الاستفادة من المعجزة الاقتصادية الفيتنامية: كيف يمكن للأردن أن يستفيد من مسار فيتنام في التعافي والوحدة والنمو وجذب الاستثمارات
م. نبيل إبراهيم حداد
مستشار الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع
تُعد فيتنام واحدة من أبرز قصص النجاح في العالم من حيث التعافي
بعد الحرب والتحول الاقتصادي. فبعد سنوات طويلة من الحرب والانقسام العميق بين
الشمال والجنوب، استطاعت فيتنام أن تعيد بناء نفسها عبر تعزيز الوحدة الوطنية،
واعتماد نهج عملي، واتباع استراتيجية مدروسة للانفتاح الاقتصادي. واليوم أصبحت
مركزاً صناعياً مهماً ونقطة جذب للاستثمارات العالمية في آسيا.
أما الأردن، وبفضل موقعه الاستراتيجي وشبكة علاقاته الدولية
القوية، فيمكنه الاستفادة من تجربة فيتنام ليس فقط في السياسات الاقتصادية وتعزيز
التماسك الاجتماعي، بل أيضاً في بناء تدفقات استثمارية ثنائية وخاصة من خلال جذب
المستثمرين الفيتناميين إلى الأردن.
1. رأب الانقسامات: نهج
فيتنام في تعزيز الوحدة والتنمية الشاملة
بعد حرب فيتنام، واجهت الدولة انقسامات اجتماعية وسياسية
واقتصادية عميقة بين الشمال والجنوب. وقد تمت معالجة هذه الانقسامات عبر:
• وضع رؤية وطنية موحدة
تركّز على التنمية الاقتصادية قبل أي اختلافات سياسية.
• توازن الاستثمارات بين
جميع المناطق لضمان عدم تهميش أي طرف.
• برامج تعليم وطنية عززت
الهوية المشتركة والثقافة الموحدة.
• دمج نقاط القوة بين
انضباط الشمال وروح ريادة الأعمال في الجنوب.
• التركيز على المستقبل بدلاً
من إعادة إنتاج الخلافات التاريخية.
ويمكن للأردن الاستفادة من هذه الدروس لتعزيز الوحدة بين
المحافظات وضمان أن التنمية تشمل الجميع.
2. الدروس الاقتصادية التي
يمكن للأردن تبنيها من نموذج النمو الفيتنامي
أ. التصنيع الموجه نحو التصدير
ركزت فيتنام على تطوير الصناعات الموجهة للأسواق العالمية،
ويمكن للأردن تعزيز ذلك من خلال:
• صناعة الهياكل الفولاذية
الخفيفة (LGS) والمباني
الجاهزة
• الصناعات الدوائية
• الصناعات الغذائية
والأسمدة
• تجميع الإلكترونيات
والصناعات الخفيفة
ب. تطوير رأس المال البشري
استثمرت فيتنام بكثافة في التدريب المهني والتقني، ويمكن
للأردن:
• توسيع نطاق المعاهد
التقنية
• مواءمة التدريب مع
احتياجات سوق العمل
• بناء مهارات متخصصة لدعم
المدن الصناعية
ج. جذب الاستثمارات الأجنبية (FDI)
وفرّت فيتنام بيئة جاذبة للشركات العالمية عبر:
• مناطق اقتصادية فعّالة
• تنظيمات واضحة
• سياسات مستقرة وطويلة
الأمد
3. كيف يمكن للأردن جذب
المستثمرين الفيتناميين ولماذا سيستفيدون من العلاقات الدولية الأردنية؟
تبحث الشركات الفيتنامية اليوم عن أسواق جديدة خارج آسيا،
ويشكّل الأردن فرصة استراتيجية ممتازة، للأسباب التالية:
أ. الاستفادة من شبكة الأردن الواسعة من الاتفاقيات التجارية
يمكن للمستثمرين الفيتناميين أن يستخدموا الأردن كبوابة تصدير
من خلال الاتفاقيات مع الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، كندا، الدول العربية
عبر (GAFTA)منطقة
التجارة الحرة العربية الكبرى، والمملكة المتحدة. ما يتيح للمنتجين الفيتناميين
التصنيع في الأردن والتصدير بدون رسوم، تنويع انتشارهم العالمي، وتسريع الوصول إلى
أوروبا والخليج وهذه نقطة قوة استراتيجية نادرة.
ب. الأردن كبوابة إلى الشرق الأوسط وإفريقيا
يمكن للشركات الفيتنامية في مجالات الصناعات الغذائية،
النسيج، الإلكترونيات، الطاقة المتجددة، المباني الجاهزة، والأسمدة
وأن تستخدم الأردن كنقطة انطلاق للوصول إلى: دول الخليج،
العراق، سوريا، وأسواق شمال إفريقيا، وحيث يُعد الأردن الخيار الأكثر أماناً
واستقراراً في المنطقة.
ج. العمالة الماهرة والكلفة الصناعية المناسبة
يوفر الأردن للمستثمر الفيتنامي قوة عاملة متعلمةن مهندسين
وتقنيين ذوي كفاءة، لغة إنجليزية جيدة، تكاليف تشغيلية مناسبة، وهذا يتيح للشركات
الفيتنامية التوسع بثقة وجودة عالية.
د. فرص الشراكات ونقل التكنولوجيا
تتميز فيتنام بـ: كفاءة التصنيع، تقنيات التجميع، التكنولوجيا
الزراعية، وسلاسل الإمداد الفعّالة
بينما يمتلك الأردن خبرة في: الهندسة، إدارة المشاريع،
اللوجستيات، بناء الهياكل والمباني الجاهزة
التعاون المشترك سينتج عنه: منتجات تنافسية، انتقال
التكنولوجيا، ودخول أسواق جديدة
هـ. تعزيز العلاقات الثنائية لمصلحة الطرفين
يشترك الأردن وفيتنام في: تاريخ من التحديات الإقليمية،
الالتزام بالاستقرار، شبكة علاقات دولية واسعة، ورغبة في توسيع قطاع التصدير. جذب
المستثمرين الفيتناميين سيعمّق العلاقات ويعود بالنفع الاقتصادي على كلا البلدين.
4. خطة عملية لجذب
المستثمرين الفيتناميين إلى الأردن
يمكن للأردن اتخاذ الخطوات التالية:
1. تنظيم منتديات استثمار
أردنية–فيتنامية
2. تقديم حوافز خاصة
للمستثمرين الفيتناميين في المناطق الصناعية
3. الترويج لاتفاقيات الأردن
التجارية عبر السفارات والبعثات
4. إنشاء شراكات صناعية
مباشرة بين الشركات الأردنية والفيتنامية
5. تأسيس "مجلس أعمال
أردني–فيتنامي”
6. تنشيط دور السفارات
الأردنية في التواصل مع الشركات الفيتنامية
هذه الخطوات كفيلة ببناء علاقة اقتصادية مستدامة ومربحة
للطرفين.
الخلاصة
إن مسار فيتنام من الانقسام إلى الوحدة، ومن الفقر إلى
الاقتصاد الصناعي المتقدم، يقدم للأردن نموذجاً غنياً بالدروس والعبر. فمن خلال
تبني نهج عملي، وتعزيز التماسك الوطني، وبناء قطاعات صناعية واعدة، يمكن للأردن أن
يسلك طريقاً مشابهاً نحو نمو مستدام. كما أن جذب المستثمرين الفيتناميين يمثل فرصة
استراتيجية للأردن كي يصبح مركزاً إقليمياً للتصنيع والخدمات اللوجستية، مستفيداً
من علاقاته الدولية، وقوته البشرية، واستقراره السياسي.
















