فنّ الحرب في المبيعات؛ تحويل الاستراتيجية إلى نجاح
م. نبيل إبراهيم حدّاد
مستشار الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع
في بيئة الأعمال المعاصرة، تشتد المنافسة وتتغيّر الأسواق
بسرعة، ويعتمد النجاح ليس فقط على جودة المنتج أو الخدمة، بل على الاستراتيجية
والتوقيت وفهم ميدان المعركة تماماً كما في الحروب. كتاب فنّ الحرب لسون تزو، الذي
كُتب قبل أكثر من 2,500 عام، يبقى من أكثر المراجع تأثيراً في عالم التخطيط
الاستراتيجي. ورغم أنه موجّه للقادة العسكريين، إلا أن حكمته تنطبق مباشرة على
محترفي المبيعات الذين يسعون للنجاح في الأسواق التنافسية اليوم.
1. الذكاء السوقي "اعرف نفسك
واعرف عدوك”
تبدأ حكمة سون تزو بفهم قدراتك ونقاط ضعفك، ومعرفة خصمك
جيداً. وفي عالم المبيعات، يعني ذلك معرفة نقاط قوة شركتك وضعفها، وفهم احتياجات
العملاء الحقيقية، ومتابعة استراتيجيات المنافسين.
يشمل الذكاء السوقي تحليل عروض المنافسين، نماذج الأسعار، مستوى
الخدمة، وولاء العملاء. وعندما تعرف أين يضيف منتجك قيمة حقيقية، تصبح قادراً على
المنافسة بفعالية والفوز.
النجاح لا يأتي من البيع أكثر… بل من البيع الأذكى.
2. الإعداد والتخطيط "كل
معركة تُحسم قبل أن تبدأ”
تبدأ الصفقة الناجحة قبل أول اجتماع مع العميل.
يشمل التحضير فهماً عميقاً لعمل العميل، تحدياته، هيكله
الإداري، وميزانيته. وكما يدرس الجنرال أرض المعركة، يدرس محترف المبيعات السوق
والعملاء.
عندما يكون العرض مناسباً تماماً لحاجة العميل، وتكون الموارد
الداخلية متوافقة ومهيأة، تصبح النتيجة أقرب إلى النجاح المؤكد وليس المصادفة. كل
صفقة كبيرة مثل كل انتصار كبير، هي نتيجة تخطيط واعٍ.
3. التموضع في السوق "هاجم
حيث لا يتوقع الخصم”
أكد سون تزو أهمية الضرب في المناطق غير المتوقعة. وفي عالم
المبيعات، يعني ذلك اكتشاف العملاء أو القطاعات التي يتجاهلها المنافسون.
بدلاً من المنافسة على السعر فقط، يفوز فريق المبيعات من خلال
التميّز في الخدمة، الكفاءة الفنية، والدعم بعد البيع. عندما تقدّم ما يهمله
الآخرون، تعيد تشكيل ساحة المنافسة لصالحك.
4. القدرة على التكيّف "في
قلب الفوضى توجد الفرصة”
الأسواق تتغيّر بسرعة: تقنيات جديدة تظهر، واحتياجات العملاء
تتبدّل، والظروف الاقتصادية تؤثر على قرارات الشراء.
علّمنا سون تزو أن القادة الأقوياء يتكيّفون كالماء، يأخذون
الشكل المناسب للظرف. يجب على فرق المبيعات اعتماد نفس الفلسفة. باستخدام الأدوات
الرقمية، تحليلات CRM، وذكاء السوق
المدعوم بالذكاء الاصطناعي، يصبح التغيير فرصة وليس تهديداً.
المرونة تحول الاضطراب إلى ميزة تنافسية.
5. بناء العلاقات "أعظم
الانتصارات هي التي لا تتطلب معركة”
يقوم النجاح الحقيقي في المبيعات على الثقة، لا الصراع.
يركّز سون تزو على مبدأ الفوز دون قتال. وفي الأعمال، يعني
ذلك أن يراك العميل كشريك موثوق لا كبائع فقط.
تُبنى الثقة من خلال الالتزام، الشفافية، وتقديم قيمة حقيقية.
عندما يكسب العميل ثقتك، تكون قد ربحت قبل بدء التفاوض.
6. اتخاذ القرار السريع
"السرعة جوهر الحرب”
التوقيت عنصر حاسم في الفوز بالصفقات.
شدد سون تزو على أهمية التحرك السريع عندما تحين الفرصة. يجب
على فرق المبيعات الرد بسرعة على الاستفسارات، والمتابعة بدقة، واتخاذ قرارات
مدروسة في الوقت المناسب. في كثير من الحالات، الفريق الأسرع هو الفريق الذي يفوز.
السرعة يجب أن تكون استراتيجية وليست اندفاعاً.
7. تمكين الفريق "يفوز من
يملك القوة العسكرية دون تدخّل من القيادة العليا”
على قادة المبيعات تمكين فرقهم ومنحهم الثقة.
التدخل المفرط يعيق التقدم ويقلّل من المبادرة. أما عندما
يكون الفريق مدرَّباً وواثقاً ومخوَّلاً باتخاذ القرار، فإنه يتحرك بثقة تنعكس
إيجابياً على العملاء.
الفرق المُمَكّنة، الموجهة بأهداف واضحة ونظام أداء فعّال،
تحقق نجاحاً منضبطاً ومستداماً.
8. الكفاءة وإدارة الموارد
"الحملات الطويلة تُنهك الدولة”
العمليات الطويلة وغير الفعّالة في المبيعات تستنزف الوقت والطاقة
والموارد.
حذّر سون تزو من إطالة أمد الحملات العسكرية. وبالمثل، يجب
على استراتيجيات المبيعات التركيز على الكفاءة: تحديد العملاء ذوي الإمكانات
العالية، تقييم الفرص مبكراً، وتوجيه الجهد حيث تكون الفائدة الأكبر.
الانتصارات السريعة والواضحة أفضل من المعارك الطويلة ذات
العائد المحدود.
9. قوة الإصرار "الحدّ
الفاصل بين الفوضى والنظام يكمن في الانضباط”
ذكّرنا سون تزو بأن النجاح يأتي من الانضباط والحفاظ على
المساروليس من الضربة الأولى.
في المبيعات، كثير من الصفقات لا تُخسر بسبب المنتج، بل بسبب
الاستسلام المبكر. الإصرار هو ما يحول الاحتمال إلى إنجاز.
"لا” اليوم قد تعني فقط
"ليس الآن”.
الإصرار المهني يعني المتابعة الذكية، التواصل المستمر،
والبقاء حاضراً دون إزعاج. إنه القدرة على تعديل الأسلوب بناءً على ردود الفعل
والظروف تماماً كما يغيّر القائد خطته بناءً على واقع المعركة.
الإصرار هو الجسر بين الجهد والنتيجة. إنه ما يمنع ضياع الفرص
بسبب التعب أو التردد.
النصر في النهاية لمن يتحلى بالصبر والانضباط، ويعرف أن إغلاق
الصفقة ليس فعلاً واحداً، بل حملة من التواصل الذكي والمتواصل.
10. الاستراتيجية في عقود
الإنشاءات — "من يكسب المعركة هو من يتهيأ لها جيداً”
تُعدّ عقود الإنشاءات من أكثر مجالات الأعمال حساسية
وتعقيداً، نظراً لتداخل الوقت والتكلفة والجودة وإدارة المخاطر. وهنا تظهر مبادئ
فنّ الحرب بوضوح. فالفوز في المشاريع لا يعتمد على السعر الأقل، بل على فهم شروط
العقد، وتحديد مسؤوليات الأطراف، وإدارة المطالبات والتعديلات بذكاء واستباقية.
ومثلما يحلّل القائد العسكري أرض المعركة قبل التقدم، يجب على
المقاول أو المورّد تحليل بنود العقد، فهم شروط الدفع، نطاق العمل، وآليات فض
النزاعات. إن الاستعداد الجيد، وتقييم المخاطر الفنية والقانونية، وبناء علاقة
شفافة مع الاستشاري والمالك، كلها عناصر تحوّل العقد من مصدر خلافات محتملة إلى
إطار استراتيجي للفوز وتحقيق نتائج مستدامة.
عقود الإنشاءات تكافئ من يقرأ التفاصيل، يدير المخاطر، ويتحرك
بذكاء وتوازن.
الخاتمة: الاستراتيجية هي فنّ الانسجام
جوهر المبيعات هو فهم الإنسان: معرفة احتياجاته، توقع سلوكه،
وتقديم حل حقيقي له. يذكرنا سون تزو بأن الانتصار لا يأتي من العدوان، بل من
الذكاء والانضباط والانسجام بين التخطيط والتنفيذ.
عندما تصبح المبيعات استراتيجية، يصبح النجاح مستداماً.
وعندما يلتقي العلم بالانضباط، نصنع قيمة.
ونجعل الأردن أقوى.


















