أبناؤنا والضعف في النحو العربي ... العلاج (1)


د. محمد علي النجار
تناولنا في المقالات السابقة أسباب الضعف في النحو العربي عند أبنائنا الطلاب ، ولم يكن المعلم بمعزل عن تحميله قدرًا من المسؤولية ، ودللنا على ذلك بالفارق في المستوى ، بين طلاب صفين في مدرسة واحدة ، لكل صف معلم ، يدرّسان المنهج ذاته!!. فهؤلاء الطلاب على النحو مقبلون ، وأولئك عن معلمهم منصرفون ، وبسبب عجزه من النحو نافرون!!.
ولعلنا في ضوء التعرض لبعض أسباب الضعف ، نستطيع أن نجد العلاج ، وأن نصف الدواء لهذه الظاهرة ، هذا العلاج الذي أراه ينـحصر بالدرجة الأولى ، ما بين المنهج والمعلم ، يقول الأستاذ جميل صليبا (مسؤوليات المعلم داخل الفصل) "إننا نُعلم في مدارسنا كثيرًا ، ولكن طلابنا لا يتعلمون منا إلا قليلاً ، وسبب ذلك فساد طرق التدريس التي نسلكها في تعليمهم ، وفساد الكتب المدرسية الموضوعة في أيديهم ، وقلة الوسائل السمعية والبصرية التي نستخدمها في التدريس … فلو جمع المعلمون إلى سعة العلم جودة التدريس ، وفكروا في الأثر الذي يتركه تدريسهم في نفوس تلاميذهم ، لكان مردودهم التربوي أعظم".
وهذا يكاد ينطبق على المعلم والمنهج في مدارس عالمنا العربي دون استثناء ، ومن هنا نشأت المشكلة ، إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال ، إخلاء طرف الإدارات المدرسية ، والتوجيه الفني من المسؤولية ، ولا استبعاد الطالب والبيت من العملية التعليمية ، ولكننا نركز على المعلم ؛ لأنه أقدر الأطراف ذات العلاقة على الكشف والعلاج ، فإذا أخلص في أدائه ، وكان ذا كفاءة علمية وفنية ، سهل عليه أن يقـضي على الضعف عند طلابه ، أو الحد من هذا الضعف في الفصل ، بالتعاون مع الأطراف الأخرى.
وهناك نماذج في الميدان التربوي ، تؤكد قدرة المعلم على التغيير ، والارتقاء بالطلاب من حالات الضعف إلى مستويات أفضل ، بل بدا في بعض الفصول عند بعض المعلمين ، تقدمٌ واضح في مستوى المتعلمين ، ليس كحالات فردية في الفصل ، بل تحسن ملموس يستغرق جميع الطلاب في الفصل الواحد ، مع وجود تفاوت في هذا التحسن ، وهذا أمر بَدَهيّ يندرج تحت الفروقات الفردية للطلبة .
ومن هنا فحديثنا عن العلاج سيقوم على اتجاهين اثنين :
الاتجاه الأول : وهو علاج وقتي ، يتمثل في علاج الضعف داخل الفصل .
الاتجاه الثاني : ويقوم على محورين :
المحور الأول : المنهج والكتاب المدرسي .
المحور الثاني : المعلم .
وهذا العلاج يمكن الاستفادة منه على المدى البعيد .
أما الاتجاه الأول ، فيعتمد اعتمادًا كبيرًا على علاج المشكلة ، من خلال التفاعل بين المعلم والطالب داخل الفصل ، ويتمثل في:
• عدم تدريس النحو على أنه هدف وغاية ، بل على أنه وسيلة لإصلاح اللسان ، وصَوْن القلم من الخطأ والزلل ، ولن يترسخ هذا المفهوم في أذهان الطلبة ، إلا من خلال توجيههم ، ومحاسبتهم على الأخطاء النحوية ، في مختلف كتاباتهم وإجاباتهم الشفوية في بقية فروع المادة .
• على المعلم أن يحرص على توصيل المعلومة النحوية من أقـصر الطرق ، دون تقعيد أو تعقيد ، والتدرج في المادة النحوية من السهل إلى الصعب ، ومن البسيط إلى المركب ، ومن الحسي إلى المعنوي ، حتى لو خالف ذلك توزيع المنهج ، مستخدمًا الوسائل التعليمية المناسبة ، والمفيدة لكل موضوع ، وأن يُتبع الموضوع النحوي بتطبيقات تعزيزية ، تتراوح بين التحريري والشفوي في الفصل ، والواجبات البيتية ، على أن يتم إنجاز هذه الواجبات وإحضارها في اليوم التالي ؛ للتأكد من اطلاع الطلبة على المادة النحوية المشروحة قبل نسيانها ، ومناقشتهم في الصعوبات التي يمكن أن تكون قد قابلت بعضهم لتذليلها ، على أن تكون التطبيقات بما فيها الواجبات ، مناسبة من حيث الكم والكيف لتؤتي أكلها ، فتُرغّب الطلبة ولا تُنفّرهم ، مع الأخذ في الاعتبار وجود الحافز الذي يراه المعلم مناسبًا ومجديًا .
• وإذا عرفنا أن اللغة يمكن أن تؤخذ بالمحاكاة ، فمن المفيد جدًا التزام معلم اللغة العربية بالفصيحة المُعْرَبة ، ويرى الأستاذ عابد توفيق الهاشمي ، أن على المعلم "الابتعاد عن التسكين للتخلص من التحريك ، على نقيض قاعدة الجهال: (سكن تسلم)!! كما يجدر به الابتعاد عن العامية … كما يجدر بسائر المدرسين الالتزام بالفصيحة ، ليكونوا قدوة للطلاب" إضافة إلى تعويد آذان الطلبة ، على تذوق موسيقا اللغة.
• استغلال السبورة بطريقة منظمة ، ومخطط لها في حصة النحو ، بعيدًا عن الارتجالية التي تؤدي – غالبًا - إلى عدم التسلسل في الأفكار ، والخلط بين الأمثلة والمعلومات ، فتنظيم السبورة ، وعرض الأمثلة أو التمرينات ، وكتابتها أو إعدادها بخط جميل ، وألوان متعددة ، تخدم استخراج القاعدة ، كأن يُكتب الفاعل بلون ، والمفعول به بلون آخر ، أو حروف النصب بلون ، والأفعال بلون آخر ، فإن ذلك يشد انتباه الطلبة إلى السبورة ، لمتابعة المعلم ، والانتباه للشرح ، والمشاركة في المناقشة ، وهذا الأمر أصبح سهلاً ، وفي متناول اليد في عصر تكنولوجيا التعليم ، وتوافر الآيباد أو الجهاز اللوحي بين أيدي الطلبة ، منذ الصفوف التعليمية الأولى ، وهو الأمر الذي عززته جائحة كورونا ، وكذلك توافر الأجهزة والبرامج التعليمية للمعلم ، الذي يجب ألا ينتظر إدارة المدرسة لتزوده بذلك ، بل عليه أن يبادر إلى تطوير نفسه بنفسه ، ومسايرة آخر وسائل تكنولوجيا التعليم.
• تشجيع المعلم للطلاب ، وتعزيز إجاباتهم الصحيحة ، وحثهم على استخدام الأساليب اللغوية السليمة في حصة النحو ، وبقية أفرع المادة ؛ لأن التشجيع يعطي الطلبة دفعة من الثقة بالنفس ، مما يؤدي إلى الإقبال على المادة ، والتنافس بين الطلبة على فهمها .. كما يجدر بالمعلم أن يحرص أشد الحرص ، على إشراك جميع الطلبة في المناقشة ، دون الاعتماد على مجموعة بعينها ، وإهمال متوسطي الذكاء ، أو الأقل ذكاء في الفصل ، لما في ذلك من أثر سلبي يدركه المعلم قبل غيره.
أما الاتجاه الثاني في العلاج ، والذي يركز على المنهج والكتاب المدرسي ، ويضع المعلم أمام مسؤولياته ، فمكانه المقال المقبل إن شاء الله.
وللموضوع بقية،،،