لحظة مفصلية تتجاوز حدود المستطيل الاخضر
وائل منسي
في
لحظة مفصلية نادرة، يقف الأردن أمام فرصة تتجاوز حدود المستطيل الأخضر، بعدما نجح
منتخبه الوطني في بلوغ كأس العالم 2026 للمرة الأولى في تاريخه.
لم يعد
الحدث مجرد إنجاز رياضي، بل تحوّل إلى بوابة واسعة لإعادة تموضع الأردن اقتصاديًا
وسياحيًا ورقميًا على الخريطة العالمية، خصوصًا في ظل ما يعيشه العالم من أزمات
اقتصادية وتوترات إقليمية تزيد من قيمة أي نافذة ترويجية كهذه.
فالمشاركة
لا تعني فقط رفع العلم الأردني بين كبار العالم، بل فتح مسار جديد يمكن أن يعيد
تشكيل صورة الأردن وفرصه التنموية لعقد كامل، لاسيما مع إقامة البطولة المقبلة في
الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهي أسواق ضخمة ذات قوة إعلامية وتأثير عالمي
هائل.
الأثر
الاقتصادي يبدأ من المكاسب المالية المباشرة التي يخصصها الاتحاد الدولي لكرة
القدم للمنتخبات المتأهلة، إذ يُتوقع أن يحصل الأردن على ما بين 13 و15 مليون
دولار كدعم فوري يعزز ميزانية الاتحاد ويسمح بالاستثمار في تطوير البنية الرياضية
والبنية الملازمة للسياحة.
لكن
خلف هذا الأثر الفوري، تتحرك موجة أكبر: عقود رعاية أعلى، انتعاش الصناعات الخفيفة
المرتبطة بالقمصان والمنتجات الرسمية، ونمو الطلب المحلي على المنتجات الوطنية
المرتبطة بالمنتخب.
وفي
الوقت نفسه، تبدأ القطاعات المساندة بالاستفادة مباشرة، من الضيافة والفنادق
والمطاعم والمقاهي، إلى شركات الطيران والمكاتب السياحية التي تنظم الرحلات إلى
أمريكا الشمالية، إذ يتوقع أن يرافق المنتخب آلاف المشجعين، ما ينعكس على حركة
السفر والاقتصاد المحلي.
أما
التحول الأبرز، فهو الانفجار الرقمي في حجم الاهتمام العالمي بالأردن.
لقد
تضاعفت مرات متابعة المحتوى الأردني على المنصات الرقمية العالمية بشكل غير مسبوق،
مع ارتفاع معدلات البحث عن الأردن وثقافته وتاريخه، وتوسع حضور المحتوى المرتبط
بالمنتخب على منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام.
بات
الأردن، ولأول مرة، جزءًا من "المحادثة الكونية” التي ترافق كأس العالم، وقد أصبح
الجمهور العالمي أكثر اطلاعًا على هوية البلد وصورته وقصصه، ما يعزز تأثير القوة
الناعمة بصورة لم تشهدها المملكة في تاريخها الحديث.
ويشكل
"تأثير الأرجنتين” إضافة نوعية، بعد أن حلت الأردن في مجموعة تضم حامل اللقب.
ملايين المشاهدات ستتجه تلقائيًا نحو مباريات المجموعة، ما يمنح الأردن مساحة
ترويجية مجانية لا يمكن تحقيقها عبر أي حملة مدفوعة.
هذه
اللحظة الإعلامية الذهبية يمكن أن تُستخدم لصياغة رواية وطنية جديدة تعرّف بالأردن
كوجهة آمنة، مستقرة، ومليئة بالكنوز السياحية والتجارب الطبيعية والثقافية الفريدة.
وستكون
مشاهد البترا ووادي رم والبحر الميت جزءًا من سردية أوسع تصل إلى جمهور متنوع يمتد
من الأمريكتين حتى آسياط وأوروبا.
وإلى
جانب ذلك، تفتح المشاركة الباب أمام تنمية نمط متكامل من السياحة الرياضية، حيث
يمكن للزوار الجمع بين متابعة مباريات البطولة واستكشاف الأردن.
يمكن
للقطاع السياحي أن يبتكر منتجات جديدة، وأن ينظم فعاليات ثقافية مرافقة، وأن يستغل
فرصة تزايد الرحلات إلى أمريكا الشمالية لتحسين شبكات الطيران وجذب خطوط جديدة.
يتناغم
ذلك مع رؤية اقتصادية حديثة تركز على الاستدامة وجذب السياح الواعين بيئيًا مع
الحفاظ على الإرث الثقافي.
لكنّ
استثمار هذه اللحظة التاريخية يحتاج إلى مؤسسات تتحرك بسرعة.
المطلوب
هو غرفة عمليات وطنية تجمع وزارات الاستثمار والسياحة والصناعة والتجارة ووزارة
الشباب، إلى جانب القطاع الخاص والمجتمع المدني، لتشكيل منصة ترويجية موحدة.
ويجب
أن تُبنى خطة تسويق عالمية تشمل حملات رقمية موجهة لأسواق محددة، وإعلانات في
الملاعب، وتعاونًا واسعًا مع صناع المحتوى الأردنيين القادرين على مخاطبة الجمهور
العالمي بأكثر من لغة وربط صورة الأردن بصورة منتخبه.
و لا
تمثل مشاركة الأردن في كأس العالم 2026 مجرد حدث رياضي؛ إنها فرصة لإعادة تعريف
الأردن عالميًا، وتعظيم مكاسبه الاقتصادية والسياحية والرقمية، وتعزيز الثقة
الاستثمارية، وترسيخ صورة الأردن كوجهة آمنة ومستقرة وحديثة. لقد تضاعف الاهتمام
العالمي بالأردن، وتضاعفت معه الفرص. ما تبقى هو قدرة الدولة على تحويل الزخم إلى
استراتيجية، والاستراتيجية إلى منجز وطني طويل الأمد.
#الأردن
#الرياضة #كرةالقدم #فيفا #FIFA #jordan #Algeria #argentina #austria














