عدو لا عهد له .. فلماذا نعتمد عليه
عوض ضيف الله الملاحمة
وضع الأردن المائي ، مأساوي ، حيث يعتبر من أفقر دول العالم مائياً
. ويتذبذب تصنيفه ، فجهات تعتبر الأردن خامس أفقر دولة مائياً في العالم ،
وجهات اخرى تصنفه من الدرجة الثالثة ، والثانية ، وبعضها يعتبر الأردن افقر دولة
في العالم مائياً.
المشكلة ليس في تضارب التصنيف ، المشكلة الحقيقية ان الأردن فقير
مائياً فعلياً . في حين تتراوح حصة الفرد من الماء سنوياً بين ( ٥٠٠ - ١,٠٠٠ ) متر
مكعب على مستوى العالم ، تتراوح حصة الفرد الأردني بين (
٦٠ — ٦١ ) متراً مكعباً سنوياً . وللتوضيح ان هذا الرقم لا يقيس استهلاك
الفرد لإستخداماته الشخصية ، أبداً ، وإلا كنا في بحبوحة مائية ، لأن حصة الفرد
ستكون ( ٥ ) امتار مكعب شهرياً . لكن معدل استهلاك المياة ، يحسب من ضمنها
الإستهلاك الزراعي ، والصناعي وغيره.
والأمر الأخطر انه اذا لم يتم ايجاد حلّ جذري لمشكلة نقص المياه في
وطننا الحبيب ، فإن بعض الدراسات تشير الى توقع إنخفاض مستوى حصة الفرد من المياة
سنوياً الى رقم مرعب قد يصل الى ( ٣٠ ) متراً مكعباً في العام ، عندها يكون الأردن
قد عطش فعلياً.
السبب الرئيسي في وصولنا الى هذه المرتبة المنخفضة جداً ،
يعود الى عدة أسباب ، أهمها :— ١ )) عدم إجراء دراسات إستراتيجية مبنية على النمو
السكاني . ٢ )) إعتماد الأردن الأكبر على المياه الجوفية والسطحية ، والمخزون
المحدود في السدود . ٣ )) الهجرات المتعددة المفاجئة ، وغير المتوقعة .
الهجرات إبتلاء عظيم ، ليس على صعيد الإحتياج المائي ، بل على كافة
الجوانب الحياتية ، التي منها : إزدياد معدلات الجرائم بكافة انواعها ، ومنها
جرائم لم يعهدها المجتمع الأردني ، إضافة الى عدم التنبؤ بالنمو السكاني ،
والإزدحامات المرورية ، والضغط على الموارد والخدمات الاخرى كالخدمات الصحية والتعليمية
وغيرها.
لا حلّ لمشكلة نقص المياه في الأردن الا في إقامة ( الناقل الوطني
) . الذي سيكفي الاردن لمدة ( ٢٠ ) عاماً ، فيما لو انتج ( ٣٠٠ ) مليون متر مكعب
سنوياً . وحتى نتجنب تكرار حدوث نقص في المياه ، من الضروي بعد تنفيذ الناقل
الوطني ، ان تتم المباشرة في تنفيذ مشاريع اخرى تسند الناقل الوطني وتراعي النمو
السكاني.
المتابع لمشكلة شُحّ المياة في الأردن ، يعرف ان لدينا علماء
وخبراء أكفياء في هذا المجال . حيث يؤكدون ان لدى الأردن مخزوناً من المياة
الجوفية العميقة تكفينا لقرون طويلة ، بل اكد بعضهم ان مخزونها لا يمكن ان ينضب .
ومن حسن الحظ انني قرأت خبراً يفيد بقيام فريق بحثي أردني مكوّن من أكاديميين ،
وخبراء في جامعات اردنية ووزراة المياه والري ، يعملون بمبادرة من وزارة التعليم
العالي والبحث العلمي على مشروع رائد للكشف عن المياه العميقة في مناطق مثل وادي عربة
، مستخدمين أجهزة متقدمة وتقنيات حديثة لتعزيز الأمن المائي للأردن .
كما يفترض ان قامت الحكومات السابقة ، ومنذ سبعينيات القرن الماضي
بمشاريع تحلية صغيرة ، قابلة للتوسعة، بما يتناسب مع النمو السكاني ، والإستجابة
لمتطلبات الهجرات ، ولا تشكل عبئاً كبيراً على موازنة الدولة .
والمستغرب ، كيف لنا ان نركن لوعود عدو إمتهن وإتصف بنقض عهوده منذ
قرون . قد يقول قائل اننا ركنا الى وجود اتفاقية دولية ، يفترض ان تُلزِم العدو
بتزويد الأردن بالكميات المتفق عليها . وأقول : منذ متى التزم العدو بوعد وعهد
واتفاقية؟
القصور المتراكم لعقود أوصلنا الى معضلة كبيرة نتمنى ان نصل الى
حلّ مناسب ، بزوال عقبات توفير التمويل لمشروع تحلية مياة البحر الأحمر . ولا اعرف
السبب الذي يمنعنا من طرح المشروع للإكتتاب العام ، ليتم تنفيذه بأموال وطنية ؟
ولو تم تجاوز هذه العقبة الكأداء ، سنواجه مشكلة كبيرة أخرى تتمثل في حاجة المشروع
الى سنوات طويلة ، قد تمتد الى ( ٦ ) سنوات او أكثر ، والنقص المتراكم في المياه
يزداد ، ويتراكم الشُحّ ، وعدد السكان في إزدياد مضطرد ، والذين قدِموا كمهاجرين
مؤخراً يبدو ان الغالبية العظمى منهم لا ترغب في العودة ، وترحيل المشكلة من سنة
الى اخرى يؤدي الى تفاقمها.
أعتقد انه يفترض اننا وصلنا الى قناعة أكيدة وراسخة بأن لا نعوِّل
على عدونا ، ولا نعتمد عليه في شيء أبداً . فعدونا يسعى بخبث شديد الى إيذائنا
والإضرار بنا بكل ما أوتي من إمكانات وقدرات وفُرص ، فهل من المنطق ان نعتقد بأنه
سيساعدنا في التغلب على بعض مشاكلنا الإستراتيجية ، التي تتعلق بإحتياجاتنا
المائية !؟ وهل هناك حاجة أخطر من شُحِّ المياة ؟
عدونا يتربص بنا الدوائر ، ويهددنا وجودياً ، فهل من المنطق ان
نأمنه على إحتياجاتنا المائية ؟ المثل يقول : ( من مأمنه يؤتَ الحذر ) ، فكيف نأمن
ممن هو مكمن الخطر ؟ عدو لا عهد له ، فلماذا نعتمد عليه ؟













