زراعة مستقبل الأردن: سياسة للزراعة المرنة والنمو الاقتصادي والسيادة الغذائية
إعداد المهندس نبيل إبراهيم حداد
مستشار في الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع
إخلاء المسؤولية
إن الآراء ووجهات النظر الواردة في هذه المقالة تعبّر عن رأي
الكاتب فقط، ولا تعكس بالضرورة السياسات أو المواقف الرسمية لأي حكومة أو جهة أو
مؤسسة ذات صلة. تهدف المعلومات المقدّمة إلى تعزيز الوعي والمعرفة العامة، ولا
يجوز اعتبارها بأي حال من الأحوال نصيحة مهنية أو قانونية أو فنية.
وعلى الرغم من بذل كل جهد ممكن لضمان دقة وموثوقية المعلومات
الواردة، فإن الكاتب لا يتحمّل أي مسؤولية عن أي أخطاء أو سهو أو نتائج قد تترتب
على استخدام هذه المادة.
يُسمح للأفراد والمنظمات والهيئات الحكومية باستخدام أو إعادة
إنتاج أو نشر أو تكييف المعلومات الواردة في هذه المقالة، كلياً أو جزئياً، دون
الحاجة إلى إذن مسبق. ويُقدَّر الإشارة إلى اسم الكاتب باعتبارها تقديراً للجهد
الفكري والمهني، ولكنها ليست مطلوبة.
إطعام الأردن: أولوية وطنية
في ظل التحولات السريعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، أصبح
الأمن الغذائي أحد أهم ركائز الاستقرار الوطني. وبالنسبة للأردن، البلد محدود
الموارد الطبيعية والمتزايد سكانياً، فإن تعزيز القطاع الزراعي لم يعد خياراً
اقتصادياً فحسب، بل ضرورة وطنية.
ينبغي أن يكون مشروع "إطعام الأردن" محوراً أساسياً
للنمو الاقتصادي والمرونة الوطنية، قائماً على الابتكار، وضبط الجودة، والمساءلة،
ونظم الدعم الذكية التي تمكّن المزارعين والباحثين والصناعيين على حد سواء. إن
ضمان تطبيق معايير الجودة في جميع مراحل الإنتاج من البذرة إلى التصدير سيحافظ على
صحة المستهلك، ويعزز ثقة الأسواق، ويرفع مكانة الأردن في الأسواق الإقليمية
والدولية.
1. توسيع نظام القروض
الزراعية وربطه بالتدريب وضمان الجودة
يُعد نظام القروض الزراعية في الأردن أحد أدوات الدعم
الأساسية للمزارعين، لكنه بحاجة إلى التطوير ليصبح أداة تنموية وتعليمية بدلاً من
أن يقتصر على التمويل المالي.
ينبغي ربط منح القروض الزراعية بالتدريب الإلزامي في مجالات
الزراعة الحديثة، وإدارة التربة والمياه، وتقنيات ضبط الجودة. وتُقدَّم هذه
البرامج من خلال مديريات الزراعة وبالتعاون مع الجامعات والمعاهد الزراعية ومراكز
البحث العلمي، لضمان أن الدعم المالي يُترجم إلى تحسين ملموس في الإنتاجية
والاستدامة وجودة المنتج.
كما يُمنح المزارعون الذين يُكملون التدريب ويُثبتون تطبيقهم
للممارسات الحديثة حوافز إضافية مثل تخفيض الفائدة أو تمديد فترة السداد. إن ربط
التمويل بالمعرفة والمساءلة سيُنتج جيلاً من المزارعين المحترفين القادرين على
تلبية احتياجات السوق المحلي ومتطلبات التصدير العالمية.
2. تعزيز كفاءة خدمات
الإرشاد الزراعي المجانية المقدَّمة من المرشدين الزراعيين الحكوميين
في الأردن، تُقدَّم خدمات الإرشاد والتوجيه الزراعي من قِبل
المرشدين الزراعيين الحكوميين مجانًا للمزارعين. إلا أنّ رفع كفاءة هذا الدور
الحيوي يتطلب تحسين مستوى الفعالية، والاستمرارية، والمساءلة في أداء هذه الخدمات.
يُعدّ المرشد الزراعي الحكومي حلقة الوصل الأساسية بين البحث
العلمي والتطبيق الميداني، ويمكن تعزيز دوره من خلال ما يلي:
• تدريب مهني منتظم في
التقنيات الزراعية الحديثة، ومكافحة الآفات والأمراض، وأساليب التكيّف مع تغيّر
المناخ.
• توفير الدعم اللوجستي
الكافي، بما في ذلك وسائل النقل المناسبة، والأدوات الرقمية، وأنظمة التواصل
الميداني لتمكينهم من الوصول إلى جميع المناطق الزراعية بكفاءة.
• تحديد مؤشرات أداء واضحة
مثل: رفع الإنتاجية، وتقليل الفاقد، وتحقيق التزام المزارعين بمعايير الجودة
والإنتاج السليم.
وعندما يُدعَم المرشد الزراعي الحكومي بالموارد والتدريب
الكافي، يستطيع أن يقدّم إرشادًا أكثر فعالية ودقة، قائمًا على البيانات
والمعلومات الحديثة، مما ينعكس مباشرة على تحسين الإنتاجية والاستدامة والربحية
الزراعية.
3. المساءلة وضبط الجودة
والحوافز للمرشدين الزراعيين الحكوميين
يجب أن يُكلَّف كل مرشد زراعي حكومي بمجموعة محددة من
المزارع، ويكون مسؤولًا عن الأداء الفني، وجودة الإنتاج، ومدى تطبيق الممارسات
الزراعية الحديثة فيها.
وينبغي على المرشدين إعداد وتنفيذ خطط تطوير للمزارع تتضمن
أهدافًا كمية قابلة للقياس، وتقديم تقارير متابعة دورية إلى المشرفين عليهم. إنّ
الشفافية والتوثيق المنتظم عنصران أساسيان لضمان التطوير المستمر وتقييم الأداء
بعدالة.
ولتعزيز الدافعية والتميّز المهني، يُقترح اعتماد نظام حوافز
قائم على الأداء يشمل مكافآت مالية، وشهادات تقدير، وفرص ترقٍّ مهني للمرشدين
المتميزين.
إنّ هذا النهج يحوّل الإرشاد الزراعي من عمل إداري روتيني إلى
خدمة مهنية قائمة على النتائج والجودة، تسهم في تحقيق تحسينات ملموسة ومستدامة في
القطاع الزراعي الأردني.
4. بناء منظومة تخزين ودعم
صناعي متكاملة
يُعد نقص مرافق التخزين والتبريد من أبرز التحديات التي تواجه
المزارعين الأردنيين. ففي موسم الحصاد يؤدي فائض الإنتاج إلى انخفاض الأسعار،
بينما يؤدي النقص في المواسم الأخرى إلى ارتفاعها.
لذلك، يجب دعم القطاع الصناعي الزراعي لتطوير وتشغيل مرافق
تبريد وتخزين ومعالجة غذائية تحت إشراف نظام صارم لضبط الجودة، بما يحقق استقرار
الأسعار، ويُقلل الفاقد، ويُوفر المنتجات الزراعية على مدار العام.
كما ينبغي تجهيز هذه المرافق بأنظمة مراقبة دقيقة لدرجات
الحرارة والرطوبة والنظافة، للحفاظ على القيمة الغذائية وجودة المنتج، وهو ما
يُعزز مكانة الأردن في الأسواق التصديرية.
5. تبنّي التقنيات الزراعية
الحديثة
تُشكّل التقنيات الحديثة مثل الري بالتنقيط، والزراعة
المائية، والزراعة الدقيقة، والمراقبة عبر الأقمار الصناعية تعد ركيزة أساسية
للتحول الزراعي في الأردن.
يجب تشجيع المزارعين وتدريبهم وتحفيزهم على تبنّي هذه
التقنيات التي تُسهم في رفع الإنتاجية، وتحسين ضبط الجودة، وتتبّع مراحل الإنتاج.
كما تتيح الأنظمة الرقمية الحديثة مراقبة صحة التربة، وكميات المياه، ومدخلات
الإنتاج، بما يضمن الالتزام بالمعايير الوطنية والدولية.
وفي بلد يعاني من شح المياه كالأردن، فإن تبنّي التكنولوجيا
الزراعية لم يعد خياراً بل ضرورة استراتيجية لضمان الاستدامة والتنافسية.
6. إنشاء مكاتب زراعية
أردنية في الأسواق التصديرية
تتمتع المنتجات الزراعية الأردنية بإمكانات كبيرة في الأسواق
الإقليمية والدولية، إلا أن طول سلاسل التوريد يُضعف الأرباح ويؤثر في جودة
المنتجات.
لذلك، يُقترح إنشاء مكاتب زراعية أردنية في الأسواق الواعدة
مثل دول الخليج وأوروبا وشمال إفريقيا وتعمل هذه المكاتب كمراكز لتنسيق التبادل
التجاري والرقابة على الجودة ودعم شهادات المطابقة، بما يضمن أن الصادرات الأردنية
تلتزم بالمواصفات الدولية. كما تُسهم في تعزيز القدرة التنافسية ورفع الشفافية
وبناء علامة "الجودة الأردنية" في الأسواق العالمية.
7. الحوافز الزراعية والتميّز
في الإنتاج
تُعد الحوافز محركاً أساسياً لتحقيق التميز في أي قطاع
اقتصادي. ولذلك، يُقترح إطلاق البرنامج الوطني للحوافز الزراعية لتكريم المزارعين
الذين يُحققون أداءً متميزاً في الإنتاجية والاستدامة والجودة.
ويشمل التكريم المزارعين الذين يُحافظون على إنتاج عالي
الجودة وفق المعايير الدولية، ويُحتفى بهم في المحافل الوطنية. إن تقدير هذه
النماذج الناجحة سيُحفّز الآخرين ويُرسّخ ثقافة التنافس الإيجابي والتميز الزراعي.
8. تشجيع البحث العلمي
والابتكار الزراعي
يتعيّن على الجامعات والمعاهد الأردنية أن تؤدي دوراً أكثر
فاعلية في دفع التحول الزراعي من خلال التركيز على أبحاث سلامة الغذاء، وضمان
الجودة، وتحسين العمليات الزراعية.
ويمكن للشراكات بين المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص أن
تُنتج حلولاً وتقنيات وطنية جديدة تُعزز جودة المنتجات الزراعية وتُسهم في تطوير
معايير وضوابط جديدة من المزرعة إلى المستهلك.
الخلاصة
إن إطعام الأردن لا يعني فقط إنتاج كميات أكبر من الغذاء، بل
إنتاج غذاء أفضل. ويعني بناء منظومة تقوم على المرونة، والاكتفاء الذاتي، وثقافة
الجودة التي تضمن الأمن الغذائي والاقتصادي معاً.
من خلال ربط التمويل بالتعليم، وتمكين المزارعين بالدعم
الفني، وتطبيق أنظمة ضبط الجودة في جميع مراحل الإنتاج، يمكن للأردن أن يُحوّل
الزراعة إلى قطاع وطني قوي، تنافسي، ومستدام.
فالزراعة الحديثة، حين تُدار بذكاء وتُراقَب بجودة، قادرة على
إطعام الإنسان وتنمية الاقتصاد وتأمين مستقبل الوطن في عالم مليء بالتحديات.

























