقوق الإنسان... عندنا وعندهم

 


 

سعدية مفرح

 

من السهل أن نرفع شعارات كبرى مثل "الكرامة" و"الحرية" و"الحق في الحياة"، ونتحدّث عنها كما لو كانت اكتشافاً حديثاً سجّله الغرب باسمه في سجلّ التاريخ، متناسياً أن تلك القيم لم تولد في قاعات الأمم المتحدة، بل في أعماق الوعي الإنساني منذ بدأ المرء يدرك أن لغيره قلباً يشبه قلبه، ووجعاً لا يقلّ عن وجعه. فكرة حقوق الإنسان ليست اختراعاً غربياً بالمعنى الحصري، بل هي صياغة غربية لمجموعة مبادئ كانت (وما زالت) موجودةً في ثقافاتٍ أخرى، ولكن بأسماءَ وملامحَ مختلفةٍ، وبروحٍ نابعةٍ من بيئتها الخاصة.

حين وضع الغرب معاييره لما تُسمّى اليوم "حقوق الإنسان"، كان يفعل ذلك من منطلقه الفكري ومنظومته الأخلاقية، ومن داخل تجربته الطويلة مع الصراع الديني والسياسي والاجتماعي. كانت تلك المعايير استجابةً لمآسيه، لا لتاريخ البشرية كلّها. ولذا، تبدو مثاليةً في بعض جوانبها، لكنّها ليست بريئةً من الذاتية، ولا خاليةً من المركزية الثقافية التي تُخفي داخل بريقها نظرةً متعاليةً للآخرين، كأنها تقول لهم: "كونوا مثلنا كي تكونوا أحرارا".

غير أن الحرية ليست قالباً جاهزاً، ولا الكرامة سلعةً قابلةً للتصدير. ما يليق بالإنسان في باريس قد لا يليق بالإنسان في مكّة، وما يُعدُّ احتراماً للفرد في نيويورك قد يُعدُّ تفكّكاً للأسرة في القاهرة. نحن لسنا نُدافع عن الاختلاف من باب الخصوصية الضيّقة، بل من باب الفهم العميق لتنوّع التجارب الإنسانية واختلاف مساراتها في البحث عن المعنى. فلكلّ أمّةٍ طريقها الخاص إلى العدالة، ولكل ثقافةٍ إيقاعها المختلف في التعبير عن الرحمة، ولكل ضميرٍ لغته التي يتحدّث بها حين يقول: "كفى ظلماً".

ليس من الإنصاف أن نُسلّم للغرب تفويضاً أخلاقياً يُحدّد به ما هو إنساني وما هو غير ذلك، فالمعايير التي صاغها (مهما بلغت من الرقي النظري) ليست خاليةً من التحيّز، وقد وُضعت بما يتناسب مع تجربته الدينية التي فصلت الكنيسة عن الدولة، ومع فلسفته التي جعلت الفرد مركز الكون، ومع تاريخه الذي عرف الاستعمار باسم التمدّن. أمّا نحن، فحين نتحدّث عن الإنسان، فإننا نراه كائناً في شبكة من القيم، مسؤولاً أمام ربّه، ومتّصلاً بأسرته ومجتمعه، لا فرداً معزولاً يعبد ذاته، ويؤمن بأن حريته تبدأ وتنتهي عند شهوته.

ليس الاختلاف هنا في حبّ العدل أو كراهية الظلم، بل في المنطلق الفلسفي نفسه. الغرب يرى العدالة في استقلال الفرد، ونحن نراها في اتّزان العلاقة بين الفرد والمجموع. هو يقدّس "الحق"، ونحن نُقدّس "الحقّ والواجب" معاً. هو ينطلق من الإنسان بوصفه محوراً، ونحن ننطلق من الإنسان بوصفه مخلوقاً مسؤولاً، يحمل معنى يتجاوز ذاته.

وليس في ذلك انتقاصٌ من قيمة ما أنجزه الفكر الغربي في صون بعض الحقوق، بل العكس، فكثيرٌ ممّا نظّر له الغرب وسعى إلى تطبيقه يُلهمنا ويُذكّرنا بما أهملناه نحن في لحظات التراجع. غير أنّ الخطأ يكمن حين ننسخ تجاربه كما هي، ثمّ نُحاول إسقاطها على واقعٍ لم يُنتجها، فنفقد المعنى في الطريق، ونستيقظ على واقعٍ مُشوَّه، لا هو غربيّ مكتمل ولا عربيّ أصيل.

ليست حقوق الإنسان معجماً نترجمه، بل ضميراً نُوقظه. وما تحتاجه الشعوب ليس وثيقةً جديدةً تُضاف إلى رفوف الأمم، بل صحوة داخلية تجعلها تُدرك أن الكرامة لا تُمنح، وأن الحرية لا تُستورد، وأن العدالة لا تتكئ على مواثيق صاغها غيرها لتناسب مقاسه.

لذلك، حين نتحدث عن "حقوق الإنسان" في عالمنا العربي والإسلامي، علينا أن نُعيد قراءة المفهوم، لا أن نُعيد ترديده. ألا نسأل أنفسنا ماذا يريد الغرب أن نكون، بل ماذا نريد نحن أن نكون حين نُنصتُ لضمائرنا، فربّما يكون الطريق إلى إنسانيتنا أكثر قرباً ممّا نظن، حين نبدأ من داخلنا، من تلك البذرة القديمة التي ما زالت تؤمن بأن "الحق" ليس اتفاقاً دولياً، بل فطرة خُلِقَت فينا منذ أول نَفَس.