بالمبادئ تُبنى الأوطان… وبالأخلاق تُصان
د. طارق سامي خوري
الأخلاق ليست زينة
فكرية نعلّقها على جدار الخطابات، بل هي روح النهضة ومحور قوة الأمة. والأمم التي
تتقدّم ليست تلك التي تتراكم فيها الثروات، بل التي تتراكم فيها القيم ويتجذر فيها
الإيمان بالمبادئ. فالأخلاق هي المقياس الحقيقي لنهضة الشعوب، ولقدرتها على مواجهة
التحديات وصنع مستقبلها بإرادة واعية وصلبة.
الأخلاق فعلٌ قبل أن
تكون قولًا، والتزامٌ قبل أن تكون شعارًا. ليس الشريف من يتغنى بالشرف، بل من
يمارسه. وليس الوطني من يرفع راية الوطن، بل من يحفظ كرامته. القيم الحقيقية تُقاس
حين تتطابق الأفعال مع الأقوال، وحين يصبح السلوك اليومي شاهدًا على إيمان الإنسان
بمبادئه، لا مجرد كلمات تُقال في المناسبات.
المبادئ هي الضمانة
التي تمنع الانحراف حين تتكاثر المصالح، وهي البوصلة التي تحفظ اتجاه الأمة في
لحظات الارتباك. الأمم التي تفتقد مبادئ واضحة تتحول إلى جماعات متصارعة، أما تلك
التي تحيا على قيم العدالة والحق والحرية والانضباط فإنها تبني تاريخها بثبات
وتصنع مستقبلها بإرادة صلبة. المبدأ هو الشيء الوحيد الذي يبقى ثابتًا حين تتغيّر
كل الظروف من حولنا.
القيم ليست مفردات
معنوية، بل قوة استراتيجية. قيمة الانضباط تُقيم المؤسسات، وقيمة الشجاعة تخلق
المقاومين، وقيمة التضحية توحّد المجتمع، وقيمة المسؤولية تُنتج إدارة تليق
بالوطن. وحين تترسخ هذه القيم في النفوس، يصبح الشعب كله قوة واحدة، قادرة على
حماية حقوقها وصون إرثها ومواجهة كل مشاريع التفتيت.
الأنانية هي السمّ الذي
يدمّر الأمم، لأنها تضع مصلحة الفرد فوق الجماعة، وتحول المجتمع إلى جزر معزولة.
أما التضحية فهي روح العمل العام وسرّ بناء الدول. التضحية بالوقت، بالجهد،
بالراحة، وبالمصلحة الشخصية من أجل المصلحة العامة هي ما يصنع الأمم الحيّة. هكذا تُبنى الأوطان، وهكذا
تُصنع النهضات.





















