عرض كوميدي طويل: العدالة الاجتماعية انسحبت من المشهد
وائل منسي
التحليل المنطقي
والمتوازن للعلاقات بين طبقات "المسهولين" الرسميين يشبه محاولة قراءة
بالفنجان أو قراءة الكف، أو برنامج أحد الأحزاب التي لا يسمع عنها أحد إلا في موسم
الانتخابات؛ طبقات مترابطة داخليًا كأنها لجنة مركزية غير معلنة، ومنغلقة على
نفسها كحزب عقائدي اكتشف فجأة أنه بلا عقيدة، ومنتفخة في أتون اللعي العام حتى
باتت تمارس رياضة طنّش تعِش بتأثير وعي غائب، ولا وعي ضائع، ولا إرادة شعبية تبحث
عن العدالة الاجتماعية ضائعة بين رفوف اقتصاد السوق الاجتماعي الذي صار سوقًا بلا
بضاعة وعدالة بلا وزن.
منظومة بلا ميثاق جديد،
بلا عقد اجتماعي، بلا مدنية أو ديمقراطية، وتريد أن تصل إلى الحقيقة بينما لا تعرف
أصلًا أين وضعت خريطة الطريق، تمامًا كما تفعل أحزابنا حين تعلن رؤيتها المستقبلية
عبر منشور فيسبوك آخر الليل ثم تنام مرتاحة الضمير.
وبالطبع ستفشل في تحقيق
أمل الشعب المسحوق الذي تحوّل من طبقة وسطى إلى طبقة "نصف بخار" بفعل
إجراءات اقتصادية ترفع شعار السوق الاجتماعي لكنها تنسى كلمة "اجتماعي"
على باب الوزارة أو باب الحارة.
أما تلك العلاقة
المنضبطة والمنعتقة من التجاذبات المنعكسة، والمربوطة والمنغمسة في قوقعة
الترادفات المتشعبة اللامنهجية داخل فضاء الإعلام الرقمي، فهي بالمختصر تشبه تنظيرات
الأحزاب عن المشاركة السياسية: كلام كثير، فعل قليل، وإيمان عميق بأن ليّ ذراع
الاعتقاد هو الحل، وأن الجماهير ستقتنع بمجرد زيادة حجم الخط في البيان.
ولا ننسى التوازن
اللامحدود في الوجدان، والميتافيزيقيا الوجودية التي أصبحت جزءًا من ديكور
الكينونة والصيرورة، بينما يعلو المشهد العام طاغوت الخربطة الحكومية؛ خربطة صارت
مرجعًا معتمدًا، حتى أن بعض الأحزاب بدأت تستشهد بها في برامجها، وكأن الفوضى صارت
مدرسة فكرية. وهذا هو الصحيح طبعًا، لأن المنطق والعدالة الاجتماعية وفعالية السوق
يبدو أنها انسحبت من المشهد مبكرًا تاركةً لنا عرضًا كوميديًا طويلًا… وما زلنا في
الفصل الأول.

















