سرديّة الكاتشب"...
نارت قاخون
وكأنّ
"السّرديّة" قد نزلت علينا تنزيلَ الوحي الأخير!
"سرديّة" في كلّ زمان؛ صباحاً في التّصريحات
الرّسميّة، ظهراً في مقالات الرّأي، مساءً في برامج الحوار، ليلاً على فيسبوك وX ... قبل "المباريّات" وبعدها، بين
الشّوطين والأستوديو التّحليليّ، بين ضوء البرق ورعده في عاصفة رعديّة!
كلّ شيء صار سرديّة،
وكلّ خطاب يريد أن ينقذ العالم بـ"إعادة إنتاج السّرديّة"، أو
"تفكيك السّرديّة"، أو "بناء سرديّة بديلة"؛ حتى صرنا بحاجة
إلى سرديّة تشرح لنا ما معنى السّرديّة!
ولأنّ الكلمة صارت
تُستعمل في كلّ شيء، فقد صارت -من فرط الحفاوة بها – تصلح لكلّ شيء… ولـ"لا
شيء في آن واحد"!
كيف كنّا نعيش قبل
"السّرديّة"؟!
ألم يكن لأحدنا
"قصّة"؟
ألم يكن لأحدهم
"خُرّاف"؟
ألا نعرف لتاريخنا
"رواية"؟
اليس لمدننا وقرانا
وبوادينا "ذاكرة"؟
ألم يكن عيشنا
"ملحمة"؟
ألا نتقلّب بين
"مسرحيّة تراجيديّة" تتخلّلها فواصل "كوميديّة"؟
ألم يكن منتخبنا يخوض
"مباريات وبطولات"؛ يفوز أحياناً، ويخسر أحياناً أخرى، نشاهدها
و"نحكي عنها"؟
ألم تكن لنا
"أغنيات"؟ "أحاديث جِدٍّ وهزل"؟
ألم نكن نقترف
"الشّعر"؛ فيكون "قليله" أدباً، وكثيره "جريمة وقلّة
أدب"؟!
ألم تعد هناك
"رواية رسميّة" يصرّح بها "مسؤول مطّلع رفض ذكر اسمه"؟!
أذكر أنّنا كنّا نعيش
بين "التّاريخ" الّذي كتبه المنتصرون، و"حكايات" منسيّة
يتهامس بها الخاسرون...
ونكابد
"واقعاً" يراه بعضنا "محنة"، وآخرون "منحة"...
كنّا نوعد بـ"غدٍ
أفضل"، ويقال لنا "القادم أجمل"، والآن: انتظروا
"سرديّة" تفكّك ما قبلها، ويفكّكها "ما بعدها"...
سامحكم الله! لقد جعلتم
حياة من يعمل في "النّقد الأدبيّ" صعبة و"سمجة"؛ تسبّب فيه
كلمة "السّرد والسّرديّة" الزّكام والتهاب الحلق وشخير الصّدر وطنين
الأذن، وأوجاع الرّكبة، وتقلّب المعدة والأمعاء، و"سرديّة الإعياء العامّ"...
أمست
"السّرديّة" بديلاً عن "الكاتشب الرّخيص"؛ يُسكَب فوق أيّ
طبق؛ فيفسده!


















