طلاب الجامعات… الكتلة الحرجة التي ستحدد شكل الدولة الأردنية في العقد القادم
وائل منسي
كتب أحد مفكري أوروبا الشرقية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي:
"كلما ارتفع وعي المجتمع،
ازداد احتكاكه بالنظام السياسي.”
واليوم يتجلى هذا في موجة شبابية عالمية تُعيد رسم العلاقة
بين الجيل الجديد والدولة:
من احتجاجات جيل Z في
المغرب، إلى انسحاب شباب المكسيك من المشاركة السياسية، وصولًا إلى احتجاجات بعض
دول أوروبا ضد السياسات الاقتصادية.
جيلٌ لا يقبل الجاهز… ولا ينتظر الدور… ولا يرضى بالخطاب
التقليدي.
وفي الأردن، تتقدم الدولة في مسار إصلاحي سياسي اقتصادي وسط
إقليم يشتعل وحرب على حدودنا، وثورة ذكاء اصطناعي تغيّر شكل سوق العمل.
وفي قلب هذا المشهد يقف طلاب الجامعات أكثر من 300 ألف
طالب ليس بوصفهم فئة شبابية فقط، بل كتلة حرجة قادرة على قلب المعادلة السياسية
والاجتماعية إذا جرى تمكينها.
هذا الجيل رقمي بالكامل، سريع، ابتكاري، ويطالب ببيئة حكومية
تتعامل معه بلغة المستقبل لا بأدوات الأمس. وهذا ما جسّده ولي العهد الأمير الحسين
بن عبدالله الثاني عبر لقاءاته المباشرة، ومشاريعه في الأمن السيبراني، والاقتصاد
الرقمي، وبرامج المهارات المستقبلية، ورؤية تُقيم شراكة حقيقية مع الشباب، لا
علاقة رعاية تقليدية.
وفي المقابل، لا تزال قوى الشدّ العكسي تحاول إبطاء التحوّل،
متمسكة بنفوذ يعود إلى زمن ما قبل التحول الرقمي. لكن اتجاه الدولة أصبح أوضح:
الانتقال نحو جيل جديد… بنمط جديد… بأدوات جديدة.
وتتقدم في هذا السياق مبادرات المجتمع المدني ومراكز التفكير،
وعلى رأسها معهد السياسة والمجتمع، الذي أطلق واحدة من أهم الدراسات البحثية
النوعية لاستطلاع توجهات طلاب الجامعات حول السياسة، الاقتصاد، الهوية،
التكنولوجيا، والمستقبل.
وقد كشفت هذه الدراسة أنّ
جيل الجامعات يمتلك وعيًا مرتفعًا، وتطلعات واضحة، وميولًا سياسية واقتصادية
مختلفة عن الأجيال السابقة، بما يجعلهم القوة الأكثر تأثيرًا في مسار التحديث.
إن هذه المعطيات كلها تقود إلى خلاصة واحدة:
طلاب الجامعات هم شريان التحديث، ووقوده، وشرطه الأساسي.
وهم القوة التي يمكن لها إن تم إشراكها أن تدفع الأردن نحو
عقد جديد من الإصلاح الحقيقي، أو إن تم تهميشها أن تتجه نحو اللامبالاة وفقدان
الثقة.
ولذلك فإن نجاح الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية
يتوقف على قدرة الدولة على بناء علاقة حديثة مع هذه الكتلة الحرجة، علاقة تقوم على:
الشراكة لا التوجيه
والمنصّات لا الخطابات والابتكار لا الرقابة.
والذكاء الاصطناعي لا الورق.
جيل الجامعات اليوم ليس جمهورًا سياسيًا… بل قوة تقريرية.
ليس جزءًا من المستقبل… بل صانعه.
ولذلك، فإن الأردن لا يمكن أن ينهض إلا بهم، ومعهم، وبما يوقظ
طاقاتهم الهائلة.















