غزة بين الوصاية الدولية وإعادة هندسة الصراع: مستقبل غامض في ظل قرار مجلس الأمن
وائل منسي
في ضوء التطورات
المتسارعة وقرار مجلس الأمن الأخير بشأن غزة، تبدو المنطقة أمام مرحلة جديدة
تتجاوز ما هو سياسي وما هو إنساني إلى إعادة هندسة شاملة للصراع وحوكمة القطاع.
فالقرار الذي مُرِّر بغطاء دولي واسع، وامتناع الصين وروسيا وتصويت الجزائر لصالحه
على نحو صادم، أسّس لنقلة نوعية من "إدارة الحرب” إلى "إدارة أمننة غزة”، عبر
إنشاء قوة دولية ليست لحفظ السلام بل لقمع أي تهديد وفرض نظام انتقال سياسي وأمني
مشدد بإشراف أميركي مباشر يقوده مجلس "السلام” الجديد الذي أعلن ترامب رئاسته له
فور صدور القرار.
هذا التحوّل يكشف أن
الهدف المركزي للخطة ليس وقف الحرب فقط، بل نزع سلاح المقاومة وتفكيك بنيتها
السياسية وفرض وصاية أمنية طويلة الأمد تُبقي الفلسطينيين في حدود أدوار إدارية
وخدمية دون أي شكل من أشكال السيادة أو تقرير المصير. وتأتي خطورة هذه المرحلة من
أنها تضع غزة على مسار تدويل كامل، وتفصل القطاع عمليًا عن بقية الأراضي
الفلسطينية، وتحوّل القضية إلى ملف أمني تشرف عليه القوى الدولية، فيما يصبح وقف
الإبادة والمجاعة والتهجير جزءًا من "الكأس المر” الذي يُضطر الفلسطينيون لتجرعه
تحت ضغط الوقائع.
التحالفات الإقليمية
والدولية تتصرف ببراغماتية مكشوفة؛ فالصين وروسيا اكتفتا بالامتناع تجنبًا للصدام
مع واشنطن، والجزائر صوّتت مع القرار في موقف غير قابل للفهم السياسي التقليدي،
بينما تتجه الولايات المتحدة إلى قيادة عملية إعادة هندسة كاملة للمشهد السياسي
الفلسطيني. وهنا تبرز الأدوار الإقليمية في شكل دوائر متفاوتة التأثير: مصر تتحرك
بوصفها الراعي الحدودي والحلقة الأساسية لأي ترتيبات أمنية، حريصة على تجنب
سيناريو الفوضى أو التهجير، لكنها مضطرة للتعامل مع آلية أمنية دولية لا تملك
منفردة السيطرة عليها. أما تركيا فتسعى إلى التموضع في مرحلة ما بعد الحرب من خلال
إدارة ملفات إعادة الإعمار أو المشاركة في القوة الدولية بشكل يضمن لها نفوذًا
داخل التوازنات الجديدة.
في حين أن السعودية
تبدو أكثر حذرًا، لكنها ترى أن القرار قد يفتح بابًا لمسارات سياسية أوسع تربط غزة
بصفقة إقليمية تشمل ترتيبات أمنية ومكاسب دبلوماسية، مع حرصها على عدم الانجرار
إلى صدام مباشر مع الفصائل.
على الجانب الآخر،
يلتزم الأردن بموقف ثابت وواضح يقوم على عدم الانخراط في أي قوة أمنية داخل غزة أو
تقديم دعم لوجستي يتصل بالعمليات العسكرية أو الأمنية، مقتصرًا دوره على الجانب
الإنساني والإغاثي فقط. هذا الموقف يعكس إدراكًا أردنيًا لمخاطر الانخراط في
معادلة قد تُفجّر حدود التوازنات الدقيقة في الإقليم، وتضع المملكة في قلب صراع
معقّد لا ترغب في أن تكون جزءًا من هندسته الجديدة.
أمام هذه التفاعلات،
تصبح غزة مختبرًا دوليًا لإدارة الصراع، تُعاد فيه صياغة العلاقة بين القوة
والسيادة والمجتمع، وتتحول القوة الدولية إلى الأداة الحاكمة لمسار السنوات
المقبلة.
ومن خلال تحليل
المتغيرات الكلية للمشهد الاجتماعي والتقني والاقتصادي والسياسي، يتضح أن القطاع
يسير نحو مرحلة انتقالية معقدة قد تمتد حتى 2027، تتراوح نتائجها بين نموذج وصاية
أمنية صارمة تُبقي الفلسطينيين تحت إدارة مشددة، أو عودة أشكال جديدة من المقاومة
غير المركزية إذا فشلت القوة الدولية في فرض سيطرتها، أو حتى صفقة إقليمية تمنح
غزة "دولة منزوعة السلاح” تأخذ شكل كيان سياسي محدود السيادة لا يشبه الدولة إلا
في الشكل والاسم.
غزة اليوم تدخل مرحلة إعادة تشكيل شاملة، حيث لا
يعود السؤال عمّا إذا كان القرار الدولي جيدًا أو سيئًا، بل عن كيف سيُعاد إنتاج
الصراع داخل بيئة أمنية تُدار دوليًا، وكيف سيستطيع الفلسطينيون تحويل هذه الوصاية
إلى منصة ضغط سياسية بدل أن تتحول إلى قيد دائم.
وفي كل السيناريوهات،
يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات كبرى تعيد صياغة مستقبل الإقليم، لا مجرد مستقبل
غزة وحدها.

















